سياسةمحليات لبنانية

صراع الهويات والموت القادم

أن تبقى الجماعة هي عينها، مراوحة مكانها، أو تنحدر سقوطًا نحو قاع ماضيها، كما السقوط الحرّ في الفيزياء، تضيّق أفق أفرادها، وتنشر حولهم طوقا، لا انفكاك منه، في جهد منها، لتأبيد هويتها، مقابل هويات ثانية، ساعية لزيادة فجوة الابتعاد بين الأنا والنحن، لهو سعي نحو موت واندثار قادمين لا محالة، او هو في حسنى الحالات، سعي لحفلة تأبين جماعية، تقيمه الجماعة لراحة نفسها.
إنّ انساق العنف المتأتي من صراع الهويّات، وإخراج أسوأ ما بداخل الذوات البشريّة، او إخراجها من عقالها، ودعم الانزواء والاكتئاب هروبا، باتت اليوم تعبيرات إشكالية لصراع الهويات وجنونه، ولسوء استعمال الذاكرة الجمعيّة، للجماعة، التي تستحيل تمجيدا وإعلاء شأن، ولكنّها في الوقت عينه، تعني المذلّة القادمة، قد تكون للجماعة المنتشية بذاكرتها، أو لجماعة أخرى، تقاربها عيشا، وحياة، بعدت منها او قَرُبَت، تاركة جروحا، تحتاج زمنا طويلا للاندمال والتعافي.
لماذا تسعى الجماعة إلى إشعار الغير بتهديده لها، وبخطورته عليها، ووصمه بالقاتل أو الخانق لهويتها، أوليست هي، السبب في نكباتها، المتأتية من ذاكرتها النّاكرة للهويّات الأخرى، وهي تمحي من ذاكرتها أنها كانت سببا، لتوليد الكره، والخنق، والخطر لدى جماعات وهويّات ثانية.
ما الداعي لتكون الهويات متشاوفة على بعضها البعض، هشّة، مختلفة في طرق عيشها، تسعى لاستحالة التعايش مع بعضها، إحداها أصل، أيقونة، مقدّسة، والباقي مزيّف، مشكوك بها، مدنّسة؛ لكن هل يعني هذا، تطابقها، نسخا عن بعضها البعض، بالطبع لا، إنّما السعي للسلطة يتطلب التشابه، ولإلغاء، ولأحاديّة، وتكريس الاستبداد، والانغلاق، وتحويل الأفراد والجماعات إلى أرقام، وتعداد، ووظائف، كل هذا، لخدمة الجماعة المسيطِرة، وهشاشة الأفراد، وتوجيههم نحو الكيانات الأولى، وتغييب العقل، ونبش الخرافات وإعلاء قتاطرها.
إنّ حوارا بين النحن – الجماعة، والهمّ – الجماعات، مطلب أساسيّ، تشارك فيه كل الذوات المندرجة بين النحن والهمّ، يفضي إلى قواسم مشتركة، يعلي روح الحُكم، المعبّر عن وحدة الجماعات، لكنّه في الوقت عينه متنوّع، هذا ما بات مطلوبا اليوم، فهل من مبادر؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى