ملاحظات على هامش مؤتمر ميلانو لعلاج امراض القلب بالطرق التدخلية 1
١-مقدّمة: رغم الأجواء العصيبة والمُعقدّة جداً التي يمرّ بها لبنان منذ بداية الحراك الشّعبي العارم الذي بدأ في ١٧ تشرين أول ٢٠١٩، ورغم ما صاحبه من حالة إحباط وتخبُّط طالت كل القطاعات وخاصّةً الطّبيّة منها في ظل تعثّر عمل العديد من المؤسّسات الصّحّية وصرف بعضها لعدد كبير من الموظّفين وحسم كبير للمُستحقّات المتوجّبة عليها للعاملين فيها منهم عاملين في الجسم الطّبي وموظفين وممرّضين وغيرهم. ورغم أنّ تلك الأزمة طالت أيضاً الشّركات التي تؤمّن المُسلتزمات الطبّية في ظل نقص السيولة المُتعدّد الأسباب وعلى رأسها عدم القُدرة على تأمين العُملة الخضراء وعدم تسديد المؤسّسات الضّامنة لما يتوجّب عليها للمستشفيات والدّوران في حلقة الإنهيار المُحتّم.
ورغم ورغم ورغم ، كان لا بدّ من البحث عن فسحة الأمل في هذا الجو القاتم والسّفر إلى إيطاليا لحضور مؤتمر طبّي دولي هام وإطلاع الجمهور اللّبناني خاصّةً والعربي تالياً على آخر المُستجدّات في مجال علاج أمراض القلب بالطّرق التدخُّلية وكتابة هذه المقالة التي ستكون على عدّة أجزاء لتلخيص آخر المستجدات في هذا المجال على الصعيد العالمي وخاصّةً في أوروبا وأميركا.
من هنا كان حرصي على نقل بعض المعلومات التي أحببت أن أشارككم بها من هذا المؤتمر الدّولي الذي يُعقد في إيطاليا تحت إسم : مؤتمر JIM 2020 -Join Interventional Meeting :
وهو مؤتمر عالمي سنوي ، مُميز يُعقد في مدينة
"ميلانو " تحديداً وخلال هذه النسخة التي تحمل الرقم ٢٠ من هذا المؤتمر، حرص المُنظّمون ورغم بعض مظاهر التقشّف الواضح والظّاهر على كل المستويات على حُسن تنظيم المؤتمر الذي تستمّر جلساته على مدى ثلاثة ايام مُتتالية في إحدى القاعات الفخمة والأثريّة الرّائعة في فندق Marriott ميلانو، حيث هناك عدّة مُحاضرات وندوات ونقاشات مُهمّة جداً بين مُختلف خبراء العالم حول علاج أمراض القلب بالطُّرق التّدخّلية مع نقل مُباشر لعمليات تجري بشكلٍ حيّ ومُباشر عِبر الأقمار الإصطناعية من أهم مستشفيات أوروبا وأميركا.
هذا المؤتمر الذي ينظّمه البروفسور الايطالي العالمي المشهور انطونيو كولومبو Antonio Colombo بحضور نخبة من أهم أطباء ايطاليا- أوروبا- أميركا وأهم خبراء العالم في هذا المجال. وهو يُناقِش سنوياً كل ما توصّل له الطّب التّدخُّلي للقلب أي العلاج بواسطة القسطرة او التمييل، وفي هذا المجال تطوّرات هائلة
سوف أوجزها لكم لاحقاً مع أهم ما تمّ بحثه وعرضه من إنجازات وأخبار وإكتشافات.
٢-عمليات تغيير أو زرع الصمّامات التّاجية للقلب بواسطة التّمييل أو القسطرة:
وإليكم الفصل الأوّل من ما تمّ الإضاءة عليه بشكلٍ جوهري وهو يدور حول عمليات تغيير أو زرع الصمّامات التّاجية للقلب بواسطة التّمييل او القسطرة TAVI :Transcatheter Aortic Valve Implantation :
وهنا يُمكن القول أنّ هناك ثورة مُستمرة وتطوير ونجاح مُستمر وهائل لهذه العمليات وتوسيع أشمل للحالات التي من المُمكن علاجها بهذه الطريقة.
وكان من اللّافت في وقائع هذا المؤتمر إستمرار التقدّم في مجال زرع الصّمامات التّاجية للقلب بواسطة القسطرة أو التمييل: بحيث أصبحت هذه الطريقة هي الأكثر إنتشاراً وإستعمالاً في مُعظم أنحاء العالم لعلاج مرض إنسداد الصمّام التّاجي الشديد التّكلّس Severe calcified aortic stenosis، طبعاً عند المرضى الذين لا يُمكن أن يخضعوا لعمليات جراحيّة تقليديّة لأسباب مختلفة بسبب التّقدّم في السن ( فوق سن ال ٨٥ سنة عادةً) أو لوجود مشاكل مرضيّة أخرى مثل الفشل الكلوي أو الكبدي أو الإنسداد الرّئوي المُزمن أو الفشل الرّئوي أو آثار الجلطات الدّماغية أو عند المرضى الذين تكون هذه العمليات عندهم عالية الخطورة لأسباب مختلفة . ولكن الجديد هو في عملية توسيع إطار إستعمال هذه التقنيات لتشمل المرضى المُصنّفين بأنّهم من ضمن فئة المرضى "المتوسّطي الخطورة "أو حتى "القليلي الخطورة "Intermediate and low risk patients.
وهذا ما سيشكّل برأي الخبراء في هذا المجال نقطة تحوّل كبيرة في هذا السّياق، لأنّ هؤلاء المرضى كانوا يخضعون في السّابق للعمليّات الجراحيّة التقليديّة، ويتعرّضون لمخاطر مهمّة عادةً ما تكون غير كبيرة جداً عندهم. لكن هذه العمليات كانت تحتاج لشقّ وفتح القفص الصّدري مع ما يُسبّبه ذلك من آلام لمدّة تتراوح بين عشرة أيام حتى الشهر أو الشهرين أحياناً، مع تعريضهم أيضاً لبعض المشاكل في إلتئام الجرح أو حصول إلتهابات فيه، خاصّةً عند المرضى المُصابين بمرض السكّري او البدانة او من مشاكل رئوية مُزمنة . وهذه الجراحة التقليدية تلزمهم عادة أيضاً بأن يبقوا في المستشفى لمدة تتراوح بين خمسة أيام الى أسبوع أو أكثر في بعض الأحيان في حال عدم حصول إختلاطات أو مشاكل جانبية ولأكثر من ذلك في حال حصول إشتراكات أو مشاكل جانبية. لكن طريقة تغيير الصمّام بواسطة التمييل من المُمكن أن تسمح حالياً ومع التقدّم الهائل في التقنيّات للمريض بأن يخرج من المستشفى في اليوم التالي للعملية وأحياناً في ذات اليوم في بعض المستشفيات التي بدأت تعتمد هذه الطريقة وهذا ما يشكّل ثورة كبيرة في هذا المجال خاصّةً اذا ما عرفنا أنّ توسيع هذه الإستعمالات سيسمح لإعتماد هذه التقنيات عند مرضى غير متقدمين في السن ( تحت سن ال ٦٥ الى ٧٠ سنة) عند المرضى المصنّفين في "الفئة المتوسطة الخطورة "او حتى تحت سن ال ٥٠ سنة في فئة المرضى المُصنّفين في "الفئة قليلة الخطورة".
ذلك لأن هناك دراسات كثيرة جديدة ظهرت نتائجها مؤخراً وأثبتت أن العلاج بواسطة القسطرة أو التّمييل يعطي نتائج تعادل النتائج التي نحصل عليها مع الجراحة التقليدية او قد تكون نتائجه أفضل منها في بعض الأحيان على المدى القريب والمتوسط والبعيد. وهنا بيت القصيد أي ان الجراحة التقليدية تفقد أهميتها شيئاً فشيئاً مع تطوير هذه التقنيّات وتوسيع حالات إستعمالها وشملها لمرضى لم نكن نُفكّر أنّهم سيستفيدون منها بهذه السّهولة وهذه النتائج الإيجابية والسريعة ودون أيّة مخاطر كبيرة مُقارنة بالجراحة التقليدية.
وعند السؤال التوجيهي السؤال لأهم الخبراء في هذا المجال وهو الطبيب الاميركي المشهور مارتن ليون Martin Leon حول هذا التحوّل الكبير ، قال ان ذلك يُعتبر خطوة ثورية ويجب عدم الخوف من زرع هكذا صمّامات عند اشخاص صغار في السنّ لأن المواد ( معدن ومواد مُستخرجة من غشاء قلب الخنزير او العجل) التي تُكوّن هذه الصمّامات لم تُظهر حتى اليوم أي خلل في عملها أو وظيفتها على المدى البعيد وبعد مرور حوالي اكثر من ١٢ سنة على إستعمالها ، وبالتّالي لماذا يجب أن نمنع المرضى الشباب أو متوسطي السنّ من الإستفادة منها.
وأردف قائلاً أنّنا نشهد تحوّلات كبيرة في هذا المجال، وعلينا ان ننتظر قليلاً كيف ستذهب الأمور في المسقبل القريب جداً ، لكن اطباء القلب التدخّليين ربحوا نقاط كثيرة في هذه المعركة مقابل جرّاحي القلب التقليديّين، وعلينا أن ننتظر الأشواط الأخرى من المباريات الحاصلة في هذا المجال.
د طلال حمود- طبيب قلب تدخّلي- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود.