رأي

مفاوضات  النووي .. دروس وملاحظات!(نسيب حطيط)   

د.نسيب حطيط – الحوارنيوز

شكّلت المفاوضات عبر التاريخ وجهاً من وجوه حل النزاعات الدولية ،لإنهاء الحروب أو منع حدوثها ،لما تسبّبه من خسائر للأطراف المتحاربة او لعجز طرفي النزاع عن تحقيق النصر الحاسم في الميدان وللنجاة من حرب الإستنزاف الطويلة التي ترهقهما ،وتنتهي المفاوضات بعنوان الخسارة المتوازنة او الربح المتوازن وتجميد  الصراع الى وقت يستطيع فيه  أحد الطرفين ربح المعركة، بشكل محسوم وسريع .

تكتسب المفاوضات الأميركية الإيرانية أهمية إستثنائية ،مع أنها ليست المفاوضات الأولى ،فقد سبقتها مفاوضات استمرت لسنوات  انتجت الإتفاق النووي الإيراني والذي انقلب عليه الرئيس الأميركي “ترامب” في ولايته السابقة من دون مبرّر، وأعاد  فرض العقوبات على إيران التي لم يتم الغاؤها كاملة في الإتفاق الاول.  ويمكن ذكر بعض الملاحظات والدروس والعبر من هذه المفاوضات التي ندعو ان تكون لصالح الشعب الإيراني المُحاصر منذ   انتصار الثورة الإسلامية:

– ألغت المفاوضات الإيرانية السابقة والحالية، مصطلح “المستحيل” في العمل السياسي والعسكري، حيث تضغط المصالح  والظروف الموضوعية للتفاوض مع ” الشيطان الأكبر” .ولذا لا بد للعاملين في السياسة الا يجعلوا بعض المصطلحات السياسية مصطلحات مقدسة ، لا يمكن تغييرها، لأنها ستسقط في لحظه حصار او ضغط او ضعف!

– كرّست المفاوضات ، منهج التفاوض لنزع السلاح أو تقييد نوعه، مقابل رفع العقوبات وتخفيف الحصار ما يفتح الباب امام حركات ودول المقاومة ،للسير بهذا المسار الذي أفتى” وعمل  به “قائد المحور” بعد ما أغلقت المقاومة في لبنان باب “نزع السلاح” ودفعت الأثمان الكبيرة، نتيجة إيثارها وتضحياتها والثبات على المبادئ  والشعارات، وتحملت مسؤولية فوق  واجبها تتجاوز حدود قدراتها وامكانياتها…

– إن القبول بالمفاوضات لنزع السلاح النووي او تقييده ،أعطى نقطة قوة  للطرف الأميركي، لنسخ وتكرار هذه المفاوضات في بقية  ساحات المقاومة وفق قدرات حركات المقاومة على فرض الشروط ،فاذا كانت ضعيفة تحوّلت المفاوضات الى فرض لشروط الإستسلام .وبقدر ما تملك من قوة تتحسن  شروطها وتزيد من الثمن المقابل ،لنزع السلاح او تقييد نوعه، بحيث لا يشكّل تهديداً للعدو الاسرائيلي .

–  كرّست مفاوضات نزع السلاح النووي ومثيلاتها التفوّق الأميركي على اعدائها وخصومها  ،حيث تمتلك قرار   التفاوض او تعطيله  ونقض توقيعها ،بينما تنتظر الأطراف الدولية لتعلن موافقتها على التفاوض في  أغلب الأحيان او رفضها  الا بشروط شكلية، بينما يحصد الطرف الأميركي على المضمون ولا يعطي أي ضمانات بعدم  نقض الإتفاق وفق مصالحه!

– إن مفاوضات نزع السلاح النووي في إيران او تقييده، للبقاء في إطاره السلمي او الإستشفائي، سيشكّل عاملاً ضاغطاً على حركات المقاومة، وخاصه في لبنان على المستويين النفسي والمادي ، ويدفع الرأي العام للضغط عليها للتفاوض حول “نزع السلاح” او تقييده، كما فعلت إيران للنجاة من الحرب(مؤقتاً) ،بل وسيتم معاتبه المقاومة، لأنها دخلت الحرب التي اثخنتها مع أهلها بالجراح ورفضت مقايضة فصل جبهة لبنان عن غزة، مقابل إعطائها مكاسب سياسية في الداخل اللبناني وتنفيذ القرار 1701 كما كان في الفترة ما بين 2006 و2024 (وفق ما تم تسريب بعضه او التصريح ببعضه) في جولات هوكشتاين المكوكية قبل الإجتياح الإسرائيلي البري.

إن خطورة مفاوضات نزع السلاح النووي لا تكمن في وجهها السياسي بل بآثارها الفكرية والعقائدية ،فقد أسقطت “قداسة” المفاهيم والمصطلحات والشعارات وربطها  بالثبات عليها او تجاوزها بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، ما يؤدي  الى إسقاط  وترنّح مفاهيم أخرى تتشابه معها بالقداسة السياسية وبجعل الثبات على المبادئ “وجهة نظر” تتغيّر وفق الزمان والمكان والمصالح …وإذا كانت هناك من مبرّرات شرعية وأخلاقية وموضوعية، تبرّر هذه المفاوضات، فلابد من تعميمها على كل ساحات المقاومة وتثبيت مبدأ اللامركزية في حفظ الوجود والمصالح ،مع تأثيراته السلبية بعدم “وحدة المحور” على مستوى الميدان والمصالح و إنهاء منهج “الجسد الواحد” !

علينا مراجعة أساليب وأهداف ومهمات ،المشروع المقاوم في لبنان وفق مايلي :

 -الثبات على المبادئ والعقيدة .

– حفظ المصالح الوطنية. 

– حصر  مهمة السلاح المقاوم، بالدفاع عن لبنان وتحرير أرضه دون مهمات خارج الحدود.  

– مراجعة منهج ربط الشعار السياسي “بالقداسة ” المطلقة وعدم تثقيف الأنصار والمنتمين على ثقافة الثابت السياسي غير المتحرّك  والصواب القطعي لما يقوله (القائد  غير المعصوم) أو التنظيم، حتى لا يقعوا في فخ الخيبة والتشكيك ،وتثقيفهم على امكانية خضوع العمل السياسي او العسكري ،لمنهج “النسخ او تعطيل تنفيذ  أحكام الحدود”.

–  دعم القضية الفلسطينية، بما يتناسب مع قدراتنا ومصالحنا ،دون تكرار الإسناد العسكري، بانتظار تحرك الأمة ،ميدانياً ونحن  جزء من حراكها وفي طليعته، وأصحاب الطلقة الأولى والصادقة والثابتة على عقيدتها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى