كتب

ندوة حول رواية “لاجئو بيشاور” للدكتور محمد طعان في دار الندوة

شهدت دار الندوة في بيروت مساء اليوم ندوة حول رواية "لاجئو بيشاور" للروائي الدكتور محمد طعان ،وهي تحاكي قصة نشوء الإسلام الراديكالي في أفغانستان .وشارك في الندوة العميد الياس فرحات والإعلامي سركيس أبو زيد والإعلامي واصف عواضة والمؤلف ،وقدم المتكلمين الإعلامي الدكتور محمد علوش.
وحضر الندوة نخبة من المهتمين كان في مقدمتهم الوزير السابق بشارة مرهج والأستاذ معن بشور والسفير محمد ضاهر والدكتور حيان حيدر والدكتور محمد ياسين والدكتور موسى شرف الدين وآخرون.
في البداية تحدث الدكتور علوش فرحب بالحضور وقال:
فِي رِوَايَتِه لاجئو بيشاور، يُخْرِجُنَا الْكَاتِبُ مَن دائرتي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الراهنتين إِلَى فَضَاءٍ أَوْسَع يُعادُ فِيْه تشكيلُ الْأَحْدَاثِ حَيْث تَبْرُزُ التناقضاتُ وَتَخْتَلِفُ الْإِرَادَاتُ وتتصارعُ الأيديولوجيات.  فالهدفُ كَمَا يَبْدُو مَن شُخُوصِ الرّوايَة، وَمَنّ تَسَلْسُلِ الْأَحْدَاثِ لَيْس تَصْوِيرًا مُتخبِّطاً أَو سَرْدًا اعمى أَو تَفْصِيلًا مُمِلًّا لمجموعةٍ مَن الْأَحْدَاثِ وَقَعْت فِي أفغانستان خِلَالَ الثمانينيات. 
إنَّهَا انْتِقَاءٌ مَقْصُودٌ وانتخابٌ مُخَطَّطٌ لَه بِعِنَايَةٍ لِكُلِّ مَا حَدَثَ فِي تَارِيخِ أفغانستانَ الْحَدِيثِ أَو لِنَقُلْ لِكُلِّ تاريخِنا الَّذِي لاَ يَزَالُ يَعْتَمِلُ فِي دواخِلنا جُرُوحًا ودمائل، وَإِنّ تكثَّفتِ الْأَحْدَاثُ واختُزلت شُخُوصُهَا فِي عَدَدٍ مَن الْأَبْطَال.. تَبْقَى الرِّوَايَةُ مَفْتُوحَةً عَلَى سُؤَالٍ جوهريٍّ وَفَلْسَفِيّ كَبِير: إِلَى مَتَى تَسْتَمِرُّ حُرُوبُ الْأُخْوَّةِ تَحْت شعاراتٍ متضخمةٍ وإلى مَتَى يَبْقَى أَوْلَادُ العمِّ سَام يَعْبَثُون بمصائرِ شَعُوبِ عَالَمِنَا الْإِسْلَامِيّ؟ 
عِنْد قِرَاءَتِي لَهَا لَم أَكُنْ أَمَامَ رِوَايَةٍ تاريخيّةٍ، بَل كُنتُ أَمَامَ مُحَاكَمَةٍ أَنَا فِيهَا القاضي وَالشَّاهِدُ وَالظَّالِمُ وَالْمَظْلُوم.. ولا يَسَع أَيُّ قَارِئ، عِنْدَه مَسْحَةٌ مَن إنْسَانِيَّةٍ وَبَقِيَّةٌ مَن إيمَانٍ إلَّا أن يَشْعُرَ بِحَجْمِ مَا تُعرّي فِيْه هَذِه الرِّوَايَةُ أَنْفُسَنَا، فتضَعُنا أَمَام مُسَاءَلَةٍ تاريخيةٍ حَوْل هَوْل مَا قَد نَتَّخِذُه مَن قراراتٍ وما نُصدِرُه مَن أَحْكَامٍ قَد تُسَبِّبُ لِإِخْوَانِنَا ولشُعوبنا ولأحفادِنا مآسيَ وأحزاناً لاَ تَنْقَطِع. 
وَإِذَا كَان التَّارِيخُ يُسَجِّل عُبُورًا لامتناهيا لِلْأَحْدَاثِ المتدفقةِ كحشودٍ بَشَرِيَّةٍ وَهْي تَقْطَعُ بَوَّابَةَ الزَّمَن، فَإِن رِوَايَةَ لاجئو بيشاور تَقُومُ بمَهمةٍ تَبْدُو نَقِيضَةً، هِي الْإِمْسَاكُ بِوُجُودِ الْفَرْدِ الْإِنْسَانِيّ عَلَى صَفْحَة الْأَيَّام، فَتَجْعَلُ مِنْه مُقِيمًا لاَ عَابِرًا عَلَى خِلَاف مَا يَفْعَلُه التَّارِيخُ أَو الْمُؤَرِّخُون.  
ثم قدم علوش العميد الياس فرحات بالقول:  يَقُوْل الْفَيْلَسُوفُ الفرنسي ميشال فوكو: الْقَارِئُ لِأَيِّ نَصِّ هُو بِمَثَابَةِ كَاتِبٍ جَدِيدٍ لَه.. فلدى الْقَارِئِ دائماً رَغْبَةٌ فِي التَّأْوِيل، رَغْبَةٌ فِي التَّوَقُّع وَالِافْتِرَاض.. قُدْرَةٌ عَلَى تَحْمِيلِ النصِّ مَعَانِيَ قَد لاَ يَكُون الْكَاتِبُ قَد سَعَى إِلَيْهَا.. سُئِل مَرَّة الروائيُ الْكَبِير غابرييل ماركيز عمّ يَنْتَظِرُ الْقَارِئُ مَن كُتُبِه فَقَال: الْقَارِئُ يَبْحَث فِي الْكُتُب عَن نَفْسِه، كَيْف يَعِيشُ وأين يَقِف. فَمَا الَّذِي اكتشفه الْقَارِئُ النَّهَمُ وَالنَّاقِدُ الْحَاذِق الْعَمِيدُ الْمُتَقَاعِد إلْيَاس فرحات فِي رِحْلَة قِرَاءَته لِرِوَايَة لاجئو بيشاور؟ تَفْضل سِيَادَة الْعَمِيد. 
كلمة فرحات
والقى العميد فرحات كلمة قال فيها:
انه من دواعي سروري ان اتحدث بينكم عن  الدكتور محمد طعان وروايته "لاجئو بيشاور ".
اتحدث اولا عن الروائي ثم عن الرواية .
نحن امام روائي غير عادي بمعنى ان الروائيين اللبنانيين الكبار الذين نعرفهم جاؤوا من مشارب ثقافية وسياسية مختلفة .توفيق عواد كان في السلك الدبلوماسي سفيرا وامين معلوف صحافيا ابن صحافي وربيع جابر صحافيا ومديرا في مؤسسة خاصة,ومن دون الدخول في التعداد كان نجيب محفوظ موظفا في ادارات مختلفة في الدولة واحسان عبد القدوس ابن كاتب كبير وكاتبة كبيرة هي روز اليوسف وعلاء الاسواني طبيب اسنان وارنست همنغواي صحافي مراسل حربي معروف بعدائه للنازية والفاشية وشارلز ديكنز فقير ابن فقير كتب عن الفقراء وخلدهم .محمد طعان لبناني من صيدا طبيب جراح عاش في نيجيريا .بعدما تعرفت عليه مؤخرا عرفت انه ابن المرحوم الحاج علي طعان وهو من وجهاء صيدا وبنى النادي الحسيني قرب القلعة البرية وكان يقيم فيها مجالس عاشوراء غالبا ما كنت احضرها عندما كنت مقيما في صيدا ويحرص على ان يحضرها ويتحدث فيها جميع اهالي صيدا من سنة ومسيحيين وشيعة.في تلك الايام لم اكن اعرف الدكتور محمد .
قال لي صديق ذات مرة ان هناك لبنانيا كتب روايات باللغة الفرنسية وهي بالغة الاهمية وعرفت انه محمد طعان .وحرت في امري كيف لهذا الطبيب الجراح المقيم في نيجيريا وهو يحمل هموم المهنة وهموم الاغتراب ان يصبح روائيا ؟ وكيف تسنى له ان يكتب عن مأساة العراق والعلاقة الجدلية بين الاحتلال الاميركي واسقاط نظام صدام حسين وموقع الشعب العراقي ومعاناته.وكيف تسنى له ايضا ان يكتب عن افغانستان وباكستان ونشوء القاعدة وطالبان .
وكان الجواب عندما قرأت له سيد بغداد ولاجئو بيشاور وايقنت انه  فعلا روائي لامع .
الان انتقل الى الرواية لاجئو "بيشاور" .
في غفلة من العمر تحول الاسلام الى شغل شاغل في السياسة الدولية ,ليس بسبب العدالة او المعاملة التي نشرت الدين في الجزر الاندونيسية ولا في استذكار حكمة علي وعدالة عمر وتضحية الحسين,لا بل من موجة التكفير ونشر الكراهية والقتل وسوء تفسير دين الاسلام المرفق بدعم مالي خرافي وتسهيلات غريبة في التنقل في معظم دول العالم.
لاجئو بيشاور تتحدث عن مدينة جلال اباد  الافغانية في اخر ايام  الرئيس نجيب الله الموالي للاتحاد السوفياتي السابق, وقبل سقوطها بايدي المجاهدين الافغان ثم حركة طالبان.اختار محمد طعان شخصيات الرواية لتظهر واقعا ساد في تلك الفترة  في تلك البلاد.الملازم عبد الرحمن ضابط في الجيش الافغاني حليف السوفيات يكره المتدينين ويدمن على الفودكا في تقليد واضح للضباط الروس .لم يظهر عبد الرحمن شيئا من العلمانية والمدنية في سلوكه  يواجه بها التيار السلفي بل كان يواجه الناس بالقوة وبالاصرار على احتقار المتدينين والغلو في تصرفاته فيما يبدو انه كان ملحدا لا يستسيغ الاديان.
في جانب اخر هناك الشيخ الناشط في صفوف المجاهدين  والمتورط بتجارة المخدرات سعيا وراء المال وهناك موفد مكتب مكافحة المخدرات الاميركي الذي يبحث عن انجاز في كشف او مصادرة كميات من الافيون قد ترفع من مرتبته في واشنطن لكنه يصطدم بواقع اكبر منه.
هناك مسؤولة الاغاثة الاممية التي ينحصر اهتمامها في مساعدة السكان وتقديم المساعدات الغذائية والطبية لهم  ويرافقها موظف اممي من الهند وهو من طائفة  السيخ يعرف بعضا من طبائع المسلمين في تلك البلاد.وهناك ايضا شيخ المدينة المتزمت  ويقرأ الدين بلغة عجيبة فهو يحكم في قضية اغتصاب على الامرأة المغتصبة من دون الالتفات الى المجرم المغتصب فيقع اللوم على المعتدى عليها  وهذا ما دفعها, في الرواية, الى حرق نفسها والتخلص من تلك الحياة الذليلة.يستند الشيخ الى قانون جائر ينسبه الشيخ الى تعاليم الدين كما  يحلو له ان يفسرها .
وهناك مخيم اللاجئين في بيشاور في باكستان الذي يستضيف لاجئين من جلال اباد وبعض مناطق افغانستان المجاورة . وهناك الشيخ عبد الله عزام الذي غادر الضفة الغربية الرازحة تحت الاحتلال الاسرائيلي بما فيها المقدسات الاسلامية في القدس وتوجه الى افغانستان ليقاتل صديق الفلسطينيين وعدو اسرائيل في حينه الاتحاد السوفياتي  بذريعة انه عدو للدين .غلبت الهوية الدينية لعزام ورفاقه على هويته الوطنية رغم ان بعضها ديني بسبب حضور المقدسات في وطنه ,فقرر قتال السوفيات عزف عن قتال المحتل الاسرائيلي .
جاء العرب المسلمون من كل حدب وصوب ليقاتلوا عدو الدين الاتحاد السوفياتي وينفذوا عمليات انتحارية ضد الجيش الذي جهزودرب فصائل المقاومة الفلسطينية والعديد من الجيوش العربية .ورد في رواية لاجئو بيشاور احد ماثر الافغان العرب المجاهدين اسامة بن لادن الذي استسلم له نحو ستين جنديا افغانيا فامر بقتلهم وتقطيعهم ووضعوهم في صناديق  داخل شاحنة وارسلوها الى  جلال اباد مما اثار غضب المجاهدين الافغان كون هذا العمل ليس من تقاليد القبائل الافغانية ولا من شيمهم التي تقوم على احترام العهود.انتهى الغضب عند اموال الخليج .لا ينسى الروائي ان يضع في روايته زواجا لشيخ مسن من فتاة صغيرة وبشكل قاس وهوشائع في تلك المجتمعات. كما يذكر كثيرا عن تجارة الافيون وتحالف السلطة والمجاهدين مع شبكة تهريب المخدرات وشيوع مختبرات تحويل الخشخاش الى افيون .  وبالطبع يتحدث عن اصداررجال الدين فتوى بجواز زراعة وتكرير الافيون وبيعه من الكفار كي يحدث لهم الضرر والاستفادة من ثمنه لتمويل الجهاد.وهكذا تامنت الشروط الدينية لزراعة المخدرات.
الرواية تحكي نشوء القاعدة ومدارس طالبان في باكستان وافغانستان وصعود حركة طالبان وتسلمها السلطة بقيادة الملا عمر.
انها مأساة شعب ومأساة فكر ومأساة ثقافة ومأساة دين ومأساة سياسة اقليمية باكستانية وسياسة سعودية واولا واخرا مأساة سياسة اميركية .
يضع محمد طعان شخصياته في بنية درامية متماسكة بحيث انك تقرأ كانك تشاهد شريطا سينمائيا ,و رغم عدم المامي بكتابة السيناريو او قراءته  وتقييمه,استطيع ان اقول ان هذه الرواية هي شبه سيناريو لفيلم او لمسلسل تلفزيوني.
اعود من الاخر الى الاول واسأل كيف تسنى لطبيب من صيدا يعمل في نيجيريا ان يكتب بهذه الحرفية والدقة والبراعة الدرامية عن مأساة افغانستان؟ لا اجد جوابا الا بما هو شائع اجتماع المعرفة مع الموهبة .
هذا هو محمد طعان وهذه هي لاجئو بيشاور. 
كلمة أبو زيد
وقدم علوش الإعلامي سركيس ابوزيد قائلا:يَقُوْل النَّاقِدُ والروائيُ التشيكي مِيلَان كونديرا صَاحِبُ كِتاب "ثُلَاثِيَّة حَوْل الرِّوَايَة ": "مِثْلَمَا قالت فَلْسَفَةُ الْحَدَاثَة مَع ديكارت أَنَا أُفَكِّرُ إذْن أَنَا مَوْجُود، قَال أَدَبُ الْكِتَابَة أَنَا أَتَأَلَّمُ إذْن أَنَا مَوْجُود ".  فَإِذَا كَان الْفَيْلَسُوفُ الرِّيَاضَيّ رينيه ديكارت جَعَل الذَّاتَ الْمُفَكِّرَةَ الْوَاعِيَةَ أَسَاسَ كَلّ شَيْء، فَإِن دُورَ الرَّاوِيَةِ يَتَمَثَّلُ فِي سَبْر أَغْوَارِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ وَالْحَفْرِ فِي أشواقِها وآمالهِا. فَهَل تلمّسَ النَّاقِدُ وَالْإِعْلَامِيّ وَالْبَاحِث سركيس أَبُو زَيْد أيَّا مَن ذَلِك فِي رِوَايَة لاجئو بيشاور؟ مَع مُدَاخَلَة الْأُسْتَاذ سركيس فَلْيَتَفَضَّل. 
وقال أبو زيد :

الدكتور محمد طعّان كاتب فرنكوفوني صدر له عدة مؤلفات آخرها «لاجئو بيشاور» الذي ترجم مؤخراً وهو موضوعنا اليوم. والكتاب يقارب كيفية نشوء الوهابية ضمن قالب سردي شيق. تدور أحداث الرواية  في "جلال آباد" المحاصرة التي ستسقط في يد «المجاهدين». ومن خلال موفدة الهيئة العليا للمهجرين في أفغانستان ومندوب المكتب الأميركي لمكافحة المخدرات في باكستان، سنتعرف كيف أن المخابرات الأميركية بالتعاون مع نظيرتها السعودية والباكستانية قد عملت على صعود بن لادن ومن بعده «الملّة عمر» والطالبان. وسنتعرف أيضاً من خلال رشيد الذي ذهب مع شقيقته وأمه، بعد مقتل والده، إلى مخيم في بيشاور ليواصلوا حياتهم في ظل حماية منظمة الأمم المتحدة.

لكن الحروب التي نشبت بعد خروج السوفيات (من أفغانستان)، وضعته ومواطنين آخرين في طريق آخر. فهم، عن غير قصد، دخلوا في مسار عسكري تدربوا فيه على تعاليم دينية متشددة ومعتقدات متسلطة على العقول تؤدي إلى سلوك غير إنساني. وخلال الأحداث التي عاشها رشيد وعائلته يتم سرد جانب من التاريخ الدموي المر الذي عاشته أفغانستان.

ومن خلال هذ الرواية يقدم  د. طعان صورة عن إسلام مشوه أثار ويُثير تحديات وازدواجيات وسلوك متناقض مازال مطروحاً حتى الآن. تعالج رواية "لاجئو بيشاور" جملة إشكاليات سياسية اجتماعية أبرزها :

إشكالية الإسلام السياسي واستخداماته في الصراع الدولي، حيث تبرز الرواية عبر شخصياتها، ومسار الأحداث التعبئة الدينية ضد السوفيات الكفار وأعوانهم المحليين في أفغانستان، وتطلق على المعارضين تسمية دينية هي "المجاهدون". والجهاد كما نعلم هو فريضة في الإسلام مثل الصلاة والزكاة. أوضحت أحداث الرواية أن ما جرى من قبل "المجاهدين" وداعميهم كان حرباً دينية مقدسة خاضها الأفغان وساعدتهم المملكة العربية السعودية المسلمة والولايات المتحدة الأميركية التي صدرت مواقف كثيرة من سياسييها وبعضهم في السلطة تندد بالإسلام. أوضحت أحداث الرواية كيف يكون تغييب معاداة الولايات المتحدة للإسلام عن تحالف الإسلام السياسي معها.

تطرح الرواية إشكالية المحرمات، ونخص هنا:

–         المخدرات كيف يتشدد الإسلام السياسي في أفغانستان في تحريم الخمر، وكيف يتساهل في إباحة المخدرات وزراعتها وتصنيعها وبيعها، وربما السماح بتعاطيها. وقد ورد في الرواية نوع من الفتوى أصدرها الشيخ بأنه يُسمح بالمخدرات وبيعها إلى الكفار كي يتضرروا منها، وكي يكسب المال ويمول الجهاد في سبيل الله.

–        إشكالية المرأة في المجتمع السلفي المسلم وفرض العقوبة بحق المرأة التي تتعرض للاغتصاب بشكل عدواني، وترك المغتصب من دون عقوبة ولا تشهير. في الحقيقة هذا ليس من الإسلام، وإن اتباع العديد من المسلمين والقوانين المرعية في بعض الدول الاسلامية حول الاغتصاب هي نزعة ذكوريّة متخلفة وقديمة، أقل ما يقال فيها أنها لا تساوي بين الرجل والمرأة فقط بل تتعاطى مع المرأة بطريقة غير إنسانية.
إشكالية الصراع بين الثقافات العالمية

–        العلاقة بين موظفي الأمم المتحدة والسكان المحليين، وفي حالة الرواية مديرة مكتب اللاجئين البريطانية واصطدامها بالعادات والتقاليد المتبعة .

إشكالية الصراع بين العادات والتقاليد المحلية المتناقضة

–        الخلاف بين ما يسمى مجاهدين عرب بسلوكهم المتوحش الذين يقودهم أسامة بن لادن وبين القبائل الأفغانية التي تتبع تقاليد في خلافاتها ونزاعاتها. وقد نشأ ذلك عندما فوجئت قبائل المجاهدين بأن العرب قطعوا جثث ستين جندياً أفغانياً ووضعوها في سيارة بيك آب، وهذا ما آثار حفيظة بعض المجاهدين الأفغان.

إشكالية تصنيع الانتحاريين
–        تحضير الشيخ لأولاد صغار ليقوموا بعمليات انتحارية ليس لها بُعد عسكري هادف، وهذه البداية أدت فيما بعد الى أحداث 11 أيلول، وتفجيرات لندن ومدريد واسطنبول والمغرب ومصر وأندونيسيا، حتى تحولت في العراق إلى وجبة أكثر من أسبوعية ضد التجمعات والأسواق ودور العبادة ( بلغ عدد تفجيرات العراق أكثر من أربعة آلاف!!).

إشكالية التناقض بين المبالغة في ممارسة الشعائر الدينية الأصولية والمبالغة في التبعية إلى حد العبودية للاستكبار الأميركي

–         برز في الرواية الاحترام الكبير الذي يوليه "المجاهدون" والشيوخ للسيد الأميركي الذي بقي سيداً عليهم سواء كان دبلوماسياً أم موظفاً في إدارة مكافحة المخدرات الفدرالية، رغم أنه ليس مسلماً، وهو غالباً ما يظهر عداوة أو عدم احترام للإسلام.
هذه الإشكاليات رأيناها ونراها اليوم في سوريا والعراق وغيرها من المناطق التي ساد فيه حكم أو هيمنة النمط الأفغاني الذي يتغطى بالإسلام.
شكراً د. محمد طعان من خلال كتابك سنتعرف إلى كيفية نشوء الإسلام الراديكالي "الوهابي" في رواية مشوقة سردت لنا سيرة هذه العملية المعقدة التي مازلنا نشاهد تداعياتها حتى الآن.
ثم قدم علوش الإعلامي واصف عواضة قائلا:بِمُعَاقَرَة الْكِتَابَة، نُعِيدُ اكتشافَ ذَوَاتِنَا، نُعِيدُ اكتشافَ الْحَيَاةِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا. الْكِتَابَةُ نَفْسُهَا قِصَّة.. قِصَّةُ معانة وَمُكَابَدَة. قِصَّةُ تسامي عَن الْوَاقِع المرير. هِي رَغْبَةٌ دَفِينَة فِي إعَادَة تشكيلِ الْمَاضِي بشخوصِه وَظُرُوفِه وأحداثِه.. هِي بِاخْتِصَار عَمَلِيَّةُ تَخْلِيقٍ تُضْمِرُ رَغْبَةً دَفِينَة فِي نَفْسِ كَلِّ مِنَّا للتحرّرِ من ضَغْطِ الْأَحْدَاثِ وعِبءِ يومياتها.. هِي عِلَاجٌ يُدْمِنُه الروائيُّ بشخصيَّته الرَّقِيقَةِ الشفَّافةِ كَالْبَلُّورِ الْحَسَّاس لِأَيّ طَبَقَةٍ مَن الْغُبَارِ قَد تَكْسُو جِلْدَه. فَهَل هُنَاك مَن هُو أَجْدَرُ بِالْحَدِيث عَن مُعَانَاة الْكِتَابَة وَكَيْفِيَّة الْكِتَابَة فِي مُجْتَمِعٍ مُضْطَرِبٍ أَكْثَر مَن الْكَاتِب وَالْإِعْلَامِيّ الْكَبِير الشَّاهِدِ عَلَى تَفَاصِيل حُرُوب الْأُخْوَّة فِي لَبَنَان كَحَّال نُظَرَائِهِم فِي أفغانستان الْأُسْتَاذ وَاصِف عواضة؟ فَلْيَتَفَضَّل.

كلمة عواضة
والقى الإعلامي عواضة الكلمة الآتية:
    عرفت محمد طعان قبل سنوات عدة ،عندما قدم لي روايته بعنوان "سيد بغداد".عرّفني عن نفسه بأنه طبيب جراح مغترب في نيجيريا.خلت للوهلة الأولى أن كتابه واحد من التجارب الاغترابية التي كانت لي فرص كثيرة للاطلاع عليها أو حتى مراجعتها لأكثر من صديق خلال رحلاتي العديدة الى افريقيا بالذات والى بلاد الاغتراب بشكل عام.
    لكنني في الحقيقة، شدني عنوان الرواية .فهي تطرق باب مدينة عريقة في التاريخ قرأت عنها الكثير ،وسمعت الكثير،وشاهدت أكثر ما أنتج عنها من أفلام ومسلسلات،قبل أن أزورها العام الماضي.
رحت أغوص في صفحات "سيد بغداد" مستمتعا بتلك المشهدية التي رسمها محمد طعان في هذه الرواية،ولا أغالي اذا قلت أنني قرأتها بشغف شديد لا يضاهيه الا شغفي بروايات أمين معلوف ويوسف زيدان وعبد الرحمن منيف.
   بعدها كرت السبحة مع ارتفاع حدة العلاقة الطيبة والصداقة المتينة مع الدكتور محمد طعان ،فكانت رواية "الخواجا"،ثم "فول سوداني"، ثم "زائر وجدة" و"صيف الجراح" الى روايته الأخيرة "لاجئو بيشاور".ومع كل واحدة منها كنت أرى في محمد طعان مؤرخا وليس مجرد راو يدفعه الخيال الى استنباط قصة أو حكاية مثيرة تلتهمها الأعين،بل يسرح معها الخيال الى أماكن وضعت قدميك على ترابها ،أو أنك تتشوق لرؤيتها.
   ومع كل رواية كنت أرى الطبيب الجراح محمد طعان يشرّح الأماكن والأزمنة بمبضع الجراحة ،فيؤلم المريض أحيانا ،ولكن من أجل هدف سام يبتغي ابلاله من مرضه.
    في رواية "لاجئو بيشاور" ،تخطى محمد طعان حاجز الإمتاع في السرد الروائي والقصصي ،فقدم لنا وثيقة تاريخية اختلطت فيها السياسة بالدين بالمجتمع بالتقاليد ،،بالفوضى والصراعات والمؤامرات والخيانات، بالمخدرات وعمليات التهريب بالنفط والثروات والخيرات،حيث أحاط الكاتب بكل عناصر تلك المرحلة ،  ويمكن اعتماد هذه الرواية  كمرجع لتلك المرحلة من حياة هذه المنطقة ،فتناول كل الحجارة والمداميك التي بُني عليها الإسلام الراديكالي الذي حصدنا إرثه المكلف والثقيل في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وفي العالم أجمع ،وما نزال ،والله أعلم الى متى ستستمر هذه الموجة ،تخبو حينا وتتصاعد أحيانا.
   وقد وضع محمد طعان يده في هذه الرواية على العنصر الأساسي في نشوء هذا الفكر التكفيري،من خلال المدارس الدينية التي استلهمت فكر محمد بن عبد الوهاب والوهابية، بدعم واضح من المملكة السعودية ،وهي الأرض التي نشأ فيها هذا الفكر وانتشر بفعل هذه المدارس التي تنكب لها الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام،والذي اغتيل في أفغانستان لاحقا على أيدي الاميركيين ،ليسطع بعده نجم أسامة بن لادن،ثم الملا عمر زعيم طالبان.
   وهنا تبرز أهمية الثقافة في تكوين المجموعات الإنسانية ،وقد لعبت دورها وما تزال في نشر وتوسيع اطار الإسلام الراديكالي ،وكان لهذه الثقافة دور أساسي تغلب على السلاح والتدريب والتمويل ،باعتبار أن كل هذه الأدوات لا يمكن أن تفعل فعلها ما لم يحركها فكر ومعتقد لعبت المدارس دورا أساسيا في انتاجه.
    فالذي يفجر نفسه بحزام ناسف وسط مجموعة من البشر،لا يحتاج بالضرورة الى تدريب او تمويل أو سلاح ،بقدر ما يحتاج الى ثقافة وعقيدة تزين له هذا العمل ،ودائما تكون الجنة وما تحتويه من مفاتن هي الحافز،سواء أكان فعله لهدف شريف أو هدف شرير.وقد كانت فرقة الحشاشين بزعامة حسن الصباح ،السباقة الى هذا الفكرفي نهاية القرن الحادي عشر الميلادي ،والتي امتد شأوها الى القرن الثالث عشر الميلادي.
أما العنصر الثاني في الرواية فهو تجارة المخدرات التي كانت مصدرا أساسيا لتمويل المجاهدين، إضافة الى التمويل السعودي والسلاح الباكستاني والدعم الأميركي ،وهو المصدر الذي أفتى زعيم طالبان الملا عمر بتشريع بيعه للكفار على حد تعبيره ،وهو ما شكل لهذه المنظمة ولغيرها نوعا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات،بعيدا عن السطوة السعودية والأميركية في تلك المرحلة.

   والحقيقة أن رواية "لاجئو بيشاور" تحتاج الى أكثر من قراءة متأنية ،مرة ومرتين وثلاث ،لاستخلاص الكثير من العبر منها ،واكتشاف الكثير من الزوايا المظلمة التي تأسست تحت شعار الجهاد والمجاهدين ،وكذلك اكتشاف الادوارالتي لعبها الكبار والصغار في العالم والمنطقة.
   صحيح أنها ليست الوقائع الأولى عن هذا المارد التكفيري ،حيث صدر قبلها الكثير من الكتب التي تنكبت للاضاءة على هذه الحالة،ولكن تبقى في هذه الرواية نكهة خاصة أجاد الدكتور طعان في تظهيرها للقارئ بأسلوب لا يخلو من المتعة.
ملاحظات
لكنني من خلال قراءتي الأولى للرواية استطيع أن اسجل الملاحظات الآتية:
1- الجهد الكبير الذي بذله الكاتب في ملاحقة وقائع هذه الرواية ،واعتقد أنه استلزم سنوات من البحث والتدقيق.
2- الى جانب الوقائع ،جميلة هي مخيلة محمد طعان في النص الروائي ،حتى لتخال أنه كان حاضرا وشاهدا على كل حدث في هذه الرواية ،يراقب بعين صحافي كل همسة ولمسة ،أو يتخفى بين أبطال الرواية لينقل للقارئ مشهدية رائعة.
3- يتوغل الكاتب في السياسة من خلال نقاش جدي بين ابطال الرواية ،ويتوغل أكثر في التاريخ ليسجل وقائع تلك المرحلة بأمانة مطلقة من دون أن يتدخل في الاحداث.
4- أجاد الكاتب في شرح وتوصيف عادات وتقاليد البلدان والمجتمعات التي حدثت على أرضها وقائع الرواية ،كأفغانستان وباكستان والسعودية .
5- لا يقل الكتاب أهمية عن كتب صدرت سابقا لكبار الصحافيين والمؤلفين ،واعتقد أنه سيكون له مكان في المكتبة العالمية .لذلك أنصح الدكتور طعان بترجمة روايته الى اللغة الإنكليزية لأنها الأكثر انتشارا على المستوى العالمي.

6- تصلح الرواية لانتاج فيلم سينمائي على مستوى هوليوود ،أو بالأحرى مسلسل تلفزيوني يتولاه مخرج عالمي،أو  أحد المخرجين السوريين أو المصريين الكبار ،وقد سبق لهم أن أجادوا في الدراما التاريخية .لا أقول لبنانيا لأن الإنتاج الدرامي اللبناني ينقصه التمويل المجزي،وهو بالتالي  غارق في الحب والغرام.
7-   أخيرا لا أدعي أنني قادر في هذه العجالة على الإحاطة بكل ما يفترض قوله في هذه الرواية ،وأترك لمرحلة مقبلة مجالا للتقويم الأفضل.

في الخلاصة ،
أعترف أن محمد طعان لم ينل ما يستحق من العرفان والتكريم،ربما لأنه أخل بقواعد اللعبة الأدبية التي تسخر الرواية والتاريخ لأهداف مادية وسياسية مدفوعة الأجر ،أو لأنه طرق أبوابا لا تستوي مع مآرب بعض الثقافات العربية، والغربية بالتحديد ،خاصة وأن قلمه ينبض باللغة الفرنسية التي أجادها وحفر بواسطتها صخور رواياته.لكن محمد طعان مصر على ديمومة الحفر والتنقيب في زوايا هذه الأمة التي لطالما كفّرت أنبياءها ،لكنها لم تستطع الغاء نبوتهم.
   شكرا للدكتور طعان الذي أغنى المكتبة العربية بهذه الرواية ،
ولا يفوتني توجيه الشكر للمترجم الأستاذ عدنان حديب على نقله الرائع للرواية الى اللغة العربية ،
وشكرا لكم جميعا.
بعدها قدم علوش الكاتب طعان قائلا:لاَ أَنْبِيَاءَ فِي عَصْرِنَا الْحَالِيّ.. عَصْرُ الْمُعْجِزَات انْقضى.. مَن تُرك بَيْنَنَا.. هم أَسْبَاط أَو حَوَارِيّ أَنْبِيَاء إنَّهُمْ أُولَئِك الْكُّتَابُ الْمُلْهَمُون.. أَعْنِي أُولَئِك الَّذِين يُخرجِون مَن دواخلنا الْإِنْسَانِيَّةَ الْجَامِعَة.. أُولَئِك الَّذِين يهدّئون مَن غضبنا وتوحّشِنا ويقودونَنا بسلاسة نَحْو مَا هُو دَائِمٌ، نَحْوَ مَا لَهُ مَعْنَى، نَحْوَ مَا هُوَ َنَافِعٌ لَنَا جَمِيعًا..  مَا أَحْوَجْنَا فِي هَذِه الْغُرْبَةِ الْمُتَوَحِّشَةِ الَّتِي يهمينُ عَلَيْهَا الْعُنْفُ وَالدَّمُ وَالْقَتْلُ والطائفيةُ وَالتَّخَلُّف إِلَى أن نَتَأَمَّل تَأَمُّلَ الْأَنْبِيَاء وَالْوُعَّاظ فِيْمَا آلَت إلَيْه أَحْوَالُنَا. وَهَل هُنَاك أَفْضَلُ مَن قِرَاءَة رِوَايَة مُلْهِمَة فِيهَا الْكَثِيرُ مَن الْعِبَر، بَل هَل هُنَاك أَفْضَلُ مَن الِاسْتِمَاع إِلَى صَانِعِ وَحَائِكِ الرِّوَايَة نَفْسِه.. مَع كَلِمَة الطَّبِيب والروائي والمتغرِّب الدكتور مُحَمَّد طَعَّان.
كلمة طعان
وتحدث الدكتور طعان فقال "إن الأستاذ عواضة لعب على الجرح في حديثه عني لجهة الظلم اللاحق بي عندما تحدث عن مشكلتي مع دور النشر في فرنسا .نعم أنا بصراحة على القائمة السوداء،وأتعرض للمحاربة.
وسرد طعان معاناته مع دور النشر في فرنسا وكيف أن اللجنة المختصة بالنشر رفضت رواية لاجئو بيشاور بعد اربع ساعات من ارسالها لها" .
وتحدث عن روايته من الزاوية الإنسانية مشيرا الى الفتى رشيد الذي أنقذته ممثلة الأمم المتحدة في جلال أباد من الموت ،ثم أقنعه أحد رجال الدين بتفجير نفسه بها ،لكنها نجت لأنها كانت قد غادرت مبنى الأمم المتحدة الى المطار عند تفجير نفسه في المبنى.
وقال إن هذه الرواية يجب أن تتبناها الأمم المتحدة لما فيها من مظاهر إنسانية .
وجرى نقاش بعد ذلك في في أهمية تحويل هذه الرواية الى فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني.وبعد ذلك وقع الدكتور طعان روايته للحضور. 


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى