سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف:التشاؤم غالب والآفاق مسدودة والأزمات الى تفاقم

الحوار نيوز – خاص

  غلب التشاؤم على افتتاحيات الصحف الصادرة اليوم في ظل انسداد الأفق أمام الحلول وتفاقم الأزمات على المستويات السياسية والاقتصادية والمعيشية ما يرفع معاناة الناس الى أقصى المستويات.

  • كتبت “النهار” تقول: في مواجهة دولار تخطى سعره في السوق السوداء امس 26 الف ليرة والحبل على الجرار، وفي مواجهة إنسداد سياسي عجز رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عن اقناع الفريق المعطّل لجلسات مجلس الوزراء بالخطورة المتدحرجة لاستمرار هذا التعطيل، ومع الإقتراب من مستويات بالغة الخطورة مجدداً لتفشي وباء كورونا بمتحوراته القديمة والجديدة، وفي ظل التداعيات المتفجرة للصراع السياسي القضائي من خلال ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، في ظل كل هذه الأزمات بدا الاجتماع السريع للرئيسين ميشال عون و#نجيب ميقاتي في قصر بعبدا أشبه بإعلان إفلاس مأسوي للدولة المتخبطة بعجزها.

لم يكن إجتماع بعبدا عصر أمس سوى لقاء تشكي من رئيسي الجمهورية والحكومة، فيما تبدو آفاق أي حل مقفلة تماماً الى ما بعد مطلع السنة الجديدة. ولعلّ هذا الاجتماع الذي أشاع إنطباعات فور وصول ميقاتي الى بعبدا بإمكان حصول تطور إيجابي، كان يفضّل عدم انعقاده ما دام إنكشف عن مجرد عرض سريع للتشكي من أعلى الهرم السلطوي!

أفاد الخبر الرسمي من بعبدا أولاً بأن “رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عرض مع رئيس مجلس الوزراء الرئيس نجيب ميقاتي الأوضاع العامة في البلاد ونتائج المحادثات التي اجراها الرئيس ميقاتي خلال زيارته الى جمهورية مصر العربية.

وتطرق البحث الى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، خصوصا بعد التعميم الذي صدر عن حاكم مصرف لبنان وانعكاساته السلبية، لا سيما وأن لبنان دخل مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي. كما تناول البحث عدم انعقاد مجلس الوزراء ما يؤثر سلباً على العمل الحكومي وأداء الوزارات والإدارات العامة ومصالح المواطنين، خصوصاً أوضاع موظفي القطاع العام ومسألتي زيادة بدل النقل اليومي والمساعدة الشهرية المقررة للموظفين لمواجهة الظروف المعيشية الراهنة.

ولم يُدلِ الرئيس ميقاتي لدى مغادرته قصر بعبدا بأي تصريح”.

اما في المعلومات التي توافرت لاحقاً عن الاجتماع فبدا ثابتاً ان لا موعد ولا امكان بعد لانعقاد مجلس الوزراء. وقد تداول رئيسا الجمهورية والحكومة كل الملفات الملحّة التي تستوجب عقد جلسة لمجلس الوزراء دون ان يتوصلا الى اتفاق يترجم ارادتهما المشتركة بالدعوة الى جلسة حكومية.

وافادت أوساط المجتمعين “النهار” ان الوقت لم يعد يحتمل عدم عقد جلسة للحكومة واضافت ان “المقايضة ليست مقبولة ليس فقط من بعض الاطراف وانما من الشعب اللبناني”واوضحت انه” آن الاوان لوقف الدلع السياسي”.

كما عرض عون وميقاتي النتائج السلبية لعدم انعقاد مجلس الوزراء على عمل الحكومة كما على عمل الادارات والمؤسسات العامة والتراجع في حضور الموظفين الى وظائفهم مما يترك تداعيات سلبية. وتطرقا الى تعويض النقل الشهري الذي تقرر رفعه من 24 ألف الى 64 ألف والمساعدة الاجتماعية المقررة للموظفين لمساعدتهم على مواجهة الاعباء المعيشية الراهنة وهي الى قضايا اخرى كثيرة تحتاج الى عقد جلسة لمجلس الوزراء.

ورغم كل هذه التداعيات السلبية لغياب مجلس الوزراء، فلا إتفاق على موعد لانعقاده ولا نيّة لدى أحدهما بالإقدام على هذه الخطوة دون اتفاق مسبق، حماية للحكومة من دعسة ناقصة قد تطيّرها باعتكاف او مقاطعة او حتى باستقالة من الوزراء الشيعة.

ووفق المصادر المعنية، فإن رئيس الجمهورية تداول وميقاتي في النتائج السلبية التي رتّبها تعميم حاكم مصرف لبنان في ظل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها اللبنانيون، فضلاً عن تزامنها مع مرحلة تفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وجاء الاجتماع متزامناً مع تسجيل سقف قياسي غير مسبوق في سعر #الدولار تجاوز معه الـ 26 ألف ليرة وذلك غداة صدور التعميم الحديد لمصرف لبنان في شأن السحوبات النقدية من المصارف، القاضي برفع سعر صرف الدولار الاميركي من 3900ليرة الى 8000 ليرة، لمن يرغب من الاستفادة من التعميم رقم 151.

البيانات الخليجية

وفي غضون ذلك بقي الملف اللبناني –الخليجي في الواجهة لأسبوع تماماً منذ زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جدة، اذ اعلن أولا امس من البحرين تأكيد المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين في بيان مشترك في ختام زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز البحرين “حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، وعلى أهمية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقا لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الارهابية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله “الارهابي”، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات”. ومساء أعلن بيان سعودي كويتي مشترك أيضا عقب زيارة بن سلمان للكويت، شدد في جانبه اللبناني على “ضرورة اجراء إصلاحات في لبنان وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وألا يكون مصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المنطقة والعالم”. وترددت معلومات أمس ان ولي العهد السعودي وجه خلال زيارة ماكرون لجدة دعوة الى الرئيس ميقاتي لزيارة المملكة السعودية وان هذه الزيارة ستسبقها إجراءات ممهدة لحصولها.

الملفات الاجتماعية

وأفادت معلومات ان السفير الفرنسي المكلف بتنسيق المساعدات الدولية في لبنان بيار دوكان سيزور بيروت الاثنين المقبل، ويعقد لقاءات مع كبار المسؤولين وعدد من الوزراء المعنيين، للاطلاع على مصير خطة التعافي ومسار الاصلاحات.

ولوحظ ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ركز معظم نشاطه أمس لملاحقة المواضيعَ التي تهمّ العمال والموظفين في القطاع العام ومنها “مرسوم النقل”، والتقى لهذه الغاية رئيس الإتحاد العمالي العام بشارة الأسمر على رأس وفد. وأوعز ميقاتي الى الامين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية بمتابعة الموضوع مع وزير المال والاتحاد العمالي العام من اجل إعادة صياغة هذا المرسوم كما تناول اللقاء تسريع مرسوم النقل للقطاع العام، وايضاً مرسوم النقل للقطاع الخاص، وان تدفع المبالغ المقطوعة للقطاع الخاص بسرعة، وبأن يصرَّح عنها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وفهم ان اللقاء تناول أيضا موضوع التفلت المخيف في سعر الدولار وتداعيات هذا الارتفاع بما يهدد الاستقرار الاجتماعي.

وليس بعيداً من هذه المناخات وقع قائد الجيش العماد جوزف عون أمس مع قائد قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان الجنرال ستيفانو دل كول الاتفاق التنفيذي للقرار2591 الذي ينص على تقديم المساعدات من قبل الأمم المتحدة للوحدات العسكرية في الجيش التي تقوم بمهمّات مشتركة مع اليونيفيل في قطاع جنوب الليطاني.

كما طرح الملف الدوائي وازماته في لقاء رئيس الجمهورية مع نقيب الصيادلة جو سلوم، على رأس وفد من أعضاء المجلس الجديد للنقابة، أتوا لعرض خطّة عملهم بعد انتخابهم.

البيطار

وعلى صعيد تحقيقات المرفأ، أحالت النيابة العامة التمييزية رأي المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان بمذكرة توقيف الوزير السابق علي حسن خليل الى المحقق العدلي #طارق البيطار الذي أصرّ عليها وطلب تنفيذها فوراً وعاجلاً. في المقابل، تقدم والد أحد ضحايا انفجار مرفأ بيروت يوسف المولى، بواسطة وكيله المحامي سلمان بركات، بدعوى طلب رد المحقق العدلي، أمام محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية رندة كفوري، وذلك على خلفية “التسبب بتأخير التحقيق للإستنسابية التي يتبعها القاضي البيطار من خلال استدعاء البعض، وغض النظر عن البعض الاخر مما يعوق التحقيق العدلي”.

يشار في هذا السياق الى ان سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف غرد عبر حسابه على “تويتر” قائلا “في يوم حقوق الانسان، نجدد تأكيد اهمية استقلالية القضاء كشرط مسبق لضمان التمتع بالحقوق والحريات الأساسية بدون تمييز وفقا للاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.

  • وكتبت “الاخبار” تقول:السلطة السياسية ــــ التشريعية والتنفيذية ــــ لم تتخلّ فقط عن صلاحياتها لحاكم البنك المركزي رياض سلامة في السنتين الماضيتين، بل اختارت دعم إجراءاته، وتوفير الغطاء السياسي لها. التواطؤ بين السلطتين السياسية والنقدية ظهر حين قرّر سلامة التوقّف عن توفير الدولارات لاستيراد المواد الأساسية، قبل توزيع البطاقة التمويلية. لجأ التجّار إلى السوق لتأمين الدولارات، ووجدوا في الأمر مُبرّراً لرفع الأسعار إلى مستوى لا يقدر أغلبية السكان على دفعه. يومها، كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «عرّاب» سلامة في هذا القرار. ضغطٌ إضافي على سعر الصرف تسبّب به سلامة الخميس الماضي، بعدما قرّر رفع سعر صرف الدولار للحسابات بالعملات الأجنبية من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة، كـ«هدّية» قدّمها لرئيس مجلس النواب نبيه برّي. هو النهج المُستمر منذ التسعينيات، بتكليف سلامة صنع سياسات المنظومة الحاكمة، حتى وصل به الأمر مع حكومة ميقاتي، إلى تعيين وزيرٍ للمال موظف في مصرف لبنان، ووضع اقتراح قانون القيود على السحوبات والتحويلات المصرفية (الكابيتال كونترول)، واحتكار التفاوض مع صندوق النقد الدولي في محاولةٍ لتمرير أرقامه للخسائر ورؤيته للحل. دفع ذلك رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تسجيل شكوى خطّية لدى رئاسة الحكومة من تغييبه عن المفاوضات وإجرائها من دون علمه!

مصرف الدولة اللبنانية يتّخذ إجراءات تُحمّل الناس كلفة رفع الدعم، كما يفعل في ما خصّ المحروقات. ويُحمّل كلّ المجتمع المزيد من الانهيار بالعملة المحلية والقدرة الشرائية. أما آخر ارتكابات سلامة، فإعلانه تمردّه على الدولة من خلال عدم القيام بواجبه تأمين الدولارات لوزاراتها وبعثاتها الدبلوماسية.

المفاوضات مع الصندوق من وراء الرئيس!

الأربعاء الماضي، أرسل الرئيس ميشال عون كتاباً إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء يتمنّى فيه تزويده «بمحاضر الاجتماعات مع وفد صندوق النقد الدولي، منذ تاريخ بدء المفاوضات وحتى الآن، الخطط أو الدراسات التي تُعرض، وتقرير حول مسار المفاوضات». كتاب عون استند إلى المادة 52 من الدستور، وتنصّ على أنّه: «يتولّى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تُصبح مُبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتُطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تُمكّنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلّق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يُمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب». بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أُحيل كتاب عون إلى نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس الوفد الحكومي المفاوض، سعادة الشامي، مُرفقاً بطلب تسليم رئيس الجمهورية المستندات التي يطلبها.

هذه الخطوة «التصعيدية» من عون أتت بعد محاولة الفريق الوزاري المفاوض عزله عن المفاوضات، ومنعه من الاطلاع على أرقام خسائر مصرف لبنان والمصارف التي ستُعتمد، وآلية معالجتها. بالإضافة إلى خرق الاتفاق ــــ غير الموقّع ــــ بين عون وميقاتي في أن يُشارك في اجتماعات الفريق اللبناني المفاوض مع صندوق النقد مستشارا الرئيس، شربل قرداحي ورفيق حدّاد. ولكن من أصل 17 اجتماعاً عُقدت مع «الصندوق»، لم يُدعَ حدّاد إلا مرة واحدة، في حين غُيّب قرداحي عن كلّ اللقاءات بحجّة عدم الرغبة في تسريب معلومات والإبقاء على الطابع السرّي للمداولات. كما أنّ الفريق المفاوض يعتبر أنّه غير مُلزم سوى بالقرار الوزاري الصادر بأن يتشكّل وفد التفاوض من الشامي ووزيرَي الاقتصاد أمين سلام والمالية يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، مع دعوة الخبراء حين يكون هناك داعٍ لذلك. تحت هذا الستار، يتم التعاطي مع رئيس الجمهورية كما لو أنّه لا يحقّ له التدخّل في ما يجري. علماً بأنّها من الصلاحيات القليلة التي حفظها له اتفاق الطائف، في أن يتولّى هو المفاوضة، «بالاتفاق» مع رئيس الحكومة. توقيت خطوة الرئيس مرتبط أيضاً بالترويج لأخبار عن قرب الانتهاء من تعديل الأرقام وكتابة مسودة خطة التعافي الجديدة، كما لامتلاكه معطيات عن تواصل شبه يومي بين المصرف المركزي وصندوق النقد، في مسعى من سلامة ليُقدّم سرديته للأزمة ويُبعد عبء الخسائر عن القطاع المصرفي عبر تحميلها للدولة.
مصادر رئاسة الحكومة، من جهتها، قالت لـ«الأخبار» إنّ المادة 52 «لا تُلزم بإطلاع الرئيس يومياً على المشاورات، فحالياً لا يزال الحديث مع صندوق النقد في إطار تبادل الأوراق والمسودات، ولم ترتقِ الأمور إلى مستوى المفاوضات الجدّية. حين يتمّ التوصّل إلى اتفاق، يطّلع عليه رئيسا الجمهورية والحكومة». وتُضيف مصادر رئاسة الحكومة بأنّه «سَبق لسعادة الشامي أنّ زار قصر بعبدا وأطلع الرئيس عون على المعطيات، إضافة إلى أن حداد يشارك دائماً في اجتماعات السرايا، ما يعني عدم إخفاء أي شيء عن رئيس الجمهورية». كما يؤكّد ميقاتي لسائليه بأنّ علاقته بعون «ممتازة ويسودها الودّ، وحين تتقدّم المباحثات مع الصندوق سيتم إطلاع الرئيسين ومجلس الوزراء عليها».
ولكن بالنسبة إلى مصادر رئاسة الجمهورية، الرئيس هو «رأس الدولة، فهل يتم إبلاغه بالنتيجة بعد الانتهاء من كتابة المسودة وحصول الاتفاق، أم يجب أن يوضع في صورة ما يجري ليُقدّم ملاحظاته وتوجيهاته؟». لا تملك بعبدا أي معطيات حول «حجم الخسائر وكيفية معالجتها. الاتفاقية مع صندوق النقد تخصّ الشعب، ولها انعكاس على مستقبله، ومن حقّه الشفافية ومعرفة ما الذي يُخطّط له». وتُقارن مصادر بعبدا بين المفاوضات مع وفد صندوق النقد ومفاوضات ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، «لماذا الوفد المفاوض في الحالة الثانية كان يزور الرئيس قبل انعقاد الجلسة وبعدها، في حين لا يتم ذلك حالياً؟».

  • وكتبت “الجمهورية” تقول: العبث سيّد المشهد الداخلي، والعابثون بالمصير لا يجدون غضاضة في استمرار سلوك المنحى الذي يضحّي بوطن وشعب على مذبح الطموحات العقيمة، والاجندات المتصادمة، والسياسات الفاشلة لا بل المراهقة المحكومة بهوس الانتقام والالغاء.

في هذا المشهد الذي يختزل الإفلاس الكامل على كلّ المستويات، تتسارع عقارب الأزمة بشكل مخيف نحو اللحظة المشؤومة التي يُدفع اليها هذا البلد، ومَن ابتلي بهم البلد كأولياء عليه، أدخلوه في لعبة أنفاق مقفلة لا مخارج لها.

فرز وانقسام

اولاً، النفق السياسي مقفل، حيث باتت صورة المشهد الداخلي مفروزة بين مكونات سياسية تعادي بعضها البعض، وانعدمت امكانية بلورة قواسم مشتركة فيما بينها حول اي من التفاصيل الداخلية، وهو ما يتبدى في مقارباتها المتصادمة سياسيا ورئاسيا وحكوميا ونيابيا وانتخابيا وقضائيا واقتصاديا وسياديا، وكذلك على مستوى علاقات لبنان الخارجية.

تبعاً لذلك، ما يفاقم هذه الصورة ويعمّق الانقسام الرهيب، هو انعدام الارادة المشتركة لسد الفجوة التي تتوسع على مدار الساعة. وقد سألت «الجمهورية» مرجعا مسؤولا عما اذا كانت اعادة الوصل الداخلي ما زالت ممكنة؟ فقال: الوضع الداخلي يحتاج الى امرين، الأول، معجزة، وهي مستحيلة، مع انني اخشى ان هذه المعجزة قد تتمكن من أن تقرّب اللبنانيين من بعضهم البعض، وان تعيد لمّ هذا الافتراق القائم بينهم سياسيا وطائفيا وحول كل شيء. اما الامر الثاني فهو اعادة ترتيب البلد، وهو امر مستحيل ايضا في هذه المرحلة، حيث اننا يجب ان نعترف ان الوضع السياسي بلغ من التفسّخ مستوى لا يمكن لحمه الا بعقد اجتماعي جديد، وهذا امر، مع انه يختمر في اذهان القوى السياسية، الا ان احدا لا يجرؤ ان يصرّح بذلك. الا ان الامور إن بقيت على ما هي عليه، فأنا أراها ذاهبة إن عاجلا او آجلا في هذا الاتجاه الذي سيؤدي الى عقد جديد او الى نوع شبيه به يؤدي الى ترسيخ معادلة جديدة تعيد توزيع السلطة والصلاحيات وتسد ما هو قائم من ثغرات، ولكن يجب ان نعلم ان لهذا ثمنه الذي لا يستطيع احد ان يدفعه.

كل الاحتمالات واردة

وفي ظل هذا الانقسام، فإنّ كلّ محاولات إحياء جلسات مجلس الوزراء قد سقطت ومنيت بالفشل، وعلى ما تقول مصادر حكومية لـ«الجمهورية»: الانسداد كامل، والحديث عن انفراجات بات معدوما، امام قرار لدى بعض الاطراف في ابقاء الحكومة معطّلة ومشلولة بشكل دائم.

وبحسب المصادر فإن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي محرج، فهو من جهة متحمس لانعقاد مجلس الوزراء على اعتبار ان ثمة متطلبات كبرى من الحكومة سواء على مستوى مواكبة تطورات الازمة الداخلية، او على مستوى الاستجابة للمطالبات المتجددة من المجتمع الدولي للشروع في اجراء الاصلاحات، الا انه من جهة ثانية يصطدم بتعقيدات الداخل وحساسية الوضع السياسي، ومن هنا قد حسم امره لناحية عدم توجيه دعوة لانعقاد مجلس الوزراء حرصا منه على عدم استفزاز ايّ طرف، وتحديدا ثنائي حركة «امل» و»حزب الله»، وخشية منه بأن تتدحرج الامور الى تعقيدات أسوأ».

على ان الجديد في ما تقوله المصادر الحكومية هو انّ الرئيس ميقاتي لم يقطع الامل في امكان ان تؤدي جهود يبذلها في الاتجاه الذي يؤدي الى اعادة انعاش حكومته، مراهنا على حكمة الاطراف، وادراكهم لخطورة المنزلق الذي يهوي اليه البلد، إلّا أنّه في الوقت نفسه، لا يستطيع ان يقبل ان يوضع في موقع المتفرج على حكومة مشلولة موجودة بالاسم ومعدومة بالفعل، كما لا يقبل ان يقيد بشروط تبقي الحال على ما هو عليه من تعطيل الى ما شاء الله، وبالتالي فإن كل الاحتمالات واردة.

الثنائي: عالجوا الأسباب

وبحسب مصادر الثنائي لـ»الجمهورية» فـ»إنّنا على رغم كلّ ما يقال، لم نلمس حتى الآن اي محاولة جدية لإعادة احياء الحكومة، بما يفضي الى عودة وزراء حركة «امل» و«حزب الله» الى المشاركة في جلساتها، فأسباب مقاطعة مجلس الوزراء معروفة. والمطلوب واضح وهو تصويب مسار التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، ومعالجة جذرية لأداء المحقّق العدلي طارق البيطار وعدم تغطية مخالفاته، فعندما تزول هذه الأسباب تزول المقاطعة ويعود الوزراء الى مجلس الوزراء، ومن دون ذلك لا مجال لأي بحث».

عون وميقاتي

وكانت الاوضاع الداخلية، اضافة الى أجواء زيارة رئيس الحكومة الى مصر، محور لقاء عقده رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس ميقاتي في القصر الجمهوري امس. وسبقت الزيارة تغريدة لرئيس الحكومة اشار فيها الى انه طلب دعما من مصر في مجال الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء بشكل عاجل.

وبحسب المعلومات الرسمية فإن البحث بين عون وميقاتي تطرق الى الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، خصوصا بعد التعميم الذي صدر عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وانعكاساته السلبية، لا سيما أن لبنان دخل مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي. كما تناول البحث عدم انعقاد مجلس الوزراء ما يؤثر سلبا على العمل الحكومي وأداء الوزارات والإدارات العامة ومصالح المواطنين، خصوصا أوضاع موظفي القطاع العام ومسألتي زيادة بدل النقل اليومي والمساعدة الشهرية المقررة للموظفين لمواجهة الظروف المعيشية الراهنة.

وفيما لم يُدلِ الرئيس ميقاتي لدى مغادرته قصر بعبدا بأي تصريح، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان عون وميقاتي اكدا على أهمية تسريع المساعي لعقد جلسة لمجلس الوزراء فمعظم البنود العالقة وعشرات القضايا المختلفة باتت تنتظر مثل هذه الجلسة للبت بها ولا يمكن تجاهل أهمية ان تستأنف الحكومة مهامها في هذه المرحلة بالذات.

وقالت المصادر: قرأ الرئيسان سلباً الترددات المتوقعة لرفع سعر السحب من 3900 ليرة الى 8000 ليرة وأنه ستكون له انعكاسات سلبية طالما انه لم يصدر او يتموضع من ضمن خطة اقتصادية شاملة يستطيع من خلالها المعنيون بهذا الشأن لجم انعكاساتها السلبية التي بدأت تطل بقرنها على الساحة النقدية. وشدد عون وميقاتي على اهمية إعطاء العناية الكافية للشلل في بعض الوزارات والمؤسسات العامة التي تقفل ابوابها أياما عدة في الأسبوع نتيجة الوضع المالي والنقدي الذي يعانيه الموظفون نتيجة التأخير في بتّ بعض القرارات التي اتخذت للتخفيف من وطأتها.

القضاء: جبهة مفتوحة

ثانيا، النفق القضائي مقفل بدوره، وكلّ ما يحيط بملف التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت يؤشّر الى تصعيد كبير على هذا الخط.

اللافت في هذا السياق، ما أبلغه مصدر قضائي الى وكالة «فرانس برس» بأنّ القاضي البيطار، وبعد استئنافه التحقيقات، أعاد إلى النيابة العامة التمييزية مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة في حق وزير المالية السابق علي حسن خليل، وأمر بتنفيذها بشكل فوري من قبل الأجهزة الأمنية»، لافتًا إلى «أنّ امتناع جهاز أمني عن تنفيذ مذكرة قضائية يعدّ سابقة خطيرة وتمردًا على قرارات السلطة القضائية». وافيد في هذا السياق ان النيابة العامة التمييزية كانت قد أحالت رأي المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان بمذكرة توقيف النائب علي حسن خليل الى المحقق البيطار الذي اصرّ عليها وطلب تنفيذها فورا.

وابلغت مصادر قضائيّة إلى «الجمهورية» قولها: ان المطلوب وضع حد للمداخلات السياسية في عمل المحقق العدلي واختلاق تعقيدات لعرقلة مسار التحقيق في جريمة انفجار المرفأ.

وقالت: كل تلك المداخلات لن تؤدي الى اي نتيجة، واي ضغوط تمارس من هنا وهناك، لن تنجح في ثني المحقق العدلي عن ممارسة صلاحياته كاملة. واضافت: ان مسار التحقيق ينبغي أن يستكمل، وفق الطريقة التي يعتمدها المحقق العدلي وصولا إلى جلاء الحقيقة، رافضة كل الاتهامات السياسية للمحقق العدلي او أيّ تدخّل في مجريات التحقيق، خصوصا ان القاضي البيطار يؤدي مهامه بأعلى درجة من الكفاءة والنزاهة وعدم الرضوخ لأي ضغوط تسعى الى المس بصلاحياته والتأثير في مجرى التحقيق وتغيير قناعاته.

في المقابل، أوضحت مصادر ثنائي «أمل» و«حزب الله» الى «الجمهورية» ما اعتبرته إمعاناً في التحدّي الذي يمارسه المحقق العدلي وتجاوز صلاحياته بالاعتداء على الدستور.

وقالت المصادر ان المنحى الذي يسلكه البيطار بتغطية من بعض المستويات القضائية والسياسية، يعدّ جريمة يرتكبها بحق شهداء انفجار المرفأ وذويهم، وإصراراً على تجهيل المجرم الحقيقي الذي فجّر المرفأ، ويعد ايضا جريمة كبرى بحق السلطة القضائية التي يفترض ان تكون منزّهة عن ايّ مداخلات او انخراط في دهاليز سياسية داخلية او خارجية.

ولفتت المصادر الى أنّ ما يجب ان يكون معلوما هو أن هذا المنحى الذي يسلكه البيطار سيدفع الامور بالتأكيد الى ما لا تحمد عقباه. فهو يتجاوز ويخالف وينتهك كل الأصول، ويعتدي على الدستور بتجاوز أحكامه باستنسابية فاضحة وتسييس اكثر من فاضح للتحقيق، وأَخذِه الى مكان لا يمكن الوثوق به، وأَسره في غرف سوداء تُوجّهه وتديره ليس في اتجاه كشف حقيقة الانفجار بل لتحقيق مآرب سياسية لن يتمكن من تحقيقها.

وتوجّهت المصادر الى من اعتبرت «انّهم يغطّون البيطار» وقالت: أنتم تغطّون جريمة تجهيل الحقيقة، وتشجعون المس بالدستور الذي تتغنون به ليلاً ونهاراً، لكننا لن نسمح بهذا الفلتان، هناك دستور موجود وصلاحيات محددة وهناك مجلس اعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والمجلس النيابي متمسك بصلاحياته، ورئيس المجلس نبيه بري لن يسجل في عهده السماح بالمسّ بصلاحيات السلطة التشريعيّة او تجاوزها او الانتقاص من هيبتها وكرامتها. الا اذا كنتم تريدون ان تغيروا الدستور او تعلقوا احكامه، كرمى لعيون المحقق العدلي، او تجعلوه إلهاً من تمر تأكلونه حينما تجوعون، فهذا امر آخر، يستوجب كلاماَ آخر».

دعوى ارتياب

وكان والد أحد ضحايا انفجار المرفأ يوسف المولى قد تقدم بواسطة وكيله المحامي سلمان بركات بدعوى ارتياب من المحقق العدلي أمام محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية رندة كفوري، وذلك على خلفية «التسبب بتأخير التحقيق للإستنسابية التي يتبعها القاضي البيطار من خلال استدعاء البعض، وغض النظر عن البعض الاخر مما يعوق التحقيق العدلي».

وفي السياق، أعلنت المتخصصة في القانون الجنائي والعضو في نقابتي المحامين في باريس ومدريد وفي المحكمة الجنائية الدولية المحامية راشيل لندون، أنه وبالتزامن مع حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان، قدّم كل من المدير العام السابق للجمارك اللبنانية شفيق مرعي، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، المدير العام للجنة الموقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم ومدير الخدمات الجمركية حنا فارس شكوى إلى فريق الأمم المتحدة المعني بالإحتجاز التعسفي، وذلك بواسطتها، مشيرة إلى أن موضوع الشكوى يأتي في خانة اعتبار الموقوفين معتقلين من قبل الحكومة اللبنانية بشكل تعسفي وغير قانوني.

الى ذلك، لفتت امس، تغريدة اطلقها سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف عبر حسابه على «تويتر» قال فيها: «في يوم حقوق الانسان، نجدد تأكيد اهمية استقلالية القضاء كشرط مسبق لضمان التمتع بالحقوق والحريات الأساسية من دون تمييز وفقاً للاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية».

طريق الخليج مقطوع

ثالثا، النفق الخليجي بدوره اكثر من مقفل، حيث سقط الرهان نهائيا على إمكان حدوث انفراج وشيك في علاقة لبنان والسعودية وسائر دول الخليج، وهو ما جرى التعويل عليه من لقاء جدة بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ويتعزّز المنحى التشاؤمي حيال انفراج العلاقات، بعدم مبادرة السعودية لأي خطوة عملية في اتجاه لبنان، تترجم ما وعد فيه الرئيس الفرنسي قبل استقالة الوزير جورج قرداحي، اضافة الى رفع سقف الشروط الخليجية في وجه لبنان، والتي وردت في البيانات الخليجية المشتركة التي انتهت اليها لقاءات ولي العهد السعودي خلال جولته الى عُمان والامارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، والتي بلغت محطتها الختامية في الكويت امس. حيث رسمت تلك البيانات خريطة طريق امام الحكومة اللبنانية، عنوانها إجراء اصلاحات شاملة، تَعدّت الشق الاقتصادي لتؤكد على «اصلاحات سياسية». اما جوهرها فالسعي لعدم ابقاء لبنان حاضنة لـ«حزب الله». وهو ما عاد واكد عليه البيان الختامي للقاء بن سلمان من ملك البحرين، الذي نَص على ان المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين تؤكدان حرصهما على أمن الأراضي اللبنانية واستقرارها ووحدتها، وعلى أهمية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأيّ أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كـ«حزب الله» «الإرهابي»، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات».

ولوحظ ان السفير السعودي في لبنان وليد البخاري قد نشر على حسابه على «تويتر» نصّ الشق اللبناني في البيان الختامي السعودي البحريني.

وفي ختام محادثات بن سلمان في الكويت، صدر بيان مشترك سعودي – كويتي أكد «ضرورة إجراء إصلاحات شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح في مؤسسات الدولة الشرعية، وفق ما جاء في قراري مجلس الأمن رقم 1559 و 1701».

كذلك، شدّد البيان على أهمية «ألّا يكون لبنان مُنطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى