منوعاتوفيات

كلمة وداع سريعة لأبي.. الأستاذ والمربي الفاضل (عمار مروة)

 

بقلم عمّار مروة

عاد أبي، أحمد حسين مروة، من حيث اتى  الى حيث سيبقى إلى الأبد حرًا ، طليقاً ، أنيقاً. والاهم عاد ممتلئاً بكل اسباب الحضور، وربما بجدوى الغياب المريح الذي لا ندركه نحن الآن . 

 

 وصل بسلام إلى حيث ينتظره امثاله من القديسين الحقيقيين الذين واجهوا الحياة بصلابه وسلام وحب، ونجحوا بذلك اكثر من القديسين الكلاسيكيين المتدينين الذين انسحبوا من الحياة  إلى العزلة والمحابس .. والأهم الأهم وصل إلى حيث يجب ان يكون ليبقى حراً ومرتاحاً إلى الأبد .

 

لدى الناس بشكل عام، والناس الذين يقرأون كلمتي الان بشكل خاص، كمية كبيره من الأسئله عن الموت والغياب والجنة والنار والدين والدنيا والخ .. أسئلة معجونه بالحيره والحسره والجهل والاستلاب .. 

اسئله لا إجابه واحده متوفره عليها، لأنها مُتَطَلّبة معقده وبحاجه إلى قدر كبيرغير متوفر لدينا من المعرفه والحكمه والبصيره وبُعْد النظر الذي لا يمكن الوصول به إلى نوع من الإجابات الحقيقيه عليها .

 ولكنني أستطيع إلى حدود معيّنه ان أدّعي انني وجدت حيالها الاطمئنان والسكينه . 

هذا الاطمئنان لم يأتني من الغيب ولا من الايمان الكلاسيكي بالله ورسله وكتبه وقديسيه . بل لعله في غالبيته اطمئنان جاءني من حبي لبعض الناس الذين شغلتني مواهبهم وقدراتهم واسلوب مواجهتهم للحياة القاسيه التي خاضوها ( بلا تكافؤ) بكثير من الصلابة والصبر العجائبي الذي لم اجد له بعد تفسيرا مقنعا يرضيني بعدالته !. 

إذن الفضل يعود لهؤلاء الذين الهموني بممارستهم للحياة، بما يمكنني أن ادعي اليوم انه اطمئنان ذاتي مريح أدين لهم به !.

بين هؤلاء الناس الذين احبهم وسأحبهم دائماً يقف ابي بطلّته المحبّبه وشخصيته الصلبه الوديعه (بلا تناقض ) ليشغل بالي وفكري دائماً بقدراته الخرافيه على الفهم والتفهّم ومطاردة المعرفه والصبر الجميل بتحمّلنا جميعاً، نحن اهله وعائلته وجيرانه وتلامذته وطلابه ومعارفه الذين لا يُقدّرون بعدد . 

 

نقف اليوم نحن الذين لا نعرف ولو مقداراً بسيطاً مما يدركه ويطاله ويطويه قلب وعقل أبي من معرفه وقدرة على ممارسة الحياة بكثير من الحب والإدراك والتواضع والبساطه والكفاف.. اقول نقف امام غيابه اليوم مشتاقين ونحن المبعثرون (بتنوّعنا )على سنين حياته الطويله التي قضاها بيننا، يعلمنا كيف نتناول الحياة لنمارسها كهبة غاليه بصبر وحب وتفاؤل كان جزءا لا يتحزأ منه ومن شخصيته ومهنته التي علّمنا خلالها أشياء كثيره، بينها مادة الرياضيات الجافه، والتي تعتبر لغة العلوم المتفوقة بجنوحها إلى أقاصي التجريد النظري الأكثر جفافاً وصعوبة وتطلباً على الصبر والتأمل بجدوى علاقتها بالكون وخالقه .

انها الاختصاص الذي احبه ودرسه ابي مع أخيه نزار في الجامعه الاميركيه في بيروت، ليعلّمه لاحقاً خلال كل حياته العمليه كأستاذ في كل ثانويات بيروت وضواحيها امتداداً حتى صيدا !.  

من هنا بالذات اريد ان اعتذر من ابي باسمي الشخصي على ما كلفته به منذ طفولتي من عناء وجهود وتطفّل وكسل واهمال نبَعَ دائماً من عدم امتلاكي لقدراته الخرافيه في كل المجالات العلميه والادبيه والاخلاقيه التي تمتّع بها، وكانت علوم الرياضيات جزءا منها . 

ولعلني لا أخشى ابداً ، بل أتعمد بلا تردد وبصوت عالي الاعتذار منه عن اكثر الناس الذين كانوا جزءا مهما من حياته (من الأقرب إلى الأبعد ) الذين كانوا يستغلون جمال وكمال اخلاقه وصبره على طلباتهم الأنانيه التي لم تتوقف طيلة حياته، والتي كان يجد الوقت، لا بل كان يخلقه بالقوه ليلبيها لهم بكل طيبة خاطر . 

بسبب ابي عرفت دائماً انه يوم يغادر هذه الدنيا حراً، ستعبر روحه بسرعه إلى الملأ الأعلى، حيث لا أرواح إلا من عيار روحه، ولا جمال إلا من عيار جمال خلقه وأخلاقه، ولا اتساع إلا باتساع معارفه وثقافته ومداركه وتطلعاته .

 وكما يقول اهل جبل عامل :  “سيدخل  أبي إلى ذلك الملأ بِعَرَقِهِ وغبرة حذائه ” ،ولن يسأله احد هناك لا عن صلاة ولا صوم او زُكاة وخُمس، لانهم سيجدون أعماله وافكاره وأخلاقه ومآثره وكُتُبَه ومؤلفاته ( العلميه والفكريه والادبيه) سيجدونها سبقته إلى هناك، حيث سيفرح ابي عندما يجد انها متداوله هناك بين أترابه ونظرائه .

والاهم سيفرح لانه سيجد أمه وأباه ينتظرانه بلهفه، وبين ايديهم احد الكتب الذي كتبه بصبر وأناة وإسهاب، ليغطي فيه حياة والده الشهيد الاديب المفكر واشياء اخرى كثيره . 

هناك حيث تسكن روحه الان لن يكون للمتطفلين مكان يُذكر بينهم، لانه المكان الاخير الذي ستأخذ فيه كل روح منا حجمها الحقيقي ليسقط صاحبها فيه بتمامه صامتاً نادماً شاء ذلك ام أبى  . 

وسواء كنا حيث نحن اليوم، هنا او هناك، حيث سننتقل لاحقاً بعد الموت .. هنيئاً لك حريتك الحقيقيه يا ابي . 

وليكن الله في عوننا بدونك هنا وهناك !.    

 

ولدك المحب  : عمار مروه .

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى