سياسةمحليات لبنانية

العسكريون الفعليون يتهامسون سرا.. والمتقاعدون يجاهرون علنا بأحوالهم المتردية

 

محمد هاني شقير
يمضي العسكريون نحو نصف أعمارهم في مؤسساتهم، حيث يطمعون بالوظيفة الرسمية ويرضون بمرتباتهم التي لا تغني ولا تسمن من جوع. فخلال مراحل خدمتهم يعيشون كفاف يومهم، وبالكاد يستطيعون مواصلة مشوارهم مع اولادهم في طريق التحصيل العلمي، وتزداد عليهم المصاعب عند تقاعدهم إذا ما كان لا يزال في بيوتهم اولاد قيد التحصيل العلمي ،فيصرفون تعويضاتهم ويلجأون للاستدانة بغية مواصلة هذه المهمة.
في خلال خدمتهم يمنع عليهم العمل خارجها، في أي قطاع كان، وإذا تجرأ أحدهم وخالف فإنه يتعرص لعقوبات مسلكية قاسية. ومع ذلك فإن العشرات منهم يجازفون ويعملون خارج الوظيفة طلبًا للرزق الحلال بعيدًا من حرامه.
يعاني العسكريون الفعليون والمتقاعدون هذه الأيام من جائحة الازمة الاقتصادية التي تسببت بها السلطة القائمة، ويجري قضم كثير من مستحقاتهم بشكل أو بآخر، ولقد بدأ هذا الأمر عندما قرر الرئيس اميل لحود حسم نحو نصف بدل النقل لدعم خزينة الدولة، فأين تلك الخزينة اليوم؟
وتستمر كثير من تلك الممارسات القاسية بحق العسكريين ،حيث وعلى سبيل المثال منذ نحو ست سنوات تقريبًا تمتنع الدوائر المعنية في القصر الجمهوري من منح الميدالية العسكرية لمستحقيها، وهي الميدالية الوحيدة التي يترتب عليها ما مقداره درجة واحدة، والسبب بحسب المعلومات المتوافرة هو نقص في الضباط الذين يشكلون لجنة الأوسمة؟! وهكذا يجري حرمان آلاف العسكريين حقهم في الحصول على وسام معين لهذا السبب الذي لا يوجد تعبير يفيه شر ما فيه.
واليوم، يصرخ متقاعدو قوى الامن الداخلي وعائلاتهم وذويهم من الذين هم على عاتقهم، ملء حناجرهم جراء المعاملة السيئة التي يتلقونها من ادارات المستشفيات، ويعقدون اجتماعات متتالية في مناطق متعددة بينها الشمال والجنوب والبقاع وبيروت بطبيعة الحال، حيث يتدارسون الواقع الصحي السيء الذي وصلوا إليه.
فأن يصاب رجل أمن خلال قيامه بواجبه، أكنا معه أم لا، ويجري نقله على وجه السرعة الى المستشفى لتلقي العلاج وترفض ادارته ادخاله قبل وضع مبلغ مرقوم من المال كبدل تأمين صحي، إنما هذا قمة الوقاحة وقمة التهاون ليس بصحة رجل أمن فحسب بل بقيمنا الانسانية بشكل عام. وأن يجري استنزاف مادي بعشرات ملايين الليرات لمتقاعد اجبرته ظروفه الصحية أن يدخل المستشفى فيبدأ مشوارًا طويلاً من الاستدانة بعد أن يبيع ما كان يملكه لعشرات السنين، فتلك هي الجريمة بعينها.
مع ذلك لم تستطع المديرية العامة لقوى الامن الداخلي حتى تاريخه من تغيير قواعد تعامل المستشفيات مع عسكرييها، وهي حاولت وتحاول أن تجد حلولاً ولكن هيهات ثم هيهات، الأمر الذي دفعها نهاية العام الفائت الى اصدار برقيةٍ أقل ما يقال فيها أنها تعبير عن خضوعها لمشيئة المستشفيات وارادة اداراتها، جاء فيها:
لاحظت هذه المديرية العامة ورود العديد من الطلبات تتعلق بصرف بدل فارق استدراك لوازم ومغروسات لزوم بعض المستفيدين من الطبابة على عاتقها Nelo، ولما كانت تسعى لتأمين الخدمات الطبية بنسبة ۱۰۰ % على عائق الإدارة، وبما أن المستشفيات في وضعها الراهن تعاني من ضائقة مالية تنعكس سلبًا على القطاعين العام والخاص، ولا سيما في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وتمهيدًا للاستمرار بتقديم الخدمات الطبية الى مستحقيها بالقدر الممكن ، قررت هذه المديرية العامة ما يلي:
1- السماح للمستفيدين من الطبابة سواء في الخدمة الفعلية أو المتقاعدين منهم الذين يتكبدون مبالغ مالية بدل استدراك لوازم ومغروسات طبية دفع فارق نسبة 15 % (التي لا يعطيها مصرف لبنان) لإدارات المستشفيات عند طلبها منهم للقيام بالأعمال الطبية المطلوبة، وتقديم طلبات صرف مساعدات مرضية بقيمتها وفقًا للأصول المعتمدة والمذكورة في التعليمات رقم 342 تاریخ 12/03/1992 استثنائيًا ولحين زوال الأسباب.
۲- ترفع هذه الطلبات الى رئاسة الإدارة المركزية – فرع الإدارة أو لجنة استلام خدمات الطبابة والإستشفاء وفقًا للصلاحية من قبل المركز الطبي المختص تمهيدًا لصرف نسبة مئوية من قيمتها.
٣- تقوم رئاسة الإدارة المركزية بتجميع هذه المساعدات شهريًا (على حده منفصلة عن المساعدات المرضية العادية) وإبداء الرأي بشأن صرف قيمتها من التنسييات العائدة لها ورفعها إلى هذه المديرية العامة – شعبة الشؤون الإدارية لإتخاذ القرار بشأنها.
هكذا يدفع العسكريون، كما جميع فقراء هذا الوطن، فاتورة باهظة الثمن لا يقوون على تحملها، وتستمر عملية تدفيعهم تلك الفاتورة عبر ما تتضمنه الموازنة العامة التي تقوم بوضعها وزارة المال في حكومة تصريف الأعمال، من خطوات إفقارية جديدة من شأنها ضرب الوظيفة العامة تلبيةً لشروط الجهات الدائنة وسكوت الطبقة السياسية المريب.

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى