دولياترأيسياسة

قصة العلاقات الأوروبية – الأميركية غير المتوازنة من “ألفها” الى يائها”:صفقة الغواصات الأوسترالية نموذجا(السفير فوزي فواز)

كتب السفير فوزي فواز_ خاص الحوار نيوز

 شكلت غزوة “بيرل هاربر” دافعا لتدخل أميركي في الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء ،والخروج من العزلة السياسية للولايات المتحدة (التي تنسب للرئيس جيمس مونرو)عام 1941.

ورأى القادة الأميركيون أن مصالح أميركا تتطلب المشاركة الإيجابية في الدفاع عن أوروبا،ثم الدخول كطرف فاعل في الحرب العالمية الثانية.ومن ثم ساهم “مشروع مارشال” في إعادة بناء القارة الأوروبية وإعمارها،في فرض النفوذ الأميركي على أوروبا الغربية وجعلها مناطق نفوذ للولايات المتحدة الأميركية.وقد ازداد هذا النفوذ حدة بعد انهيار جدار برلين عام 1989 مع انهيار الاتحاد السوفياتي،لتصبح الولايات المتحدة القوة العظمى الأولى منذ العام 1991.

أدك بعض القادة الأوروبيين متأخرين ما حل ببلدانهم بسبب الحرب ،فلم يتأخروا في تأسيس أول هيئة وحدوية هي منظمة الفحم والصلب عام 1951،والتي تطورت الى السوق الأوروبية المشتركة،وانتهت بإقامة الاتحاد الأوروبي ،وزاد عددها من ست دول الى 28 دولة هي حاليا عدد أعضاء الاتحاد.

وقد شكل الاتحاد الأوروبي قوة اقتصادية فاعلة على الساحة العالمية،وتوسعت اهتمامات الأوروبيين لتشمل جميع مرافق الحياة العامة،ما عدا الوحدة السياسية  التي قد تكون في ضمير القادة الأوروبيين ،إنما لم تصل الى مرحلة الترجمة العملية لأسباب عدة ،لعل أهمها النفوذ الأميركي داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعارض ذلك ،ولنا في انسحاب بريطانيا مؤخرا من الاتحاد (بتشجيع أميركي) خير مثال على ذلك.

شعر الأوروبيون ب”المونة” الأميركية عليهم، فسعى البعض للتفلت منها ،لكن هذه المساعي باءت بالفشل .ففي مطلع هذا القرن ،أراد البلجيك محاكمة آرييل شارون (رئبس الوزراء الإسرائيلي الراحل) على جرائمه ضد الإنسانية ،فانبرت لهم واشنطن وهددت بنقل مقر الحلف الأطلسي ومؤسساته من بروكسل ..وانتهى الأمر عند هذا الحد.

المثال الثاني كان في معارضة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ،الحرب الأميركية على العراق ،لكنه بدّل موقفه عندما حان موعد قطاف المشارع الاعمارية في العراق بعد الحرب.

من جهة ثانية لم يتمكن الأوروبيون بعد 75 سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية من بناء الولايات المتحدة الأوروبية،كما لم يتمكنوا من إقامة وحدة سياسية ذات مناعة وصلابة.فما يجمع عليه الأوروبيون في لقاءاتهم لا يتعدى في أحسن الأحوال الحد الوسط المشترك، وما زالت دول عديدة تحافظ على ما تستطيع من صلاحيات وحقوق سيادية لها.

فعلى الرغم من اتفاقية “شينغن” ،ما تزال الحدود قائمة بين دول أوروبا ،ولكل دولة جهة تسلحها ،فيما التعاون الأمني والمخابراتي ليس في أفضل حالاته ،وكذلك التعاون الثقافي.ولعل القطاع الاقتصادي بصناعته وزراعته وماله هو الأنجع والمتقدم (مثال على ذلك مساعدة اليونان على تخطي أزمتها المالية).

الى جانب هذه العوامل ،ثمة دول أوروبية داخل الاتحاد “برو- أميركية”،كهولندا والتشيك وسلوفاكيا ،ودول أخرى غير مستعدة لمخاصمة أو حتى مواجهة أميركا في حال حصول إشكال ما.ويسجل هنا خروج بريطانيا من الاتحاد بتشجيع أميركي كما أسلفنا.

في الخلاصة لا تريد واشنطن من الاتحاد الأوروبي أن يكون خصما أومنافسا دوليا لها ،بل تريده مكملا لدورها الدولي ،ولن تسمح له بأن يتطور الى وحدة سياسية .وبعد تبدل سياستها أكثر من مرة بين الانعزال والانفتاح ،اعتمدت الولايات المتحدة نظرية “هانس مورغنتاو”القائمة على الواقعية السياسية .فهي تتعامل مع الأحداث الدولية كما هي ،وتتجه الى ما فيه مصلحتها بشكل دائم.ففي العلاقات الدولية ليس هناك أصدقاء دائمون أو مبادئ،بل مصالح وطنية يجب إنجازها بمعزل عن أي أمر آخر.

لذلك كله ،فإن العاصفة التي أثارتها فرنسا بسبب الغواصات الأوسترالية ،ليست أكثر من زوبعة في فنجان.فلا فرنسا قادرة على مواجهة أميركا أوالاصطدام بها أو حتى الاستغناء عنها.كما أنها لم تستطع الحصول على تأييد كامل الاتحاد الأوروبي ،وهي أعادت سفيرها الى واشنطن وهدّأت الأمور ،وإن على مضض، بمجرد اتصال من الرئيس الأميركي بالرئيس الفرنسي.

أما من جهة واشنطن فهي في الوقت نفسه ليست في وارد الاستغناء عن فرنسا والاتحاد الأوروبي ،ولا عن الدور المساعد الموكل لأي دولة أوروبية ،وهي اعتبرت أن تسهيل الاتفاق النفطي الفرنسي- العراقي جائزة ترضية للفرنسيين،وهو لم يكن ليتم لولا الرضا الأميركي.فمواجهة الصين وروسيا في المحيط الهادئ بالنسبة للأميركيين ،أكثر أهمية من اتفاق بقيمة 56 مليار دولار ،خاصة اذا كان من خلال تعاون استراتيجي يضم الأنكلو- ساكسون:أميركا وبريطانيا وأوستراليا.

*سفير لبناني سابق لدى الاتحاد الأوروبي والعديد من دول العالم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى