دولياتسياسة

كورونا شاهد آخر على تجرّد السياسة الاميركية من القيم و الأخلاق .

 

                    د . جواد الهنداوي  
                   كُثرٌ هي الشواهد ، التي لا تزال في خزانة الذاكرة و المكتبة الإنسانية ،على تجّرد السياسة الامريكية من الواجب الإنساني و الأخلاقي ، والمفروض رعايته و احترامه ، و بموجب القوانين الدولية و الإنسانية ، حتى في حالة الحرب .
لستُ في صدد مراجعة وتذكير بمفردات قائمة الحروب والمؤامرات والحالات العسكرية والسياسية ، والتي برهنتْ على دور أمريكي مُجرّد من كل الشروط القانونية الدولية المفروضة ،و من كل القيم و الاعتبارات الإنسانية ، ولكن قد نعيش  ، و للمرّة الأولى ، حالة ، لا هي سياسيّة و لا هي عسكرية تواجه وتهدّد  العالم بأسره ، حالة وباء الكورونا ، و امريكا في إمعان في تجرّدها من القيم و الأخلاق تجاه شعوب تواجه الموت مِنْ الوباء . هي ( و اقصد امريكا ) لا تكتفي بالامتناع عن اقتراح تقديم العون والمساعدة ، ولاعتبارات إنسانية الى الشعب الإيراني او الى جمهورية ايران ، و إنما تفرض مزيداً من العقوبات على ايران وبهذا الظرف  ، بل وتحول ( لتاريخ يوم كتابة المقال ) دون موافقة صندوق النقد الدولي  على طلب ايران بقرض قيمته 5  مليارات دولار ،لمواجهة وباء كورونا المتفشي في ايران . و وجهّتْ امريكا صندوق النقد الدولي برفض طلب اقتراض فنزويلا بمبلغ 5 مليار دولار ،و لغرض مكافحة وباء كورونا ، و ذريعة الرفض هو عدم الاعتراف بسلطة نيكولاس مادورو ، دولياً .
           نعلمُ  أنّ السياسية هي مصالح وليست قيما و أخلاقا ، ولكن يمكن ان تكون مصالح و قيما و أخلاقا ، او وبعضاً منها على الأقل . التجّرد المطلق لسياسة دولة من القيم و الأخلاق يجعلها دولة قائمة على الاستبداد وليس القوة ،قائمة على الظلم وليس العدل ،قائمة على الكذب و الافتراء و تُصاب بداء الغباء.
            أين مواطن الكذب و الغباء في السياسة الامريكية ، وعرّتهم ، مرّة اخرى ، كورونا ؟
            الكذب هو عندما ردّد الرئيس ترامب و رددّ كذلك وزير خارجيته ،السيد بومبيو ،و عدة مرات ، بانهم يكنّون كل الاحترام و يودّون كل الخير للشعب الإيراني ، و امريكا ليست عدواً للشعب الإيراني ! اليوم الشعب الإيراني يعاني الوباء و يواجه الموت ، ما الذي قدّمته او اقترحته امريكا لإيران ، و لدواعي إنسانية ،للمشاركة في محاربة وباء عالمي ؟
             الغباء هو عدم اغتنام الإدارة الامريكية فرصة ما تواجه ايران من حالة إنسانية حرجة للغاية ، و مُدعاة للمساعدة و مّد يد العون ،إنْ لم يكْ ذلك بالأفعال ،على الأقل بالأقوال او بالامتناع عن فرض عقوبات أخرى ،حتى و إنْ كانت العقوبات دون ايّ ضرر لإيران !
          الغباء هو عدم اغتنام الإدارة الامريكية فرصة ما تواجه ايران ،لتعلن امام العالم استعدادها الكامل لمساعدة ايران في مواجهة الوباء ، لتُظهر للعالم ،على الأقل ،بأنْ ادراة ترامب لاتزال تمتلك نوع من الأخلاق والقيم .
         الغباء هو استخدام و استثمار وباء كورونا في فرض مزيداً من العقوبات على ايران ،بدلاً من استخدامه ايجابياً ، ولمّد خيوط تواصل ، و ربما تفاهم مع ايران ،لاسيما ، و من مصلحة امريكا ، وهي مُقبلة على انتخابات رئاسية أنْ تتجنب ايَّ نوع من اشتباك عسكري مباشر او غير مباشر مع ايران . من مصلحة الرئيس ترامب وهو مُقبل على منافسة انتخابية ان يتجنب مقتل ،بين حين و آخر ،عدداً من جنوده في أفغانستان و العراق .
       الغباء هو ان يدعو الرئيس الامريكي المواطنين للصلاة والدعاء برّد ضرر وباء كورونا ، وهو يتعاون مع كورونا حين تفتك بشعوب أخرى تتصارع مع الوباء ، من خلال فرضه عقوبات او منعه البنك الدولي من منح قروض لتلك الشعوب لمواجهة الوباء .
    الغباء يتجسّد حين تستغل امريكا ، وهي دولة عظمى ، حالة الوباء لأغراض سياسية تجاه الصين ، فتنعتْ الفايروس ، بالفايروس الصيني ، و تستغل الوباء لأغراض تجارية و تحاول استغفال او اغراء المانيا ببراءة اختراع وإنتاج وتسويق اللقاح .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى