سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف:احتمال الخرق الحكومي يلوح ي الأفق وسط تهديدات دولية.. ومعيشية بوقف الدعم

الحوار نيوز – خاص

تنوعت افتتاحيات الصحف الصادرة اليوم بين الوضع الحكومي والتهديدات الدولية بفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين ،واشتداد الأزمة المعيشية في وقت يهدد حاكم مصرف لبنان بوقف الدعم.

  • في هذا السياق كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: بعد تأكيد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وجود جهود جادّة لتذليل العقبات من أمام تشكيل الحكومة، فإن الأيام المقبلة ستكون الأكثر حذراً ودقة. إما يمر القطوع الحكومي وينصرف الجميع لبدء ورشة إنقاذ البلد (أو على الأقل خفض سرعة الانهيار)، وإما يزداد الوضع سوءاً ويكون الجميع أمام مرحلة قاسية من الانتظار، الذي يسهم يومياً في زيادة الأزمات وترسيخها. وتأكيداً للمسار الانهياري، كان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة حاسماً أمس في التأكيد أن المصرف لم يعد قادراً على الاستمرار في سياسة الدعم، داعياً الحكومة إلى التصرف والإسراع في عملية الترشيد قبل أن يضطر إلى التوقف عن الدعم. وفي الاجتماع الذي عقدته اللجنة الوزارية لترشيد الدعم، أوضح سلامة أن الاحتياطي القابل للاستعمال شارف على الانتهاء، ولن يستطيع الاستمرار في تأمين الدولارات المطلوبة لدعم استيراد السلع الأساسية لأكثر من شهرين كحد أقصى. وقد ترافق هذا الكلام مع معلومات تشير إلى أن قراراً قد اتخذ بضرورة حسم الحكومة المستقيلة لمسألة الدعم وترشيده، وعدم انتظار تأليف الحكومة، خاصة أن الآلية الحالية للدعم تحوّلت إلى آلية لدعم التجار والأغنياء على حساب المحتاجين إلى الدعم. ويُنظر إلى مسألة رفع الدعم أو “ترشيده” ككرة نار تتقاذفها الحكومتان، المستقيلة وتلك التي لم تولد بعد. فسلامة يقف إلى جانب الرئيس المكلف سعد الحريري، من أجل أن تنفجر قنبلة رفع الدعم في وجه الرئيس حسان دياب، لتأتي الحكومة المقبلة ويجري التعامل مع أي إجراءات تتخذها كخطة إنقاذ. أما دياب، فيرى أنه لن يتحمّل مسؤولية رفع الدعم نيابة عن الذين تسبّبوا في الانهيار، ويريد تأجيل بت الأمر إلى الحكومة المقبلة.

    في المقابل، بدت المبادرة التي أطلقها الرئيس نبيه وناقشها مع الرئيس سعد الحريري عندما زاره من يومين، قادرة على إحداث خرق في جدار الأزمة الحكومة المتصاعدة. ولذلك، تعكف عين التينة على تدوير زوايا مبادرتها لتتناسب مع شروط كل من رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف. الأخير، بعد تسريب تشكيلته، والهجوم الذي تعرضت له، تحديداً لناحية تولي أكثر من وزير مسؤولية حقيبتين، لم يعد قادرا على التمسك بحكومة الـ18 وزيراً أو الدفاع عنها. فقد ترسّخت فكرة أن حكومة كهذه لا تتناسب مع معيار الاختصاص. ولذلك، بدا الرئيس المكلّف منفتحاً للمرة الأولى على زيادة العدد، لكن مع إصراره على أمرين: عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل والالتزام بمعيار الاختصاص.

    وفيما دخل حزب الله على الخط، في مسعى لإنجاح مبادرة بري، حتى مساء أمس لم يكن أحد قد استطلع رأي الرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل، في مسألة تخلّيهما عن الثلث المعطّل. فقد أكدت دوائر القصر الجمهوري أنه لم يتم التواصل معها بشأن أي مبادرة جديدة، كما أن الرئيس المكلّف لم يطلب موعداً مع رئيس الجمهورية.

    وفيما يتوقع أن يتواصل حزب الله مع عون وباسيل، أبدى عاملون على خط المبادرة تفاؤلهم بتأليف الحكومة في حال تم تخطّي عقبتي الثلث الضامن، بعدما تنازل الحريري عن حكومة الـ18 وزيراً، مؤكدين أن مسألة توزيع الحقائب لن تكون عقبة.

  • وكتبت صحيفة “النهار” تقول: لم تكف إشارة يتيمة صدرت عن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمة له امس، وتحدث فيها عن “جهود جادة وجماعية ” لتذليل العقبات المتبقية امام تشكيل الحكومة الجديدة، لتثبيت أي معطى إيجابي محتمل لكسر معادلة تعطيل التشكيل، لان المطلوب من السيد في نزع شراكة التعطيل مع العهد، لا يبدو انه سيتحقق في المدى القريب. ذلك انه فيما عاد كثيرون يراهنون على تحرك حذر و”منزوع الصوت” لرئيس مجلس النواب نبيه بري العامل على استمزاج المواقف المختلفة والمتناقضة للافرقاء المعنيين بتأليف الحكومة سواء في ما يتصل بالرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، او في ما يتصل بالشركاء الآخرين، فان ازدياد منسوب الحذر لدى بري وتجنبه حتى الان طرح مبادرة متكاملة بدا بذاته مؤشرا الى امتلاكه معطيات دقيقة عن استمرار الصعوبات والعقبات التي تعترضه كما اعترضت وأسقطت سابقا كل الوساطات الداخلية، وجمدت مفاعيل المبادرة الفرنسية. ويتردد في هذا السياق ان بري “الذي لدغ من الجحر مرات” ان من خلال جهوده ووساطاته الخاصة، او من خلال مراقبته لمصير وساطات الاخرين، لن يكون في وارد “الطحشة ” بوساطة كاملة المواصفات وعلنا ما لم يتحصن مسبقا هذه المرة بضمانات واضحة وثابتة من المعنيين الأساسيين بالتأليف، ويأتي في مقدم ذلك تعهد العهد وتياره باسقاط مسألة الثلث المعطل إسقاطا اسمياً وفعلياً بما يتيح البحث في توسيع التركيبة على معادلة ثلاث ثمانات بلا أي ثلث معطل لاي فريق، علما ان ثمة معطيات تشير الى ان بري ليس هو الذي طرح تركيبة الـ 24 وزيرا وانما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وان بعبدا لم تجب بعد على هذا الطرح وكذلك الرئيس الحريري.

    الموقف الدولي

    ولكن ما يتعين تسليط الأضواء عليه في خلفية التحرك الهادئ الذي يجري منذ أيام والذي تكثف على نحو ملحوظ غداة الاتصالات التي اجراها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان بالرؤساء عون وبري والحريري، وإصداره بيانه الأخير الذي اكتسب أهمية استثنائية، هي المعطيات التي توردها “النهار” عن ان المجموعة الدولية التي تهتم بلبنان تبدي خوفا شديدا يكاد يلامس الذعر على الوضع في لبنان، وهي تاليا بدأت تستعد لاتخاذ اجراءات وخطوات في شأن معرقلي تشكيل الحكومة في لبنان في ظل نقاشات جدية تجريها الدول المعنية حول طبيعة هذه الاجراءات، وما اذا كانت تستطيع ان تفرض عقوبات على السياسيين الذين يعيقون الاتفاق على حكومة جديدة. وتفيد معلومات موثوقة ان هذه المجموعة، ولا سيما منها فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة ودول عربية عدة، تفكر وتناقش ما يمكنها القيام به من اجل دفع الامور في لبنان نحو مكان افضل ما يفيد تالياً ان كل الخيارات موضوعة على الطاولة لان هذه الدول لم يعد في استطاعتها ان تقف مكتوفة وتتفرج على وضع تعتبره خطيرا جدا فيما هناك اداء يرقى الى اللامسؤولية في تدمير البلد علما ان هذه الدول لا يمكنها كذلك ان تكون مكان المسؤولين اللبنانيين الذين يتعين عليهم القيام بما عليهم القيام به. مع ذلك فان الخيارات المطروحة امام هذه الدول تبدو مربكة ازاء نقاط من بينها اي خطوات يجب اتخاذها، وهل ينبغي فرض عقوبات، ومن ستشمل؟ علما ان هؤلاء المسؤولين انتخبهم الشعب اللبناني او فئات منه. وتاليا ما هي فاعلية هذه الاجراءات او العقوبات؟ وهل ستخلق دينامية مختلفة او ان ردود الفعل عليها ستؤدي الى تشبث هؤلاء بمواقفهم وتعقيد الوضع اكثر مما هو عليه حتى الان؟.

    وفي سياق المواقف الديبلوماسية من الازمة، اعلن القائم بالاعمال البريطاني مارتن لنغدن بعد لقائه امس رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب “اننا اتفقنا على الحاجة الملحة اكثر من أي وقت مضى الى حكومة جديدة قادرة على الإصلاح لكنني شددت أيضا على ان التحديات الحرجة في الوقت الحالي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل كل من هم في موقع المسؤولية “.

    بري .. ونصرالله

    في أي حال لم يسجل على الصعيد الداخلي امس سوى لقاء بري والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم العائد من باريس حيث تم عرض للاوضاع العامة والمستجدات الحكومية. وبينما الخلاف على حاله بين بعبدا وبيت الوسط حول وزير الطاشناق الذي يعتبره عون “مستقلا” في حين يحسبه الرئيس المكلف كجزء من “تكتل لبنان القوي”، لوحظ لقاء بري أيضا امس مع الامين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان.

    في غضون ذلك اقتصر كلام السيد حسن نصرالله في كلمته امس عن الوضع الداخلي على إشارة مقتضبة الى الملف الحكومي فقال “لسنا في موقع اليأس فلا تيأسوا . الكل يجمع ان تشكيل الحكومة يضعنا على طريق الحل وخلال هذه الأيام هناك جهود جادة وجماعية للتعاون في محاولة لتذليل بقية العقبات امام تأليف الحكومة “. وأضاف “الكل يعلم ان البلد استنفد حاله ووقته وآن الأوان لوضع كل شيء جانبا والذهاب الى معالجة حقيقة الوضع”.

    في غضون ذلك وفيما شهد وسط بيروت مساء امس مسيرة احتجاجية تطالب بالاستقالات الجماعية للرؤساء أعلن رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس أن “الاربعاء المقبل يوم اضراب عام وتحرك ومسيرات سيارة لقطاع النقل البري على كلّ الاراضي اللبنانية.

  • وكتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: لاح في أفق الاستحقاق الحكومي ليل امس احتمال حصول خرق لـ”الباطون المسلح” السياسي الذي يعطل إنجازه، ونَشطَ في بعض الاوساط السياسية المشاركة في الاتصالات حديث عن توافر فرص جدية وعملية لتأليف الحكومة قريباً يعززها تزايد جرعات الضغط الداخلي والخارجي على المعنيين في ضوء تفاقم مؤشرات التدهور المالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي على كل المستويات؟

    فقد شاعت ليل أمس أجواء إيجابية تؤشّر إلى احتمال حصول تقدم نوعي في اتجاه تأليف الحكومة، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، لكن ومع ذلك ظل الحذر مشروعاً وربما ضرورياً، خصوصاً انّ الطبّاخين الذين يشرفون على ترتيب “المقادير” الوزارية يفضّلون تجنب الإفراط في التفاؤل وعدم التخلي عن الحيطة والحذر حتى يصبح “الفول في المكيول”، إذ تبقى الخشية موجودة من احتمال ان يتراجع هذا الطرف او ذاك في اللحظة الأخيرة عن الايجابية التي ظهرت خلال الساعات القليلة الماضية.

    ويبدو انّ الثنائي الشيعي نزل بثقله في الملف الحكومي، حيث تولى “حزب الله” التواصل مع رئاسة الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، فيما نشط رئيس مجلس النواب نبيه بري على خطّي “بيت الوسط” وكليمنصو، علماً انّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان قد كشف في خطابه امس عن جهود مشتركة تُبذل من جهات عدة لمعالجة الازمة الحكومية.

    كذلك، فإنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم العائِد من باريس يؤديان دوراً في تفعيل الوساطات، من دون إغفال تأثير موقف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي بادرَ الى رفع منسوب الضغط الفرنسي والاوروبي على المسؤولين اللبنانيين وصولاً الى التلويح بعقوبات رداً على التعطيل.

    وعلمت “الجمهورية” انّ صيغة التسوية الحكومية التي يتم التفاوض عليها في الكواليس، ويبدو انها نجحت خلال الساعات الماضية في حلحلة بعض العقد الاساسية، إنما ترتكز على البنود الآتية:

    – تشكيل حكومة من 24 وزيراً على قاعدة 3 ثمانات، مع احتساب وزير حزب الطاشناق من حصة رئيس الجمهورية.

    – رئيس الحكومة ونائب الرئيس بلا حقيبة، بحيث يكون لكل من الوزراء الـ22 الآخرين حقيبة متخصصة واحدة انسجاماً مع قاعدة الاختصاص.

    – تكون وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية ميشال عون.

    – يحق لعون إعطاء رأيه في كل اسماء التشكيلة الوزارية على اساس الشراكة مع الرئيس المكلف في التشكيل.

    ووفق هذه الصيغة يكون الحريري قد حقق مطلبه بعدم إعطاء “الثلث المعطل” لأي فريق، امّا عون فقد حصل على الشراكة و”الداخلية”.

    َوتفيد المعلومات انّ رئيس الجمهورية نال من جهة وازنة في الداخل ضمانات بأنّ التدقيق الجنائي سيُطبق، وبالتالي فإنّ هذه الضمانات هي التي دفعت نحو المرونة الرئاسية، وترجيح كفة التفاؤل النسبي بحذر، هي في انتظار “تسييل” شيك الايجابية المستجدة وتحويله “fresh money” في السوق السياسية التي تسودها المضاربات والتجاذبات.

    لكن المطلعين لفتوا الى انّ هذه المعادلة الحكومية لا تزال تحتاج إلى “صيانة”، وانّ احد العوامل الذي لم يُحسم بعد هو موقف رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من التسوية المقترحة، إذ ان الحريري وآخرين يصرّون على ان يمنح تكتل “لبنان القوي” الثقة للحكومة الجديدة، بينما لم يعط باسيل بعد التزاما واضحا في هذا الشأن، علما ان اوساطاً مواكبة للمفاوضات أشارت الى ان التكتل قد يكتفي بعدم التصويت في جلسة الثقة، في حين يعتبر الحريري ان المطلوب التصويت بـ”نعم” حتى لا تولد حكومته، وهي تعاني نقصا حادا في الميثاقية المسيحية الامر الذي من شأنه ان يؤدي إلى إضعاف انطلاقتها، في وقت تحتاج إلى زخم قوي لكي تحظى بحصانة سياسية وتكسب ثقة المجتمع الدولي.

    وكانت افكار التسوية المطروحة انكشفت إثر المواقف التي عبّر الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله خلال الاحتفال التأبيني الذي أقامه “تجمع العلماء المسلمين” بعد ظهر امس للشيخ القاضي أحمد الزين، حيث قال لدى تطرّقه الى الازمة الحكومية: “آن الأوان لأن نضع كل الأمور جانباً ونذهب في محاولة جادّة لإنهاء المأزق الذي يعيشه البلد حالياً”. واضاف: “لسنا في موقع اليأس ولا تيأسوا ففي خلال الأيام الماضية والأيام الآتية هناك جهود جادّة وجماعية من أكثر من جهة للتعاون في محاولة لتذليل بقية العقبات”.

    أجواء ايجابية

    وتزامناً مع الاجواء الجدية التي اوحى بها السيد نصرالله وحديثه عن الجهود المبذولة في الأيام الماضية والآتية منها من أكثر من جهة للتعاون في محاولة لتذليل بقية العقبات، تحدثت مصادر مطلعة لـ”الجمهورية” عن اجواء ايجابية أوحت بها الايام القليلة الماضية وتعززت في الساعات القليلة التي سبقت إطلالة نصرالله.

    وقالت هذه المصادر “انّ الاجواء كانت نتيجة طبيعية لِما رافق الاتصالات واللقاءات الاخيرة الجارية في الداخل والخارج، بالاستناد الى ما حملته بعض المقترحات الجديدة، ومنها تلك التي يستعد بري لطرحها وحصيلة زيارة اللواء ابراهيم لباريس التي عقد فيها مجموعة من اللقاءات والمشاورات مع فريق الازمة الذي كلّفه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ملف لبنان.

    وكشفت هذه المصادر انّ ما حمله ابراهيم من باريس استدعى لقاء طويلاً صباح امس مع رئيس الجمهورية، استعرضا خلاله ما تبلّغه من المسؤولين الفرنسيين من افكار مطروحة ومنها ما يمكن تسميته النتائج التي أفضت اليها اتصالات وزير الخارجية الفرنسية مع المسؤولين اللبنانيين وحصيلة اللقاء الاوروبي – الاميركي وما هو مطروح من مخارج للأزمة بتعاون داخلي وخارجي أدى الى نتائج يمكن ان يبنى عليها الكثير.

    ومن بعبدا توجّه ابراهيم الى عين التينة حيث التقى بري وجرى بحث في الافكار الفرنسية التي كان رئيس المجلس قد تبلّغها من لودريان، وفي الخطوات التي اتخذها بري لترتيب الاجواء في الداخل على طريق إحياء ما قالت به المبادرة الفرنسية التي كشف عنها في لقاءاته، ولا سيما منها لقاءه امس الاول مع موفدي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي.

    بعبدا ترحّب بالـ 24

    الى ذلك أوحَت مصادر قصر بعبدا عبر “الجمهورية” انّ عون رحّب بالتشكيلة الحكومية من 24 وزيراً كفكرة منذ ان أطلعه عليها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في لقائهما الاخير، وهو ينتظر ما ينقصها من مكمّلات. فالحديث عن مبادرة “كاملة ومتكاملة” لم تصل اليها المشاورات الجارية، وهي ما زالت مجرد “افكار مشتتة” لم ترق الى مرتبة “المبادرة”، وعند الاطلاع على ما تقول به كاملة يمكن البناء عليها.

    بيت الوسط

    وفي “بيت الوسط” عكست الاجواء التي تبلغتها “الجمهورية” حصول حراك ايجابي في الساعات الماضية من دون الركون الى اي عرض شامل وكامل، ولا سيما الحديث عن تشكيلة خالية من الثلث المعطل، وان كانت من 18 او 24 وزيراً يمكن النقاش فيها اذا احتوت ما كان متوافراً في تركيبة الـ 18.

    وعمّا اذا كان الحريري قد التقى اللواء ابراهيم لم تؤكد مصادره ذلك، ولكن اي اتصال بديل عبر موفدين لبري يمكن ان يَفي بالغرض عينه، فقد ظهر واضحاً انّ المدير العام للامن العام ينسّق خطواته ما بين الاليزيه، حيث يتمركز “فريق الازمة” الفرنسي، وعون وبري.

    ما قبل الايجابيات

    وسبق مُجمل هذه التطورات بساعات اجواء أظهرت ان ليس هناك من سقف زمنيّ للمراوحة على الحلبة الحكومية، وفق ما دلت اليه الأجواء ما بين القصر الجمهوري و”بيت الوسط”، وأكدت انّ فرصة التفاهم على حكومة عون والحريري شبه معدومة، وان ليس في الأفق الحكومي ما يؤشّر الى تبدّل في المسار التعطيلي القابض على الحكومة منذ اشهر. فخط الوساطات شبه مقطوع، ما خلا بعض المحادثات التي تأخذ شكل التشاور التذكيري واستمزاج الآراء في امور محسومة سلفاً وتُعتبر حائلاً وحيداً امام امكانية تشكيل الحكومة، مثل الثلث المعطّل، الذي يؤكّد جميع العاملين على خط الوساطات انّ المطالبين به، سواء بصورة علنية او بصورة مقنّعة، لم يتراجعوا عن تمسّكهم به، والواضح انّهم لن يتراجعوا.

    وامّا خط المبادرات، وخلافاً لكل ما يجري ترويجه في الأجواء الداخلية منذ ايام عدة، لم يصل بعد الى حدود صَوغ مبادرة جدّية تُطرح امام اطراف “الانشقاق” الحكومي، حيث انّ جلّ ما هو حاصل على الخط، هو مجرد افكار مطروحة للتداول على اكثر من خط، لعلّها تتمكن من تضييق هوة الخلاف بين عون والحريري. ورئيس مجلس النواب نبيه بري حاضر بقوة وزخم على هذا الخط، وكذلك يُسجّل حضور ايضاً للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي زار عين التينة امس، ويتحرّك ايضاً في اتجاه القصر الجمهوري و”بيت الوسط”.

    لغم الثلث

    على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، هو انّ “طرح الأفكار” على بساط التداول، تَفعّل اكثر بالاستناد الى الحضور الفرنسي المتجدّد، الذي عبّر عنه وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، بالاتصالات التي أجراها مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وكذلك مع رئيس مجلس النواب، وذلك تبعاً لما تضمّنته تلك الاتصالات من رفع لنبرة الصوت الفرنسي المستنكر ما وصفه “التعطيل المقصود للحكومة”، ودفع المسؤولين اللبنانيين الى الوقوف امام مسؤولياتهم في صوغ وضع إنقاذي لبلدهم، خطوته الاولى تشكيل حكومة تباشر عملية الإنقاذ والإصلاحات الشاملة.

    الّا انّ النتائج الاولية لهذه الافكار التي تُطرح وصولاً الى تشكيل حكومة متوازنة أيّاً كان عددها، 18، 20، 22 او 24 وزيراً، لم تحقق الغاية المرجوّة منها حتى الآن، خصوصاً انّها تصطدم بالعوائق التعطيلية ذاتها. والمحاولات الحثيثة التي جرت مع المعنيين بملف التأليف فشلت كلها في نزع لغم الثلث المعطّل من الطريق. فرئيس الجمهورية مصرّ على تسمية الوزراء المسيحيين (6 في حكومة 18 وزيراً)، وعلى اعتبار انّ الوزير الذي سيسمّيه حزب الطاشناق مستقلاً، ولا يجوز اعتباره مكمّلاً للثلث المعطل، علماً انّ الموقف المقابل ابلغ أنه لا يقبل بما سمّاه تحايلاً، اذ كيف يمكن لحزب ان يكون عضواً في تكتل نيابي تابع لرئيس الجمهورية وفريقه السياسي ان يُعتَبر مستقلاً، ومن هنا ان اقصى ما يمكن القبول به هو معادلة الـ(5+1)، اي 5 وزراء مسيحيين يسمّيهم رئيس الجمهورية يضاف اليهم وزير حزب الطاشناق، لأن كل هؤلاء الوزراء ينحدرون من تكتل سياسي ونيابي واحد.

    الدخان قاتم

    وأبلغ معنيون بالافكار المطروحة للحلحلة الى “الجمهورية” قولهم ان الامور ما زالت تراوح في السلبية الكاملة، وثمة محاولة جرت في الساعات الاخيرة لبعث الدخان الابيض في الاجواء الحكومية، ولكن ما يمكن تأكيده هو أنّ الدخان الحكومي ما زال داكناً، وتصَلّب البعض في مواقفهم يجعله داكنا اكثر فأكثر، وما سمعناه من وزير الخارجية الفرنسية يبدو انه لم يلق الاذن الصاغية له، خلافا للتعهدات الجديدة التي قطعت للوزير لودريان ببذل كل جهد مسهّل لولادة الحكومة في وقت قريب.

    ويجزم هؤلاء المعنيون في أن طريق تأليف الحكومة مليء بالاشواك، وثمة من هو مصرّ على ان يقدم مصلحته وحده فوق مصالح البلد واهله جميعاً، ويرفض الانصياع الى كل نداءات ونصائح المجتمع الدولي، بل على العكس لا يبدو عابئاً بما شدد عليه لودريان لجهة عزم باريس على الانتقال من اللغة الهادئة في مقاربة ملف تأليف الحكومة في لبنان، الى لغة اشد واجراءات ضاغطة، لن يطول الامر وستظهر علناً وبنحو ملموس، وتحديدا على من باتت باريس مقتنعة بأنهم المعطلون الحقيقيون لتأليف الحكومة واحباط المبادرة الفرنسية.

    الكيمياء

    الا انه في مقابل ذلك، اكد مرجع مسؤول لـ”الجمهورية” ان “أمد التعطيل الحكومي طويل جدا، ولا تنفع معه لا وساطات ولا افكار ولا مبادرات، فلنعترف بكل صراحة ان المانع الاساس لتشكيل الحكومة هو ان الكيمياء مفقودة بين عون والحريري، ولن تركب بسهولة، فقد حاولنا مرات ومرات وفشلنا في ان نقرّب بينهما. والآن الامور متوقفة هنا، وبناء على ذلك لن يتراجع احد لأحد. كما لا يستطيع احد منهما ان يلغي الآخر او حمله لا على الاستقالة وترك رئاسة الجمهورية ولا الاعتذار وترك رئاسة الحكومة. وامام هذا الانسداد لا يوجد سوى سبيل واحد لتشكيل الحكومة وهو ان يبادر رئيس الجمهورية الى التخلي الفعلي لا القولي عن الثلث المعطل، فتتشكل الحكومة فورا ويعتبر ان الحكومة صارت في جيبه، خصوصا ان الرئيس المكلف ليّن جدا في ما خص سائر الامور التي يعتبرها رئيس الجمهورية معطلة للحكومة”.

    حراك ضاغط

    وبحسب مصادر ديبلوماسية في العاصمة الفرنسية، فإن مقاربة المستويات الفرنسية لملف التأليف في لبنان تؤكد ان الحكومة في لبنان يجب ان تتألف ضمن مهلة لا تتعدى اياماً او اسابيع قليلة جدا (اسبوعان او ثلاثة اسابيع على الاكثر)، مع الاشارة الى انّ هذه المستويات باتت تعتمد لغة اكثر حدة مما كانت عليه في السابق. وإنّ المسؤولين الفرنسيين المتابعين الملف اللبناني باتوا يتحدثون صراحة عما يسمونها “جهات معلومة تتقصد التخريب وابقاء الوضع في لبنان في دائرة التوتر والأزمة” من دون ان يسموها.

    وتقول المصادر ان مسؤولين فرنسيين ابلغوا الى زوارهم من اللبنانيين في باريس، وكذلك عبر اتصالات تلت اتصالات لودريان، ما مفاده ان باريس وكل الدول الصديقة للبنان باتت على اقتناع بأن ثمة في لبنان (والمقصود هنا الذين يعطلون تأليف الحكومة وهم معروفون بالاسماء)، من هو مصرّ على اداء مناقض لمصلحة الشعب اللبناني، ويساهم في تقويض الاستقرار في لبنان، وعلى كل المستويات. وتكشف هذه المصادر عن مشاورات تجري على المستوى الفرنسي، ومع دول الاتحاد الاوروبي لإطلاق حراك وشيك، مقرون بإجراءات ضاغطة وملموسة وأكثر فاعلية، في اتجاه بعض المكونات السياسية والرسمية في لبنان، في حال بقي الحال على ما هو عليه من إقفال متعمّد لأفق الحلّ والتفاهم الحكومي ومنع دخول لبنان في حال الاستقرار.

    وفي السياق نفسه، وفيما اكد مسؤول كبير لـ”الجمهورية” أنه تبلّغ من جهات ديبلوماسية أن مقاربة واشنطن للملف الحكومي باتت اكثر زخما مما كانت عليه من قبل، وانها تدفع في اتجاه توافق المكونات السياسية في لبنان على حكومة في اسرع وقت ممكن، وموقفها الواضح عبرت عنه السفيرة في بيروت دوروثي شيا لناحية تخلي جميع الاطراف عن شروطهم التي تعطل تشكيل هذه الحكومة. فإمكانية التفاهم لم تعدم بعد، وهناك رئيس مكلف بالتأليف. وتبعاً لذلك، ينبغي ان يصار سريعا الى تشكيل حكومة متفاهم عليها، وتراعي بالدرجة الاولى مصلحة لبنان، وتلبي في شكل اكثر إلحاحاً طموحات الشعب اللبناني بالانقاذ والاصلاح.

    ولم تستبعد الجهات الديبلوماسية، على ما نقل المسؤول عينه، بروز خطوات اميركية ضاغطة في هذا الاتجاه، تتقاطع مع الاجراءات التي يلوّح بها الفرنسيون ومعهم دول الاتحاد الاوروبي.

    المؤسسات المالية

    وفي سياق متصل، كشف مصدر مالي رسمي لـ”الجمهورية” ان رسالة بعث بها مسؤول مالي دولي كبير الى جهات مالية رسمية في لبنان، وكذلك الى جهات حكومية، مفادها ان اللبنانيين تأخروا كثيرا وفي شكل يثير علامات استفهام سلبية، عن إدخال لبنان في برنامج انقاذي له بالنظر الى حاجته الكبرى والماسة لمساعدات سريعة تمكّنه من تخفيف عبء الازمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها، وبالتالي على القادة في لبنان وعلى المسؤولين الحكوميين ان يدركوا انهم يقعون في خطأ قاتل اذا اعتبروا ان هذا التأخر هو في مصلحة بلدهم، وكذلك اذا اعتقدوا ان أياً من المؤسسات المالية الدولية قد تلتفت الى لبنان طالما بقي الوضع على هو عليه من فراغ، ومعطّلاً بلا حكومة تباشر في اصلاحات جوهرية وتوقف مسارب الهدر في كل قطاعات الدولة.

    موقف روسي

    على ان الرغبات الغربية في تشكيل حكومة سريعا في لبنان، تتقاطع مع ما أكد عليه مصدر ديبلوماسي روسي لـ”الجمهورية” مَفاده أن موسكو تقف الى جانب لبنان، وهي عبّرت لجميع المسؤولين اللبنانيين عن رغبتها في ان ترى لبنان وقد انتقل فعلاً الى مدار الاستقرار. وقال المصدر: “ان موسكو اكدت للقادة اللبنانيين بوجوب ان يتفق جميع الاطراف في لبنان على حكومة، وعبّرت عن رغبتها الشديدة في ان يدخل لبنان حالا في وضع مستقر، يمكّنه من ارساء قواعد تنقله من ازمته الى انفراج يريده جميع اللبنانيين”.

    وردا على سؤال حول الموقف الروسي من المبادرة الفرنسية، قال المصدر: “انّ موسكو مع ان يتوافق اللبنانيون على حكومة، وان كانت المبادرة الفرنسية تحقق هذا الامر فإن موسكو تدعم كل ما يمكن اللبنانيين من التوافق والتفاهم”.

    مستقبل زاهر

    يشار في هذا السياق الى ان سفير دولة كبرى معنية بالملف اللبناني ابلغ الى شخصيات اقتصادية (اعضاء في المجلس الاقتصادي الاجتماعي)، ما حرفيّته أن تعطيل تشكيل الحكومة في لبنان يزيد من الاعباء السلبية عليه كلما طال امد هذا التعطيل، ويفلت من يد لبنان عناصر شديدة الاهمية تمكّنه من انقاذ نفسه من هذه الازمة بمعزل عن اي مساعدات خارجية، فتشكيل الحكومة، كما قال هذا السفير، من شأنه ان يبني قواعد لإصلاح مطلوب من اللبنانيين والمجتمع الدولي، كما انّ من شأنه ان يفتح الباب على اعادة استئناف “مفاوضات مجدية” حول ترسيم الحدود مع اسرائيل، بما يقوده في مستقبل ليس بعيداً من ان ينتقل الى بدء الاستفادة من ثرواته، ليس من النفط فقط، بل من الغاز التي تؤكد دراسات بعض الدول انّ حوض الغاز بين لبنان وسوريا يفوق كل الاحواض في منطقة الخليج الاخرى (ما عدا قطر). وهذا يبشّر بمستقبل زاهر وواعد للبنان. وبالتالي، فإنّ الانتقال الى هذا الوضع، او بمعنى أدق إن وضع اسس الانتقال الى هذا الوضع يكون عبر مسارعة اللبنانيين الى تأسيس قواعد تفاهمية في ما بينهم تخرج بلدهم من الحال الذي هو فيه الآن، والذي يهدد بالاخلال بالاستقرارين السياسي والاقتصادي ومن خلاله بالاستقرار المالي والنقدي، وهذا الاخلال سيقود حتما الى تطور أخطر قد يضع لبنان امام خطر انهيار الاستقرار الامني والدخول في فوضى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى