رأي

لبنان و ثلاثيته البطريركية : الطائف والحياد والهوية

د.جواد الهنداوي *            

العنوان يُلخّصُ دعوات وخطاب البطريرك الراعي في بيروت بتاريخ ٢٠٢١/٢/٢٧. والثلاثية المذكورة هي عنوان جهودهِ ومسعاه، ولكن الهدف المقصود، ليس فقط سلاح حزب الله ، وانمّا بيئة وفكر وثقافة المقاومة.

ليس فقط الراعي مَنْ يريد احلال هذه الثلاثية محل الاخرى  “الشعب والجيش و المقاومة”، امريكا و اسرائيل والرجعية سبقت الراعي في الزمن والخطاب و الجهود. و لا أحدْ يستطيع نكران استهداف امريكا و اسرائيل والرجعية معادلة  “الشعب والجيش والمقاومة ” ،  وسعيهم ، و منذ عقود ، الى تفكيك المعادلة وزرع الفتنة بين ركائزها ، و إنهاك الشعب بالحصار والعقوبات و التجويع ، واضعاف الجيش بحرمانه من التسليح المتطور والمطلوب ، و محاربة المقاومة .

     الجديد في طرح البطريرك الراعي هو الاستعانة بعنوان لتغليف فكرة وهدف محاربة المقاومة و تجريد لبنان من عناصر قوتّه و ردعه ، ووسائل الحفاظ على سيادته و كرامته .

     لا هويّة للبنان دون الوطن و الكرامة و السيادة ، ولم يعشْ لبنان وطناً و كرامة وسيادة الاّ بفضل معادلة ” الشعب و الجيش و المقاومة ” . هذه المعادلة ، والتي يتكفل اليوم غبطة البطريرك الراعي بتغييرها ،لم تكْ هّماً وعبئاً على الوطن ، وانماّ كانت همّاً وعبئاً على اسرائيل وعلى الارهابيين وعلى الرجعية .هذه المعادلة هي التي حفظت ” الهوية ” ، والتي ينشدها الراعي في ثلاثيته الجديدة .

      يقول البطريرك في خطابه ” عندما كنا نعيش زمن الحياد كان لبنان يعيش الازدهار والتقدم …”

متى عاشَ لبنان زمن الحياد ؟

عاش لبنان ومنذ سبعينيات القرن الماضي زمن التوغل و الاحتلال والعربدة الاسرائيلية ، وتحّررَ لبنان و تزوّدَ بقوة الردع ضّدَ اسرائيل بفضل سلاح المقاومة وتضامن الشعب والجيش والمقاومة .

     اسرائيل وعملاء اسرائيل والفاسدون والرجعية  التي تعارض الانظمة الديمقراطية وتحاربها ، هم الذين حرموا لبنان من الازدهار وأضعفوا الدولة .

     و يضيف الراعي ” كل مايجري الخلاف عليه هو بسبب التدخلات الخارجية … ” .

لا أحدْ يعارض غبطته في حقيقة واثار التدخلات الخارجية في الشأن اللبناني ،ولكن الدعوة الى مؤتمر دولي هي ،في الحقيقة ،دعوة  ، وبصدرٍ رحبْ ،الى التدخلات الخارجية !

وهل انعقاد مؤتمر دولي سيُنهي التدخلات الخارجية ام سيفاقمها ؟ وهل لدى الراعي ضمانات بمآلات و بمخرجات المؤتمر الدولي ؟ ألمْ يؤدي تدويل التظاهرات في سوريا عام ٢٠١١ الى  انتهاك السيادة والى الاحتلال وسرق ثروات سوريا و تدمير مدنها ؟ وهل أنهى تدويل قضية اليمن الحرب والدمار الذي حّلَ بها ؟ وهل تحرَّر العراق من تداعيات الفصل السابع ومن الاحتلال ومن سطوة التدويل بعد تحرير الكويت ؟ وهل سيمنع المؤتمر الدولي ارتباطات وأجندات بعض الشخصيات و الأحزاب السياسية اللبنانية  بالجهات الخارجية ؟

     يريد غبطة الراعي أنْ ” يداوي لبنان بالتي كانت هي الداء ” .

      قالَ غبطة الراعي في خطابه ” انّ عظمة المقاومة ان تعمل في كنف الدولة .. فأين نحنُ من هذا ؟

    و انا أقول و تجارب لحركات المقاومة عبر التاريخ  تشهد بأنَّ عظمة المقاومة ان تعمل من اجل تحرير الدولة ومن اجل سيادة الدولة وكرامة الشعب .

    مَنْ ينكر فضل الشعب والجيش والمقاومة في تحرير جنوب لبنان وفي محاربة الارهاب الامريكي الاسرائيلي الرجعي ؟

      يدعو علناً غبطة الراعي اللبنانيين الى عدم السكوت على السلاح غير الشرعي ، وبالتأكيد يقصد الراعي في قوله هذا سلاح المقاومة ! وهل حياديّة الراعي هي في الاصطفاف مع إرادة امريكا واسرائيل و العملاء والرجعيين في مطالبتهم وفي سعيهم لتجريد لبنان من المقاومة ؟ وهل اصبح سلاح المقاومة غير شرعي لانه حرّرَ لبنان وعزّز سيادة و مكانة الدولة ؟

   ننتظر من غبطة الراعي قولاً و خطاباً مُنصفاً و عادلاً ،يرضي الله ويوّحد الشعب ويواسيه ويصطف معه ضّدَ من سرقه و هدر ثروته و أمواله ،ضّدَ من فرض عليه حصار وعقوبات جائرة وغير إنسانية ،ضّدَ من ينتهك سيادته ويعتدي عليه.

ننتظر من غبطته موقف جامع و معنوي وديني مطمئن، يتناسب مع قامته و مقامه و مكانته، لا موقفا سياسيا فئويا يعكس ما يترّددُ على افواه بعض السياسيين ، الذين توارثوا الفساد وسرقة المليارات، خلال عقود من فترة حكمهم، ويتحججون الآن بذرائع خرق الدستور.

*عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى