رأي

المنطقة بين تقارب سعودي إيراني.. وتهديد اميركي إسرائيلي(جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز- خاص

 

يُعلّمنا المشهد السياسي لمنطقتنا بمعادلة التقارب والتهديد: حين يسخنُ الحراك في العلاقات السعودية الايرانية ،وتقترب الجهود نحو إعادة العلاقات، تشتدّ وتيرة التصعيد والتهديد الاسرائيلي الاميركي تجاه ايران، وبذريعة الملف النووي. والهدف من ذلك واضح و سهل الادراك، وهو الحيلولة دون علاقات بنّاءة بين قوتيّن اقليميتيّن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، لأنَّ في هذه العلاقة خطرا على هيمنة اسرائيل، وهذا الكيان الغاصب هو جزء لا يتجزأ من الامن القومي الأميركي.

وسياسة أميركا واسرائيل قائمة، كما يعلم الجميع ، على مبدأ ” فرّق تسدْ ” ، وقائمة ايضاً على مبدأ ” التوريط ” او “التشبيك”. أَولمْ تتورط بعض الدول الخليجية في دعم الجماعات المسلحّة في المنطقة وفي سوريا وبطلب أو بأمر من أميركا؟ أولمْ تتورط تركيا في ذات الموضوع، تقرّباً منها للاستراتيجية الأميركية وأملاً بمكاسب وبمصالح، وقد بدت اليوم اوهاماً وسرابا؟ أَولمْ توّرط أميركا صدام حسين في حربه مع ايران وفي احتلاله للكويت؟

سوّقت أميركا وروّجت ووظّفت اكبر خدعة، الا وهي “أمن و استقرار منطقة الشرق الاوسط” ، وغرضها كان ولا يزال أمن وهيمنة اسرائيل وخراب الشرق الاوسط ، و زجّه في اقتتال وحروب  ومعارك بينيّة وفتن طائفية وارهاب.

عاملان يدفعان اسرائيل و أميركا لارتكاب حماقة اشعال حرب في المنطقة: العامل الاول هو التقارب بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية. ترى اسرائيل في اعادة العلاقات بين المملكة وايران خطراً استراتيجياً على وجودها ومصالحها. ظّنت اسرائيل أن التطبيع الخليجي الاسرائيلي سيخلق جفاء و عداء بين الدول الخليجية المطّبعة وايران، وسيساهم في عزل ايران عن بيئتها وعن محيطها، وكان هذا احد اهداف التطبيع . لم تقعْ ايران في الفخْ.

تتحدث وتنقل مصادر رسمية وصحفية مرموقة عن لقاءات مُثمرة  بين مسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين ، وعن تصريحات ودّية متبادلة بين وزير خارجية المملكة ووزير خارجية ايران ، ولقاءات بينهما ( عن ذلك ، انظر رأي اليوم ، بتاريخ ٢٠٢٣/١/١٦ ) . تدركُ المملكة اليوم واكثر من ايّ وقت مضى أن الاولويّة لمصالحها الاقتصادية والامنية، ولن تترّددْ بخارطة علاقات اقليمية  ودولية، مهّمة لمصالحها ،حتى وان كانت هذه الخارطة تخلو من مصلحة لأميركا او تُزعجْ أميركا . اصدقاء المملكة اليوم ( الصين ،روسيا ) هم حلفاء لايران ،  وهؤلاء ( روسيا والصين ) يفكران فعلاً بأمن وباستقرار المنطقة ، وبطريق الحرير وبخطط لتمنية دول العالم الثالث ، وهذا ما صرّحَ به في الامس وزير خارجية الصين في مؤتمره الصحفي مع وزير خارجية مصر ،خلال الزيارة التي يقوم بها الآن لجمهورية مصر العربية .

العامل الثاني الذي يدفع اسرائيل  وأميركا للتفكير بشّن حرب على ايران هو الوضع المتأزم في اسرائيل . متأزّم سياسياً و اجتماعياً و أمنياً . انقسام عميق في المجتمع الاسرائيلي بين مؤيد ومعارض للحكومة المتطرفة ، برئاسة نتنياهو . دعوات منظّمة و مبرمجةً لهجرة عكسيّة من اسرائيل الى أميركا و دول اخرى . مقاومة باسلة في الضفة الغربية ،  وتوسّع وتعدّد في فصائل المقاومة . ادراك اسرائيلي وصهيوني بأنَّ الزمن اصبح يمضي لصالح ايران والمقاومة في المنطقة ، وايران تتقدم ،ليس فقط على الصعيد النووي ، وانما في كافة المجالات العسكرية و التقنية وتشارك المقاومة في فلسطين وفي لبنان انجازاتها . وتعتزم ايران ، كما اعلنت رسمياً ، نشر قوات بحرية لها في قناة بنما ، والتي تعتبر الفناء الخلفي لأميركا ولتجارة أميركا ، وسيكون لايران وجود عسكري في المحيط الهادي ، ويرى محللون بأن الخطوات الايرانية ستكون استفزازية لأميركا ، لاسيما في ظل التحالفات الايرانية الروسية الصينية . وستمتلك ايران قريبا طائرات “سو ٣٥ ” ومنظومة الدفاع الجوي الروسي أس 400 .

هذه الانجازات العسكرية الايرانية يمكن ان تكون عامل استفزاز لأميركا ولاسرائيل وتدفعهما لشنّ حرب على ايران ،وممكن ايضاً ان تكون عامل ردع وتوازن قوى ، وتجعل اسرائيل و أميركا تترددان في شّنْ حرب على ايران .

لن تجرؤ اسرائيل على شنّ حرب، رغم حاجتها للحرب في ايقاف مسار التدمير الذاتي الذي تمّرُ به ( هذا ما نعتقده ) .

الحرب ، إنْ وقعت ، لن تكْ كالحروب السابقة التي ساعدت اسرائيل في التضخم و قّوة شوكتها ،بل  ستكون حربا مفتوحة جغرافياً وزمنياً. لن تستطيع أميركا برعاية وادارة حربين في آنٍ  واحد ؛ حرب في اوكرانيا وحرب في الشرق الاوسط ، وحرب لاسرائيل من دون دعم ومشاركة أميركا ستكون نهاية اسرائيل . ولن تستطيع أميركا ولا الغرب المتحالف تحّمل خسارتينّ استراتيجيتن ؛ احداهما في اوكرانيا والاخرى في الشرق الاوسط .

لتغريدات الشيخ حمد بن جاسم آل ثان، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر الاسبق ، على حسابه في تويتر ، في الامس ، والتي يتوقّع فيها عملا عسكريا اسرائيليا اميركيا وشيكا على ايران، هي رسائل اهمها التحذير وابطال مفعول المبادرة والمباغتة.هي تحذير لاسرائيل اكثر من ايّ جهة اخرى ، وتحذير لجهات اخرى قد تدفع اسرائيل لارتكاب هذه الجريمة بحق المنطقة وبحق شعوب المنطقة.

*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى