
بقلم سايد فرنجية – الحوارنيوز
مع عودة دونالد ترامب رئيساً إلى البيت الأبيض في ٢٠٢٥/١/٢٠ و بعد مئة يوم من حكمه، دخلت أميركا في أوضاع مختلفة ومضطربة، كما أدخلها في صراع مع معظم دول العالم، حلفاء وخصوم .
في اليوم الأول من رئاسته أصدر الرئيس ترامب ٢٦ مرسوماً رئاسياً حددت مسار سياسته .لقد قرر الرئيس ترامب مجابهة الدولة العميقة في أميركا، محاولاً إعادة صياغة النظام السياسي والإقتصادي بأحداث تغييرات في المنظومة القانونية والإدارية وفي مؤسسات الدولة والوكالات والمنظمات والغاء وزارة التربية وإقفال محطات تلفزيون وإذاعة “الحرة” وفرض حصار على الجامعات الأميركية وإعادة تنظيم وزارات، وفي طليعتها وزارة الدفاع. كما طرد حوالي ٢٧٠ الف موظف في الدولة الإتحادية وعمل على بناء الجدار الحدودي مع المكسيك وطرد عشرات آلاف المهاجرين .
أصدر ترامب في ٢٠٢٥/٤/٢ قرار الرسوم الجمركية ضد معظم دول العالم و خاصة الصين و أوروبا . قررانسحاب اميركا من منظمتي الصحة العالمية والأونروا التابعتين للأمم المتحدة ، مهددا بالإنسحاب من الأمم المتحدة . طالب بضم كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية لتصبح الولاية ٥١ ،وضم جزيرة غرينلاند وبنما وتهجير الفلسطينيين من غزة وشراء أراضيها و بناء ريفيرا الشرق الأوسط في غزة .
شن الرئيس ترامب حملة على التعليم العالي و ضد أفضل الجامعات الأميركية التي كانت ادعت الدولة الأميركية أنها فضاء حر للأبحاث و تبادل الأفكار ومصنع للأجيال . لقد جمد ترامب حصص العديد من الجامعات، خاصة جامعة هارفرد من تمويل الأبحاث الفدرالي، وتقدر الحصة ب ٢،٢ مليار دولار، لأنها سمحت بالتساهل بلغة معادية للسامية . صعدت قيادة الجامعة ورفعت دعوى قضائية ضد الرئيس ترامب .
يقمع ترامب المهاجرين و العمال و الطلاب الأجانب و الأكاديميين و يحاصرالجامعات ويمنع عنها الدعم المادي و يلاحق المفكرين والأكاديميين .
إن حملة ترامب وإدارته على الجامعات لها علاقة بالتوازن مع الأيديولوجي ” اليمين المتطرف”، لأن الجامعات تقمع الأفكار المحافظة. لذلك يطالب ترامب بوضع الجامعات الأميركية تحت أشراف أدارة اليمين المتطرف .
مع ترامب تشهد اميركا هجوما شاملا على الحقوق الديمقراطية والحريات العامة خاصة الأكاديمية . إنها المكارثية الجديدة في الجامعات وضد المفكرين والأكاديميين .
لقد بدأ ترامب تنفيذ خطته في إجراء متغيرات في العلاقات الدولية و توجهات السياسات الخارجية الأميركية. مؤخراً في ٢٠٢٥/٤/٢٧ نشر الرئيس ترامب تغريدة يطالب فيها بعدم دفع السفن الأميركية، سواء التجارية او العسكرية، أي رسوم عند عبورها قناة كل من السويس وبنما. هذا المطلب يندرج في استهداف ترامب جميع الممرات المائية حول العالم في أطار حربه التجارية مع الصين .
و كان ترامب قد أعلن أن أميركا و أوروبا قد خسروا الحرب في أوكرانيا، فأعلن وقف الحرب في أوكرانيا و التوقف عن دعمها عسكرياً ومالياً، رغم التحفظات الأوروبية، و طرح الإعتراف لروسيا بشبه جزيرة القرم وغيرها من المناطق التي أستعادتها روسيا، ورفض إدخال أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي . طبعاً يعمل على موافقة رئيس أوكرانيا التوقيع على معاهدة استثمار المعادن الأساسية للطاقة النظيفة في أوكرانيا.
بعد التهديد الأميركي ضد أيران تراجع ترامب و عاد إلى طاولة المفاوضات محاوراً ايران، و مستجيباً لطلبها بألا تكون المفاوضات مباشرة وان يشمل جدول الاعمال فقط الملف النووي و رفع العقوبات عن ايران .
و كان قد أعلن حربه على اليمن في ٢٠٢٥/٣/١٥، وشن طيرانه الحربي أكثر من ٨٠٠ غارة على اليمن . الآن يفتش ترامب عن مخرج يساعده لوقف هذه الأزمة التي أدخل اميركا فيها .
يطرح ترامب معادلة اساسها ان الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة القرار على الصعيد العالمي، و يعمل على تنفيذها سلماً او بالتهديد باستخدام القوة الإقتصادية او العسكرية لتنفيذها .
يمارس الرئيس ترامب ضغوطه على النظام العالمي فيفرض رسوما جمركية على معظم دول العالم، معلناً الحرب على التجارة العالمية الحرة، و يعلن انسحاب أميركا من بعض منظمات الأمم المتحدة و يهدد بالإنسحاب منها .
إندفع الرئيس ترامب نحو سياسة الحمائية التجارية المعتمدة على رفع الرسوم الجمركية لحماية المنتوجات الوطنية التي فتحت حرب التجارة العالمية الحرة، معلناً ان الصين و الإتحاد الأوروبي ينهبان الولايات المتحدة الأميركية، لذلك يعيد صياغة العلاقات التجارية الأميركية مع العالم ضد التجارة العالمية الحرة، وفي اتجاه مناقض لمفاهيم العولمة التي يعمل على تفكيكها إقتصادياً و سياسياً ،مع العلم أن اميركا هي التي أطلقت العولمة في تسعينيات القرن الماضي .
وفي هذا السياق أعتبرت صحيفة التايمز البريطانية ” أن عصر العولمة في العالم قد انتهى ” . ومع قرارات ترامب تشهد الولايات المتحدة الأميركية مناخاً من الغموض و أضطرابات عميقة، وكان الدولار أحد ابرز ضحايا الحرب التجارية مسجلاً انخفاضاً بنسبة تتراوح بين ٧٪ و ٩٪ ، كما شهد النظام العالمي حرباً باردة تنعكس مخاطرها على الأقتصاد العالمي ركوداً و تضخماً .
في هذه المرحلة لم تعد الشركات الكبرى في الإقتصاد العالمي مجرد مؤسسات إقتصادية. فشركات “التكنورأسمالية” و شركات “أبل” التي تجاوزت قيمتها السوقية ٣ تريليون دولار، و شركات أمازون و تويتر X ” ماسك ” و غوغل و غيرها و العملات الورقية و ثروات كبار أثرياء العالم، أصبحت ركائز النظام الإقتصادي العالمي المزمع تشكيله .
ركائز هذا النظام الجديد تحمل خطورة كبرى، لأن اي خسارة او تصدع في القيمة السوقية لهذه الشركات، يهدد الأستقرار العالمي ويفتح الباب أمام انهيارات إقتصادية .
لقد دعم رجال الإقتصاد و المال والتكنولوجيا في أميركا انتخاب ترامب رئيساً للمرة الثانية . و هكذا فعل أغنياء و رجال المال والصناعة في المانيا، فمولوا ودعموا النازية وهتلر الذي أدخل أوروبا والعالم بالحرب العالمية الثانية .
يحاول الرئيس ترامب إستخدام فائض القوة الأميركية الذي كان يساعد الإدارات الأميركية السابقة على فرض أميركا على العالم، لكن أميركا الآن ليست القوة ولا تملك فائضها لتفرض مواقفها و شروطها على دول العالم في هذه المرحلة، فاندفع ترامب نحو سياسة الحمائية بفرض رفع الرسوم الجمركية ضد الصين والإتحاد الأوروبي و معظم دول العالم .
لكن الصين ادركت مبكراً الأفكار الأميركية فسرّعت بناء مستقبل جديد للصين ببنية تحتية متطورة ومدارس و جامعات تنتج أجيالاً لتصنع الواقع و المستقبل ، كما بنت مدناً حديثة و شبكة قطارات فائقة السرعة تربط أطراف البلاد، واقتصادا عملاقا واستثمارات ضخمة في التكنولوجيا و الذكاء الإصطناعي .