حروبسياسة

جبهة لبنان تربك إسرائيل:ما لم يتحقق بالقوة.. يتحقق باستخدام القوة (حلمي موسى)

 

كتب حلمي موسى من غزة:

تتعاظم بشكل كبير التهديدات التي يطلقها قادة إسرائيل العسكريون والسياسيون ضد لبنان ،وما ينتظره إذا توسعت الحرب من جهة، وإذا لم يلتزم بشروط إسرائيل بسحب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني من جهة أخرى.

وكان أوضح تهديد ما أطلقه وزير الحرب يؤآف غالانت عندما قال “إن الحرب مع لبنان لن تتوقف بإيقاف إطلاق النار في غزة، وأنها سوف تتواصل هناك إلى أن تتحقق شروط إسرائيل”.

ولكن علائم التصعيد لا تقف عند التهديدات الكلامية، وهي ليست قصرا على غالانت أو نتنياهو وإنما تمتد لقائد الجيش وقائد سلاح الجو، بل تتعداهما إلى خطوات على الأرض. وهذه الخطوات تتمثل بتوسيع دائرة القتال وإبعادها عن منطقة الحدود ووصولها يوم أمس إلى النبطية، وكذلك في التحضيرات الجارية داخل الكيان استعدادا لهذه الحرب.

ومعروف أن الإدارة الأمريكية التي تعارض نوايا إسرائيل في توسيع الحرب وتعمل قدر الإمكان لتجنب التورط في حرب أخرى في المنطقة ،تحاول إيجاد مخرج سياسي لحل النزاعات الحدودية بين إسرائيل ولبنان. ولا يزال مبعوث الرئيس الأمريكي عاموس هوكشتاين يحاول الاستفادة من نجاحه في حل نزاع الحدود البحرية لحل قضايا الخلاف الحدودية البرية بين الدولتين لسحب البساط من تحت اشتراطات حزب الله لوقف الصراع.

وتتفاقم قصة الحرب في الشمال في ظل إصرار سكان مستوطنات الشمال على عدم العودة إلى مستوطناتهم قبل إبعاد حزب الله عن الحدود. فالمخاوف من عملية يشنها حزب الله على غرار 7 أكتوبر في غلاف غزة، تمنع مستوطني الشمال من التفكير بالعودة إلى مستوطناتهم. ومثل هذا الخوف ينطوي على تقويض ثقة الجمهور الإسرائيلي بقدرة الجيش الإسرائيلي على حمايته، وهذا يهدم أساس نظرية الدفاع الإسرائيلية. فما يسمى بالردع الذي سهل تواجد المستوطنين على آخر متر من أراضي المستوطنات لم يعد قائما حتى في نظر المستوطنين الإسرائيليين. ولم تسهم لا الحرب الهمجية على غزة ولا توسيع الحرب على لبنان في تعميق هذا الردع.

 

وفي هذا السياق تحدث عضو لجنة الخارجية والأمن في الكنيست سابقا والباحث المتخصص في الأمن القومي، عوفر شيلح، في الاذاعة عن “أن الاستعدادات على مستوى معين توضح للجمهور الإسرائيلي أنني لست متأكدا من أن معنى القتال في الشمال ضد حزب الله واضح بالنسبة لهم”. ويضيف أنه “عندما تبدأ بالقول “يجب أن يكون الأعضاء مستعدين لوضع لن تكون فيه كهرباء أو ستكون المستشفيات مشغولة لدرجة أنه سيكون هناك سؤال حول عملها، عندها يبدأ الجمهور في فهم أن الأمر لا يتعلق بغزة، أو حتى غزة مضاعفة، ولكن بشيء آخر بحجمها”.

وأشار شيلح إلى أنه “في النهاية، من أجل إعادة السكان إلى الشمال، ومنحهم الأمن والشعور بالأمان، هناك خياران : حملة كبيرة مع حزب الله لها عواقب وخيمة للغاية على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، أو تسوية سياسية، وهذه التسوية السياسية ليست تسوية إسرائيلية ضد حزب الله، بل هي من التحالف الذي تحاول الولايات المتحدة تأسيسه في الشرق الأوسط ضد المحور الذي تقوده إيران”.

وثمة تساؤل يزداد إثارة في إسرائيل عن الفترة الزمنية التي يمكن شراؤها بتسوية سياسية مع لبنان في ضوء استمرار الصراع في المنطقة. وهناك انطباع متزايد بأن “الظروف في الشمال ليست جيدة. وأن الوضع منذ عام 2006 مستقر، ليس بسبب قدرة إسرائيل على ردع حزب الله، وإنما لأن للبنانيين مصلحة في هدوء الحدود”. لكن هذا الوضع تغير بعد 7 أكتوبر حيث تقاطع المحلي مع الإقليمي ومع الدولي. ولذلك ثمة من يطالب حكومة نتنياهو بفهم وجوب الربط بين الصراع مع لبنان ونظرتها لليوم التالي في غزة.

ويعتقد كثيرون في إسرائيل أن المنطق الامريكي الذي يربط بين انهاء الحرب وحل الدولتين والتطبيع مع الدول العربية وخصوصا السعودية ،أقرب إلى مصلحة إسرائيل من الحلول الأخرى. ويعتقد هؤلاء أنه بعيدا عن الرؤية الأمريكية قد تجد إسرائيل نفسها في حرب إقليمية تقف فيها عسكريا بمفردها.

وفي هذا السياق وعودة إلى كلام عوفر شيلح فإنه من دون تسوية وترابط إقليمي، فإن هذا يزيد من فرص شن حملة إقليمية تقف فيها إسرائيل عسكريا بمفردها”. وأضاف: “أي شخص يتحدث عن خلاف ذلك إنما ينثر الأوهام أو يكسب الوقت. نتنياهو ليس مستعدا لقول هذه الأشياء لأسباب سياسية لأنه يخشى سقوط حكومته. أعتقد أن غانتس وآيزنكوت، يفهمان بالضبط ما أقوله، وقد حان الوقت بالنسبة لهما لوضعها على الطاولة”.

ولكن ليس كل الإسرائيليين يتحدثون بهذه النبرة. الجيش مثلا لا يستطيع أن يقول لجمهوره أنه غير قادر على حمايته، فلا يجد سبيلا أمامه سوى التبشير باستمرار الحرب وإطالتها. وهذا تأكيد على نظرية سادت في الكيان بأنه ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من استخدام القوة. وهذا ما ينادي به أيضا قادة سياسيون داخل حكومة نتنياهو وحتى في المعارضة. وكثيرا ما تسمع تصريحات لقادة لا ترى فيها أي فارق بين الموالاة والمعارضة أو بين أشد المتطرفين وأقلهم تطرفا. وهكذا مثلا فإن زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان يعلن أن على الجيش الإسرائيلي احتلال جنوبي الليطاني والبقاء هناك ل 50 عاما”.

 أما قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجنرال تومر بار فتوعد حزب الله بتصعيد الحرب ضده، وأعلن في مؤتمر عملياتي هذا الاسبوع في قاعدة بلماخيم الجوية أنه “بمجرد صدور الأمر، عشرات الطائرات في لبنان سيتحول إلى مئات”. وبحسب المؤتمر الذي حضره جميع قادة القوات الجوية من رتبة مقدم فما فوق ،ومنهم قادة الأسراب والوحدات العملياتية، تم عرض خطط القوات الجوية لعام 2024 في ما يتعلق ببناء القوة وتشغيلها.

وتضمنت مضامين المؤتمر عرضاً لأهم عمليات القوات الجوية في الحرب منذ يومها الأول وحتى الآن بكافة تشكيلاتها المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، تم عرض خطة العمل الرئيسية للقوات الجوية لعام 2024، والتي تحدد بأنها سنة قتالية، والتي تتعلق بتعزيز القوة والقتال في الساحة الجنوبية والاستعداد القتالي في الساحة الشمالية.

ومن جهة أخرى علق العقيد (احتياط) كوبي ماروم ، الخبير في شؤون الأمن القومي والساحة الشمالية، يوم الأربعاء، على التصعيد المستمر في الشمال، وأجاب عما إذا كان يرى أن المنطقة الأمنية هي السبيل الوحيد لضمان عدم تهديد حزب الله المستوطنات الشمالية: “لا أعتقد ذلك حقًا، وأنا أتفق مع ذلك”. وبحسب كلامه، لدينا مشكلة خطيرة في الشمال. الأشهر الأربعة من حرب الاستنزاف واستخدام الجيش الإسرائيلي للقوة فشلت في حل المشكلة، تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في القضاء على حزب الله في الشمال”.

وفي محادثة مع أودي سيغال وأنات دافيدوف على إذاعة 103FM، قال: “نحن في نوع من الوضع الراهن الذي يتطلب قرارات من مجلس الوزراء في سياق الساحة الشمالية. لا أفهم لماذا، بعد الجهود الرئيسية لقد انتهت غزة، لماذا لا يحدد مجلس الوزراء هدفا استراتيجيا للشمال، ولماذا لا ينقلون قوات إلى الشمال لخلق تهديد حقيقي على الحدود، يمكن أن يؤثر على المفاوضات. حزب الله هو مشكلة مشاكلنا، ونحن لا نتعامل معه على هذا النحو، وما زلنا متمسكين بقرار مجلس الوزراء قبل أربعة أشهر بأن الأولوية لغزة، التي لم تكن في غزة منذ فترة طويلة”.

ووفقا له: “أعتقد أن الأمر يتعلق بتنسيق التوقعات مع أنفسنا ومع جمهور النازحين. مثل هذا الاتفاق قصير الأجل، ويمكن أن يعطي السلام، وفي أفضل الأحوال سيكون هناك نزع سلاح في قطاع جنوب الليطاني. فهو لا يحل المشكلة الاستراتيجية في مواجهة حزب الله.بعد القتال العنيف الذي خاضه جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة، يتعين علينا تجنب حرب شاملة في الشمال قدر الإمكان. لا يمكن لهذه الدولة والجيش الإسرائيلي أن يشنوا مثل هذه الحرب الضخمة الواحدة تلو الأخرى. المشكلة الرئيسية في الشمال هي كيفية خلق واقع مختلف الآن يسمح لهؤلاء الأشخاص البالغ عددهم 70 ألفًا بالعودة إلى منازلهم”.

أضاف:”برأيي، يجب أن يكون شكل الجهد الدبلوماسي في نفس الوقت بمثابة تهديد واضح لحزب الله والإيرانيين بأن إسرائيل ستهاجم وتفعل ذلك بقوة السلاح. علاوة على ذلك، يجب أن يكون واضحًا أنه حتى لو كان هناك اتفاق .

وقال: “يجب ألا تتكرر سياسة الضم التي تنتهجها إسرائيل. ويجب على إسرائيل أن تصوغ سياسة يتعين علينا بموجبها، إذا كان هناك انتهاك، أن نتحرك على الرغم من الوجود المكثف للجيش اللبناني، وعلينا أن نكون مسؤولين عن أنفسنا”.

ولكن من الناحية الأخرى تدور اتصالات لمنع التصعيد. وبحسب ما نشر في وسائل الإعلام الاسرائيلية ،فإن الاتصالات تهدف إلى إنهاء القتال في الشمال على أساس نموذج تفاهمات 1996. وبحسب باراك رافيد في موقع “والا” فإن الإدارة الأمريكية تأمل من خلال مساعيها إيصال لبنان وإسرائيل إلى نقطة تفاهمات يتم بموجبها الإعلان عن صيغة. وبموجب ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ستعلن التزامات الأطراف: سيتوقف القتال، ولن يعيد حزب الله قواته إلى المنطقة الحدودية، وستخفض إسرائيل الطلعات الجوية فوق لبنان وتسحب جزءًا من القوات من الحدود.وهذا مجرد أمل أمريكي ليس مضمونا إن كانت إدارة بايدن قادرة على تحقيقه مع إسرائيل ولبنان. فأمريكا منذ اللحظة الاولى عملت بجهد كبير من أجل منع نشوب حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان. ونقلت “والا” عن مصادر مطلعة على الأمر إن الولايات المتحدة تأمل أن تؤدي صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس إلى تهدئة القتال في غزة وتسهيل تحقيق الهدوء على الحدود الشمالية، لكنها تستعد للإعلان عن التفاهمات الجديدة بين إسرائيل ولبنان حتى لو لم يحدث ذلك.

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى