سياسةمحليات لبنانيةمن هنا نبدأ

أخفق العهد وسقط البلد بين “ما خلّونا.. و”ما خلّيناهم” (واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

ساعات قليلة حاسمة تفصل البلد عن مرحلة غير مسبوقة في تاريخه،وهي تتطلب على قِصَرِها صحوة ضمير وطني كما يقول رئيس ندوة العمل الوطني الصديق رفعت البدوي.

نعم هي مرحلة غير مسبوقة ،إذ لم يصدف أن شمل الشغور رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء ،وحتى مجلس النواب الذي سيكون مكبّلا في غياب رئيس الجمهورية ومن ينوب عنه بالأصالة.

اعتبارا من صباح الثلاثاء في الأول من تشرين الأول عام 2022 ،سوف تتعطل الحياة الرسمية الدستورية في لبنان بشكل شبه كامل.لا رئيس جمهورية ولا مجلس وزراء ينوب عنه بسبب الحكومة المستقيلة،ووحده مجلس النواب يمكنه أن يشرّع، ولكن من دون أن تتوفر لقوانينه سلطة تصدر القوانين وتنشرها أو تصدر لها مراسيم تنظيمية إذا لزم الأمر ،وعليه يصبح التشريع في مجلس النواب عملا فولكلوريا وعلى قاعدة “الفن للفن”.الخيار الوحيد المتاح دستوريا هو انتخاب رئيس جمهورية وبعد ذلك تنتظم السلطات.

من هنا تبدو الساعات المقبلة حاسمة بعدما أصبح الشغور الرئاسي أمرا واقعا .ولتفادي الشغور الكامل المنوه عنه سابقا، يفترض تشكيل حكومة وإصدار مراسيمها من قبل رئيس الجمهورية قبل الساعة الثانية عشرة من ليل الإثنين الثلاثاء،موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.فإذا حصلت المعجزة خلال هذه الساعات يكون لبنان قد تفادى أزمة سياسية دستورية ستكون مفاعيلها أقسى من الحديث عن فوضى دستورية.

من يتحمل المسؤلية؟

لماذا وصلنا إلى هنا ؟ومن يتحمل مسؤولية إخفاق العهد في تحقيق ما كان يطمح إليه في بداية ولايته؟ وهل صحيح أن الرئيس ميشال عون يتحمل وحده مسؤولية إنهيار البلد؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أن تعبير “العهد” هو تعبير مجازي في جمهورية الطائف.فالعهد في حقيقته ليس رئيس الجمهورية وحده بما يملك من صلاحيات.والحكم في لبنان ليس رئيس الدولة،بل هو في حقيقته مجموعة من السلطات بينها الرئيس .ولأن السلطة التنفيذية في جمهورية الطائف هي مجلس الوزراء مجتمعا ،فالأحرى أن يقال أنه عهد مجلس الوزراء الفلاني ..وعلى الرغم من ذلك سوف نعتبر السنوات الست الماضية مجازيا أنها “عهد الرئيس ميشال عون” وحزبه التيار الوطني الحر، للدلالة على تلك المرحلة.

والسؤال المنقسم عليه البلد :لماذا أخفق العهد؟ وهل صحيح أن شعار “ما خلّونا” يبرر هذا الإخفاق ،أم أن الحقيقة تكمن في واقعة “ما خلّونا ..وما خلّيناهم” ما أطاح بكل أحلام العهد؟

المشكلة المنطقية أن أحلام العهد كانت أكبر من طاقة بلد يحكمه نظام سياسي طائفي توافقي يقوم على التسويات .لم يستطع العهد استيعاب هذه الحقيقة،أو على الأصح الإنسجام معها،فراح يعتمد أحيانا أسلوب التعطيل لتحقيق الإصلاح والتغيير الذي طرحه شعارا له ،وأحيانا أخرى يحاصص المنظومة السياسية علّه يخترق بنية الدولة ويستقوي بذلك على المنظومة،من دون أن يؤمن بأن المطلوب تغيير بنية النظام وليس تغيير المنظومة،أو يقتنع بأن منظومة من القديسين لا يمكن أن تفلح في بناء دولة في ظل نظام سياسي أعوج.

أخطأ “حزب العهد” في رفع لواء حقوق المسيحيين،وهو ما أثلج صدور المنظومة السياسية المتكئة أساسا إلى طوائفها ،فظهر العهد وحزبه واحدا من هذه المنظومة،ودارت دوائر النكد السياسي دورتها التي عطلت شؤون البلاد والعباد.

والواضح أن العهد مارس “المناكدة السياسية” وهو خارج من قصر بعبدا ،فأصدر مرسوما باعتبار الحكومة مستقيلة سندا للمادة 53 من الدستور قاطعا الطريق على أي اجتهاد يتيح للحكومة ممارسة مهام تتجاوز تصريف الأعمال،كما راسل مجلس النواب بموجب المادة 62 لتحديد مهام تصريف الأعمال .لكن الغريب أن رئيس الجمهورية حرص على عدم إصدار قانون الموازنة على الرغم من أن التيار الحر صوّت لصالح القانون.

على الرغم من كل ما سلف ،فإن من الظلم تحميل العهد وحده مسؤولية ما وصلت إليه حالة البلاد.وبين “ما خلّونا” و”ما خلّيناهم” ،الكل مسؤول،ولسوف تشهد الساحة السياسية مزيدا من النكد السياسي قبل أن “تركب” التسوية السياسية لانتاج رئيس جديد وسلطة تنفيذية،بعد أن يتقاطع الناخبون الكبار ،محليا وإقليميا ودوليا، عند شخصية لا تشكل إزعاجا لأحد منهم،وإن غدا لناظره قريب!      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى