منوعات

علاج امراض القلب والشرايين في عام ٢٠١٩ : قراءة في المشهد العلمي لمؤتمر موسكو (الجزء الثاني)

 أهم الإبتكارات التي تمّ التدوال بها وعرضها في مؤتمر موسكو ، وإضافة الى المُداولات المُتخصصة جداً بعلاج امراض القلب والشراييين بالطرق التدخّلية والتي ناقشت مواضيع في غاية الاهمية  ، تمّ خلال هذا المؤتمر والذي امتد على مدى ثلاثة ايام متتالية دون توقف ، إستحضار كل ما هو جديد في علاج امراض القلب والشرايين بالطُرق التدخّلية.
ومن اهم الامور التي تمّ التطرّق اليها  :

أ- إستمرار تطوير انواع جديدة من الروسورات من الجيل الثالث بهدف الحُصول على انواع جديدة من الرُوسورات تسمح بفعالية كاملة بإيقاف مضادات التخثّر بشكلٍ سريع، اي بعد شهر او شهرين فقط من زرع الروسور، إضافة الى تخفيف سماكة المعدن الذي يتكّون منه الروسور . وقد وصلت عدة شركات فعلاً الى سماكة 60 ميكرو متر ،   وطوّرت أشكالا هندسية رائعة تسمح بتمرير هذه الروسورات إلى اكثر الأماكن تكلُّساً واعوجاجاً، وذلك باللعب على الشكل الهندسي للروسور وجعله يسير بشكل لولبي سريع داخل الشرايين . كذلك هناك نجاح وسعي مُستمر للحصول على روسورات من المُمكن توسيعها ببالونات قُطرها أوسع، وهي قد تكون  مُخصصة مثلاً لزرعها في النهر الكبير الأيسر Left main كما شرحنا في مقالات سابقة، لأن قُطر هذا الشريان كبير ولكنه يتفرَّع بسرعة الى شريانين او ثلاثة قُطرها اصغر.  ولذلك هناك حاجة لتوسيع فوّهة الشريان ببالون اكبر.
واللافت في هذا المجال ان معظم الشركات الكبرى اصبح لديها روسورات من الجيل الثالث ودخول تقنيّات النانو في هذا السباق. فقد طورّت شركة انيركية روسور اسمته Cobra ،وطورت شركة صينية روسور آخر  اسمته Nano+ TM ،والأكيد ان شركات كثيرة اخرى اخذت  هذا المسار الذي يسمح بواسطة تقنية النانو بتشكيل ثقوب صغيرة جداً في جدار المعدن الذين يُكوّن الروسور ، ومن ثم بوضع المادّة  الفعّالة التي تمنع تكاثر الخلايا وتمنع بذلك مُعاودة إنسداد الشريان دون إستعمال مواد صناعية مُختلفة لتغليف الروسور او طلائه بها وليتم بعد ذلك غرس الدواء في داخل هذا الطلاء . هذه المواد تُسمى ال Polymers وهي مواد يشك الأطباء بأنها تبقى في جدار الشريان لفترات طويلة وقد تُشكل بؤر للإلتهابات ولتجمُّع خلايا المناعة في هذا المكان وبالتالي قد تُعرّض  المريض لأن يُصاب بحوادث قلبية حادّة في حال تمّ إيقاف مُضادات التخثّر بشكل مُبكر. ولذلك فإن الشركات اتجهت لإستعمال تقنيّات  تُخفف قدر الإمكان من إستعمال هذا الطلاء او ال Polymer او إستعماله بأقل كمّيات مُمكنة او وضعه فقط على الروسور من الناحية التي تكون على تماس مع جدار الشريان . او عمدت إلى إستعمال انواع من هذه المواد تذوب تدريجياً في الجسم Biodegradable polymers او لجئت وهذا ما هو الإتجاه السائد حالياً إلى إبتداع طُرق لا تستعمل ابداً هكذا مواد Polymer free stents . والهدف من كل ذلك هو  تقصير فترة العلاج بواسطة مُضادات التخثّر الى اقل فترة مُمكنة والتخفيف قدر الإمكان من حالات النزيف التي قد تنتج عن تناول هكذا ادوية خاصة عند المرضى المتقدمين بالسنّ او الذين يعانون من مشاكل تزيد من مخاطر النزيف عندهم: المرضى المتقدمين بالسن، مرضى القصور الكبدي، القصور الكلوي, او الذين يعانون من مشاكل في الدم او من قرحة المعدة اوغيرها او المرضى الذين يتناولون ادوية أخرى مضادة للتجلط. وتسمح تقنيات النانو في هذا المجال من ان يكون سطح الروسور نقي جداً وعازل عن ترسّب او هجوم او إلتصاق خلايا الدم وبالتالي يمنع حدوث الإلتهابات التي كانت تحدث مع الروسورات العادية.  لأن كل ذلك له دور في مكافحة تكّون إلتهابات على جدار هذا الجيل من الروسورات الجديدة ويسمح بالتالي من إيقاف مضادات التخثًر في فترة وجيزة لا تتجاوز الشهرين.  وهذا من سيشكل ثورة كبيرة في هذا المجال.

ب-إستمرار تطوير جيل رابع من الروسورات "المتآكلة" أو "البيولوجية "من قبل شركة هندية تدعى Meril وشركات آخرى اميركية وألمانية وغيرها . وهذا ما يشكل تحّدي كبير أمام هذه الشركات  لأن الشركة الأميركية المنافسة Abott التي كانت قد سوقت لهكذا نوع من الروسورات كما ذكرنا في مقالات سابقة سنة ٢٠١٠، إضطرت إلى سحب هذه الدعامات البيولوجية بعد مرور ٥ سنوات على تسويقها نتييجة حصول حالات إنسداد مفاجئ في داخل الشرايين التي زرعت فيها هذه الدعامات مما كان يؤدي إلى حالات ذبحات قلبية مفاجئة ولحالات موت مفاجئ عند بعض المرضى بعد مرور سنة أو سنتين أو  حتّى ثلاث أو  أربع سنوات على زرع هكذا نوع من الدعامات. وقد كانت المشكلة الأساسية مع الدعامة البيولوجية التي سوقتها شركة Abott  في الماضي هي سماكة الخيط Strut thikness أو المُكّون البيولوجي الذي صُنعت منه هذه الدعامة والتي كان يساوي ١٥٠ ميكرو متر. لكن الشركة الهندية إستطاعت تخفيف هذه السماكة الى ١٠٠ ميكرو متر . وهذا ما يسمح بأن يذوب هذا المُكّون البيولوجي الذي صُنعت منه هذه الدعامة بشكل أسرع. ويسمح ايضاً بعلاج أنواع أصعب وأكثر تعقيداً وتكلّساً من الإنسدادات وبإيصال هذه الدعامة إلى أماكن أكثر تعقيداً بسبب قلّة سماكتها لأن  تمريرها يصبح أسهل في الاماكن التي توجد فيها إعوجاجات أو تكلّس و هذا ما سيفتح لها آفاق جديدة لم تكون موجودة مع الجيل الأول من هذه الدعامات التي سوّقته شركة Abott الأميركية. وعلينا أن ننتظر قليلاً لنرى مستقبل هذه الدعامات والنتائج السريرية بعد إستعمالها. وهناك شركة اميركية تدعى Elixir تُسوّق حالياً دعامة من هذا النوع بإسم DeSolve وشركة المانية تدعى  Biotronik  تُسوّق روسور آخر  تحت إسم Magmaris في معظم دول العالم,    لكنّ نتائج هذه الدعّامات لا تزال قيد التقييم . وقد تراجعت كثيراً همة وحماسة الأطباء في إستعمال هذه الدعامات بعد النتائج المُخيّبة للآمال التي حصلوا عليها مع الجيل الأول من هذه الدعامات.

ج- تطوير تقنيات جديدة للمساعدة في علاج مرض قصور عضلة القلب. وقد كان لافتاً خلال هذا المؤتمر طرح طبيب إسرائيلي لعدّة أساليب إبتكرها الأطباء الإسرائيليون  للمساعدة في معالجة الأعراض الناتجة عن  قصور عضلة القلب كمثل زرع حسّاسا ت في داخل الأوردة الرئوية مهمّتها قياس الضغط داخل غرف القلب  وخاصة داخل الأوردة الرئوية وتحسس إرتفا ع الضغط ونقل هذه المعلومات إلى الطبيب الذي يسعى من خلال مراقبته لهذا الضغط في الأوردة الرئوية لتعديل أو زيادة أو تخفيف الأدوية الموصوفة للمريض من أجل علاج علامات قصور عضلة القلب. وهناك تقنيات أخرى تمّ عرضها للمساعدة في علاج قصور عضلة القلب مثل  محفّزات لزيادة إفرازات الكلى أو مثل غسيل الدم داخل البطن عن طريق سحب المياه والأملاح في البطن ورميها في الجهاز البولي لإستخراجها و تخفيف الأورام من البطن والجسم بشكل عام عن المريض. أخيراً في هذا المجال أيضا، هناك طريقة جديدة تقوم على إيجاد ثقب بين الأُذين الأيمن والأيسر لتخفيف الضغط داخل القلب وسوف نتكلم تفصيلياً عن هذه الأمور لاحقاً.

د- إعادة الإعتبار للطرق التدخلية لعلاج مرض إرتفاع الضغط الشرياني: بعد أن إستبشر الأطباء منذ حوالي عشر سنوات بأن إستأصال أو كيْ الشعيرات العصبية التي تغلف شرايين الكِلى سقطت تلك التقنيات بالضربة القاضية منذ حوالي خمس سنوات بعد أن أثبتت دراسة واسعة جداً فشل هذه التقنية في تخفيض الضغط الشرياني على البعيد. لكن الدراسات الحالية وبأساليب جديدة و بتقنيات متقنة تظهر أن هذه التقنية سوف تحيا من جديد و سوف يكون لها مستقبل كبير في علاج المرضى الذين يعانون من إرتفاع الضغط الشرياني و سوف نتكلم لاحقاً تفصيلياً عن هذا الموضوع.

و- تطور هائل في عمليات تغيير الصمّامات أو ترميمها بالطرق التدخلية، فقد شهد هذا المجال تطوراً هائلاً بداية مع إكتشاف عمليات زرع الصمّام الأبهر للقلب عبر عمليات القسطرة والتي تنافست عدّة شركات "عشرة شركات أو أكثر على تطويره" بحيث أنّها أصبحت الطريقة المُثلى لعلاج المرضى الذين يعانون من إنسداد خطير ومتقدم في الشريان الأبهر والغير متقبلين لإجراء جراحة "هناك موانع كبيرة تمنعهم من إجراء الجراحة مثل التقدم في السن أو وجود قصور كَلوي أو إنسداد رئوي مزمن أو مشاكل عصبية وجلطات دماغية وغيرها تمنعهم من الخضوع لعمليات جراحية كلاسيكية". والجديد في هذا المجال أن هذه العلاجات التي كانت تقتصر حتّى الآن على هكذا نوع من المرضى الذين يعانون من إنسداد في الشريان الأبهر دون الإمكانية لأن يخضعوا لعميات جراحية كلاسيكية أصبحت ممكنة في حالات تهريب أو تنفيس الشريان الأبهر وفي علاج مشاكل الصمام الأبهر وفي علاج مشاكل وترميم الصمام التاجي وعلاج صمامات القلب الأيمن "الصمّام الثلاثي الشرفات  والصمامات الرئوية " وسوف نخصص لاحقاً مقالة كاملة حول هذا الموضوع.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى