رأي

شعار الاستراتيجية الدفاعية لغايات متناقضة: التموضع والوطن بديلا للتوازن المستحيل(علي يوسف)

 

كتب علي يوسف – الحوار نيوز

لعل عنوان الاستراتيجية الدفاعية العنوان الرئيسي الذي يتم استحضاره عند الحديث عن اي حوار ..
والاستراتيجية الدفاعية هي العنوان الرديف لموضوع سلاح المقاومة وقرار السلم والحرب ويدخل ضمنهما اكثر العناوين اهمية، وهي تحرير الارض اللبنانية التي ما تزال محتلة من قبل العدو الاسرائيلي وتحديد تموضع لبنان في ما يُسمى الصراع العربي مع الكيان الصهيوني الغاصب، وصولا لتحديد تموضع لبنان اقليميا وبالتالي دوليا …..
ولعل الموقف من هذه المضامين هو الذي يحدد مستقبل لبنان وبناء دولة المواطنة وخيارات الانظمة السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، و انواع وطببعة السياسات اللبنانية والتي تأتي كلها تحت عنوان الامن القومي اللبناني ومندرجاته ومفاعيلها …

وانطلاقا من ذلك نفهم لماذا تحولت الاستراتيجية الدفاعية الى شعار واستقرت على هذا النحو من دون ان تتحول الى مشروع حقيقي ..
كما نفهم لماذا تُعتبر هذه الاستراتيجية احدى اهم ما يُسمى” الهواجس ” لدى الاكثرية المارونية خصوصا، اضافة الى الهاجس العددي ،واللذين يلامسان اعادة النظر في الصيغة الكيانية للبنان ودوره اللذين رسمتهما اتفاقية سايكس بيكو ،وجعلت من المسيحيين عموما والموارنة خصوصا حارسا عليها اسبابا واهدافا بحكم المصلحة والسيطرة ..
ولعل اقتصار درس الاستراتيجية الدفاعية خلال اجتماعات الحوار التي انعقدت سابقا على النواحي الاجرائية والادارية والتنسيقية بين المقاومة والسلطة والجيش، هي بمثابة تلاعب دهائي من اطراف الحوار جميعا لتجاوز شكلي لاختلاف جوهري ،وهو من نفس طبيعة المعالجات اللبنانية الشكلية والمرحلية والسطحية التي تعتمدها المكونات اللبنانية، طائفية كانت ام سياسية، منذ انشاء لبنان والتي حالت دون تحوّل الكيان اللبناني من تركيبة محاصصة قوية جدا بحكم الغائيتها وتوازن الالغاء فيها ،وبحكم دورها التبعي المتعدد الارتباطات ،الى وطن ودولة مواطنة وبمشروع امن قومي يحدد التموضع والانظمة والسياسات على انواعها …..

وانطلاقا من كل ذلك فالحديث عن الاستراتيجية الدفاعية يتم ويُعبر عن غايات متناقضة .. ولنكن اكثر صراحة هناك فريقان اساسيان في لبنان وافرقاء ثانويون يتنقلون بينهما بحسب المصلحة المؤقتة وتوازن القوى..

-الفريق الاول هو فريق الاغلبية المارونية واتباعها، والذي وان كان اكثر المتشدقين بالسيادة والعروبة، الا انه في الحقيقة لا يعتبر اسرائيل عدوا ولا الصهيونية عدوة ولا يهمه تحرير ما تبقى من ارض لبنانية، ويُعارض اي معارضة للغرب الذي يعتبر انه ينتمي اليه دينا وثقافة (ثقافة المصلحة فوق كل اعتبار) وهو مع دول الخليج ،ويعتبر نفسه عروبيا خليجيا كون الخليج موردا ماليا له يحقق من خلاله مصالحه، اضافة الى انه يعتبر ان الخليج يتبع الغرب .. وهو يعتبر ان قضية فلسطين  قضية فلسطينية لا علاقة له بها ولا يجب ان تكون عائقا للتطبيع مع الكيان الغاصب …
والحديث عن السيادة لدى هذا الفريق هو في وجه من هو في مواجهة الغرب واسرائيل، اما التدخلات الاخرى ومهما كان نوعها فهي مقبولة ( وصولا الى اخذ اسماء مقترحة لرئاسة الجمهورية الى الرئيس ماكرون لاختيار احدهم وتبنيه )ناهيك عن الادوار الاميركية واستجداء التدخلات الاجنبية بما فيها التدخل الاسرائيلي في اجتياح العام ١٩٨٢ .. لتحقيق مشاريع انتحارية تضمن استمرار الحفاظ على المصالح والسيطرة والانتماء التبعي للغرب وحلفائه وصولا للمشاريع التي يتم التداول فيها حاليا ،من توسيع اللامركزية الادارية الى مايشبه الفدرالية المستحيلة او الكونفدرالية الاكثر استحالة من دون اي اعتبار واقعي للمتغيرات الدولية والاقليمية وللجغرافيا السياسية على المستوى الاقليمي او المستوى الداخلي ..و حتى من دون مراجعة للمشاريع الانتحارية السابقة وما انتهت اليها من نتائج كارثية على هذا الفريق خصوصا وعلى لبنان عموما …

-اما الفريق الثاني فهو فريق يمزج بين الايديولوجيا والمصلحة، وهو يحمل بهذا المعنى ثقافة شرقية وهو يعتبر وجود الكيان الاسرائيلي والصهيونية عدوّانا وجوديا، ليس للشعب الفلسطيني فقط وان كانت الكارثة والظلم الاكبر باحتلال ارضه وقعا عليه، وانما عدوان للشعوب والدول العربية جمعاء وحتى للدول الاقليمية والاسلامية .. كما يعتبر هذا الفريق اتفاقية سايكس بيكو اتفاقية تمزيق للمنطقة ولقواها وثرواتها .. كما يعتبر ان الاستقلال الحقيقي لا يمكن ان يتحقق الا من خلال تحرير المنطقة من وجود الكيان الصهيوني …وهو يعتبر ان مصلحة لبنان هي في انتمائه الى محور مواجهة السياسات الغربية ومراعاة الجغرافيا السياسية والتغيرات الحاصلة على المستويين الدولي والاقليمي ..
الا ان مشكلة هذا الفريق انه وان كان حقق توازن الردع مع العدو الصهيوني، الا انه وقف في جميع المستحقات الوطنية من سياسية الى اقتصادية وادارية وسياسات خارجية الخ، في موقع الدفاع وردود الفعل ومنع الخروقات الكبيرة من دون وضع مشروع يتلاءم ورؤيته الاستراتيجية، بما يمثل عجزا مستغربا وان كان تحت شعارات النوايا الطيبة لجهة” مراعاة الشريك في الوطن ” وما شابهها بحيث اتبع شعارات متناقضة ..فالتحرير ومواجهة السياسات الغربية لا تتوافق مع القبول بالتوجه نحو مقصلة صندوق النقد الدولي الاميركية .. بغض النظر عن تحسين الشروط !!!! الخ…
ويمكن القول ان هذه الفجوة الكبيرة هي التي سمحت بنجاح الحصار في افقار واذلال الشعب اللبناني، وان لم يصل الامر الى تحقيق هدف انتفاضة الشعب على المقاومة او انتفاضة بيئة المقاومة عليها……

التوازن المستحيل
————————
ماذكرته لم يكن من باب الشرح الاعتراضي لمواقف الفريقين الاساسيين المعبرين عن عمق الازمة .. بل هو في الحقيقة للقول ان شعار الحوار للوصول الى حلول توازن ،هو اما من باب اظهار ايجابية في انتظار الآتي …او من باب رومانسية فكرية مع انني استبعدها ..
بل يجب القول ان لا امكان للوصول الى اتفاق حول استراتجية دفاعية من دون منطلقات موحدة الاتجاه على الاقل .. و يمكن القول ان مسألة طرح هذا الموضوع بات امرا مملا، خصوصا وانه قد يكون محاولة لاظهار امكان حصول اتفاقات توازن هروبا من استحقاقات المسؤولية عن وضع المشاريع المتناقضة كاملة وواضحة على الطاولة ..
فالهاجسان الاساسيان لفريق الاكثرية المارونية ، اي مسألة مواجهة الغرب واسرائيل ومسألة العدد، بات واقعهما لا يسمح بتوازن وهمي يضع لبنان مرة جديدة امام وطن بلا مرتكزات وطنية و غير تركيبية .. خصوصا في ظل متغيرات دولية كبيرة وفرص كبيرة ..تفرض تموضعات جديدة ..
كما ان الواقع الجيو سياسي وان كان في مرحلة تموضع وقواعد جديدة ،الا ان اتجاهاته شبه واضحة ما لم تغيرها حرب عالمية مدمرة يصعب توقعها في ظل القدرات التدميرية الموجودة، وان كان استبعادها المطلق غير اكيد مع وجود احتمالات جنون مافيات السلطة والمال والسيطرة في العالم ….
في كل الاحوال لم يعد هناك مكان لرومانسية حلول على قاعدة توازن بائد او خاضع لرغبات ..لأن الواقع بات اقوى بكثير من الرومانسيات على انواعها.  وما تشهده التحولات من الحرب الاوكرانية الى الوضع الاوروبي وفرنسا خصوصا، الى مصالحات المتناقضات في اقليمنا افضل دليل على ذلك …
بكل تأكيد نقول شعار الاستراتيجية الدفاعية بات من حوارات الماضي، واي حوار جديد لن يكون ناجعا وحقيقيا الا تحت عنوان تموضع لبنان كدولة ووطن، انطلاقا من امن قومي يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الدولية والاقليمية وصولا الى نظام سياسي واقتصادي واجتماعي وطني يلغي “التركيب والرسالة والمحاصصات والتوازنات الخ..” لتظهر القيم المضافة للبنان واللبنانيين بما يختزن من طاقات بشرية ومادية .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى