رأي

لا مكان لقتلة الأطفال تحت الشمس(أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوار نيوز

 

“كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلًا فلسطينيًا واحدًا على قيد الحياة”.

وعن نظرتها التوسعية حيث وقفت على شاطئ خليج العقبة قالت: “إنى أشم رائحة أجدادى في خيبر”.

(من أقوال غولدامائير رئيسة وزراء دولة الكيان الصهيونى، أثناء حرب أكتوبر عام 1973).

ذكر المكتب الإعلامي الحكومي: “ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 7 تشرين الأول 2023 على قطاع غزة إلى أكثر من 15 ألفا، من بين الشهداء أكثر من 6150 طفلا، وأكثر من 4 آلاف امرأة. وأحصى المكتب نحو 7 آلاف مفقود حتى الآن، وبينهم أكثر من 4700 طفل وامرأة. وذكر المكتب أن من بين الشهداء 207 من الأطباء والممرضين والمسعفين، إضافة إلى 26 من طواقم الدفاع المدني، و70 صحفيا.

بنيامين نتنياهو رئيس حكومة “الكيان الصهيوني”، كان يروّج في العديد من كتاباته عن أن “إسرائيل” هي خط الدفاع الأول عن الحضارة الغربية، وهي تقاتل عن كل الغرب وتدفع الأثمان العالية لحماية الحضارة الغربية، ضد البرابرة في منطقة الشرق الأوسط، وإن “لم نفعل ذلك فستجدون البرابرة يهاجمونكم وعلى أبوابكم” (اي الدول الغربية). وذكر ذلك في معركة الهجوم على غزة في اجتماع للسفراء الغربيين في “الكيان الصهيوني” ،وهذا ما نظّرله في كتابه “مكان تحت الشمس”.

فـ “إسرائيل” هي نموذج للتمدن والحضارة ،وهي الموقع المتقدم لمواجهة البربرية والتخلف والرجعية”، وهي المثل الذي يجب أن تقتدي به الدول العربية المطبعة مع “إسرائيل”. وكان بهذا يحاول القفز عن قضية الفلسطينيين (بحل الدولتين) بمحاولته التطبيع مع الدول العربية، وخاصة السعودية، وتوجيه بوصلة العداء العربي ضد إيران واعتبارها العدو المشترك “للإسرائيليين” والعرب ، وعلينا إعداد العدة لمواجهتها سوياً، وهو كان يحاول الإستفراد بالفلسطينيين، وقلب معادلة الدولتين وإلغائها بالكامل، من خلال ترويجه لنظرته هذه، أي من بعد الصلح والتطبيع مع العرب، لن يكون هناك من يعادي “إسرائيل القوية والحامي والصديق للعرب”، لأجل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية.

هذا ما كان يدور في عقل وفكر نتنياهو والإدارات المتعاقبة للكيان الصهيوني منذ تأسيسها، أي لا مكان للفلسطينيين داخل “الكيان الصهيوني”، واكثر ما يمكن القبول به وعلى مستوى مرحلي هو “قيام حكم ذاتي أو كانتونات” في بعض المناطق داخل الأراضي المحتلة تحت إشراف ورعاية الكيان الصهيوني، ومن ثم ترحيل الفسطينيين من الضفة الغربية باتجاه الأردن، والبعض الآخر باتجاه سيناء.

ولكن، جاءت عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول 2023 لتقلب المعادلات على مستوى الداخل الصهيوني وعلى مستوى العالم العربي والعالمي، وكشفت حقيقة الزيف الصهيوني وحجم الكذب الغربي الداعم لهذا “الكيان” وفضح الأنظمة العالمية الداعمة لها أمام شعوبها، وأمام الرأي العام العالمي الذي لم يكن على معرفة واطلاع على القضية الفلسطينية كما يجب، إذ كانت وسائل الإعلام الغربية الممولة من الصهاينة ومعظم الإعلام العربي الممول من جهات عربية وعالمية داعمة للصهيونية العالمية، تروج وتحاول إدخال مفاهيم وأساطير وسرديات “الصهاينة” وإقناع الجماهير بها، وكانت محاولات التطبيع الجارية مع الدول العربية على قدم وساق، وتوقفت في مرحلتها الـ ما قبل الأخيرة مع السعودية، حيث كانت تدور المفاوضات في الكواليس وعلى العلن، لإعلان التطبيع الكامل والشامل مع الكيان الصهيوني باستثناء بعض الدول الممانعة لهذا الخيار وللكيان الصهيوني في المنطقة.

التغوّل والتوحّش الذي مارسته حكومة وجيش العدو الصهيوني كشفت عن أي نوع من “الحضارة والتمدن والرقي”، الذي يقوم على جماجم الأطفال الخدّج والرضع وقتل النساء والأطفال والعجزة والمرضى في المستشفيات، حتى أن بعض الخطب والتحليلات والصور من إعلام الكيان العبري، كشفت عن حجم الحقد الذي تتمتع به نخب المجتمع الصهيوني بالممارسة الفعلية والتنظير لكتّابهم وسياسييّهم ونخبهم الثقافية وحاخاماتهم التلموديين، (أو ليس المذكور في سفر صموئيل 15/3: “فالآن اذهب واضرب عماليق، وحركوا كل ما له ولا تعف عنهم بل اقتل رجلاً وامرأة، طفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحمارا)، هذه عقيدتهم، وهذا ديدنهم على مر التاريخ، وهذا يقودنا مرة أخرة لما ذكرناه سالفاً في المقدمة عن رؤية غولدا مائير، عن قتل الاطفال وغيرهم من العرب والفلسطينيين تحديداً.

قال بنيامين نتنياهو عن قتل الأطفال والمدنيين إنهم “أضرار جانبية”، بل في الواقع إنهم أهداف لآلات السحق والقتل الصهيونية التي تمرست عن قصد في قتلهم من خلال أحدث الطائرات والدبابات، ومن خلال المساعدات التي تلقتها من حلفائها في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية والناتو بعد إعطائها الضوء الأخضر وعدم قبول وقف إطلاق النار على مدار عمليات القتل التي استمرت أكثر من 45 يوماً.

أمام آلات القتل هذه، لا تفريق بين عسكري ومدني، فبعقيدة الجيش الصهيوني والجيوش الغربية (وهذا ثبت على مدار التاريخ في الحرب العالمية الثانية، أو ما جرى من مجازر في أفغانستان، والعراق وغيرها من المناطق التي هاجمتها، أميركا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من دول الغرب وموثق في مراكز الأبحاث وفي وسائل الإعلام)، فالبلد المُهاجم يعتبر كل شيء يتحرك فيه هدفاً للعسكري المُهاجم، فلا فرق بين عسكري ومدني، فالمجتمع المدني هدف أساسي لأنه يشكل البيئة الحاضنة لحركات المقاومة ولجيوش المناطق المُهاجمة، ومن منا لا يتذكر ما قالته وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت عندما سألتها الصحافية ليزلي شتال هل تستحق هذه العملية قتل أكثر من نصف مليون طفل عراقي، فأجابت على سؤالها: نعم يستحق ذلك!

بانضمام شهداء فضائية الميادين فرح عمر وربيع معماري وحسين عقيل وقبلهم المصور عصام العبدالله وقبلهم اكثر من 62 صحافيا فلسطينيا، ناهز عدد شهداء الإعلام والصحافة قرابة السبعين شهيدا، فعن أي تمدن وحضارة وحرية يتحدثون؟

العالم يواصل مسيرات الاحتجاج على المذابح التي ترتكبها “إسرائيل” وحلفاؤها، والداعمة لفلسطين (100 مسيرة مؤيدة لغزة في بريطانيا و600 بأمريكا.. و3700 احتجاج بعواصم العالم خلال 20 يومًا) ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي. ونشر مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تقريرا “أظهر من خلاله ارتفاعا في عدد التظاهرات ضد إسرائيل، مقارنة بانخفاض عدد التظاهرات المؤيدة لها حول العالم”.

وأحصى المركز عدد التظاهرات التي اندلعت منذ السابع من تشرين الأول الماضي، “بما يزيد عن 3891 تظاهرة حول العالم، ما بين تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين وأخرى مؤيدة لإسرائيل في نحو 92 دولة حول العالم”. وأكد المركز في تقريره المطول أن “عدد التظاهرات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني تزيد عن 95 % بعدما كانت خلال الأسبوع الأول من الحرب على قطاع غزة بنحو 69 %”.

سقط بنيامين نتنياهو، وسقطت كل أمانيه التي كتبها ونظّر لها في كتابه “مكان تحت الشمس”، إذ لا مكان له تحت الشمس ولا لأمثاله من قتلة وذابحي الأطفال، وسقط الغرب وسقطت أميركا وسقط معها كل شعارات الديموقراطية المزيفة، وجمعيات حقوق الإنسان، والامم المتحدة وجمعيات حرية الصحافة والإعلام ووسائل التواصل التي صنعتها واحتكرتها وفرضت قوانينها التي تتناسب مع رؤيتها للتسلط على الكون بأسره، وسقطت القيم الأخلاقية التي يتغنون بها وفضحت عوراتهم، وأساطيرهم. فأميركا والدول الغربية ساهمت وبشكل فاضح في المذبحة التي ما زالت مفاعيلها على قطاع غزة والشعب الفلسطيني وكل ما يناصر هذا الشعب المظلوم. والنصر معقود لمن نصر الله ونصر المظلوم بإذن الله.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى