رأي

المهم وجود السيادة قبل النفط والغاز والصندوق السيادي (علي يوسف)

 

كتب علي يوسف -الحوار نيوز

يجري التهليل بصورة كاريكاتورية لبنانية ورحبانية لموضوع وصول باخرة الحفر الى البلوك الرقم ٩ ،والتطبيل بأن الآمال كبيرة بأن يُصبح لبنان بلدا نفطيا ..
و تكثر في المقابل احباطات الخلافات حول انشاء الصندوق السيادي ومضامينه والمزايدات حول الحرص على المال العام وعلى توجهات سياسات مداخيل النفط والغاز بعد ان يصبح لبنان بلدا نفطيا .
والحقيقة انه ليس المهم ان يكون لبنان بلدا نفطيا ،كما ليس المهم انشاء الصندوق السيادي، بل المهم هو وجود السيادة لانه في حال وجودها تصبح كل الصناديق سيادية ويُصبح المال العام مصانا برقابة الشعب .. والسيادة طبعا ليست عنوانا يتحقق حين تكون للبلد مؤسسات دستورية منتظمة كما يحلو للبعض ان يُروّج، وانما هي في أن تكون للبلد سياسة امن قومي واضحة تحكم طبيعة النظام وسياساته وتحكم طريقة انتاج السلطات و المؤسسات وسياساتها …

وللدلالة على ما اقول وصحته اعرض مثلين واضحين مع توضيحين اساسيين:

١-بالنسبة للمثلبين :

-الاول هو الواقع اللبناني الذي وصلنا اليه على المستويات كافة ان لجهة الازمات التي نعيشها او لجهة ما يُسمى مسارات حلول .. ولا حاجة للاشارة الى اننا وصلنا الى هذا الواقع بمسار طويل رغم وجود انتظام في عمل المؤسسات ،ورغم وجود ما نسمّيه سيادة ،نظرا لان انتظام عمل المؤسسات كان شكليا في حين ان الواقع انه لم يكن فيها من النظام والانتظام شيئ غير نظام تناتش الحصص وتحقيق مكاسب فئوية لمصلحة الكيانات في الكيان الذي لم يرق يوما الى رتبة دولة ووطن .. اما من ناحية السيادة فلم تكن الا سيادة في التبعية وتقديم اوراق الاعتمادات المتنوعة والمتغيرة بحسب الظروف لسفارات البلدان المختارة بحسب المصلحة والظروف الكيانية …
وذهبت هذه التبعية الكيدية التخاصمية الى حد ارتضاء الاذلال، ليس للاعداء فقط ،بل لمشاريع هؤلاء الاعداء في تدمير مقومات الكيان واذلال شعبه لغايات معروفة، كما حصل في العام ١٩٨٢ مع العدو الاسرائيلي ،وكما يحصل منذ سنوات مع مشاريع الحصار الاميركي ومندرجاته من افلاس وسرقة الودائع والافقار وانهيار انظمة الخدمات الخ …
وهكذا ادى عدم وجود السيادة الى ما نحن فيه والى ما يتتابع في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية من وصايات مذلة ؟!..
– والمثل الثاني الساطع هو العراق الذي هو من اكبر الدول النفطية حاليا ،وليس توقعا ،وهو ما يزال يفتقر الى توافر الكهرباء ويعاني من وجود فقر وازمات كثيرة رغم امكاناته ورغم وجود جيش قوي والحشد الشعبي وشعب طيب وكفؤ وقيادات سياسية ذات رؤية وانتماء قومي واضح ودور قومي رائد .. والسبب في كل هذه الازمات هو النقص في السيادة وسيطرة اميركا على المداخيل النفطية للعراق، حيث تذهب كل هذه المداخيل الى جهاز الاحتياط الفدرالي الأميركي ولا يصل اي منها الى المصرف المركزي العراقي الا بموافقة اميركية وقرار اميركي، و بحيث تسيطر الادارة الاميركية على الاقتصاد العراقي وعلى تحديد مداخيله وطرق صرفها وعلى حركة ونوعية المستوردات وعلى اسعار الصرف الخ …. وان بصورة ناعمة احيانا وبصورة فجة احيانا اخرى وفقا للظروف والضغوطات ….؟!
ويتم التغطية على هذه السيطرة الاميركية بنشر روايات تصل احيانا الى حد الخيال في فساد قيادات ،وبحيث تتحول اسباب الازمات الى عراقية لابعاد الشبهة عن الازمة الحقيقية ،اي الدور الاميركي في انتقاص السيادة ..؟!

بالنسبة الى التوضيحين :

-التوضيح الاول يتعلق بضرورة التمييز في واقع الدول النفطية بين نموذج دول الخليج العربي وبين نموذج فنزويلا او العراق، والنظر جيدا في الدواعي التي ادت الى اختلاف هذين النموذجين لجهة الولاءات والتبعية للقوة الاميركية التي كانت تسيطر على السوق النفطي، والتي ادت الى حالة من الاستقرار في الاقتصاد النفطي في دول الخليج العربي ماتزال موجودة نسبيا بحكم التقاليد والاستمرار رغم بعض التغيّرات ..وبين حالة الحصار التي تعيشها دول النموذج الآخر نتيجة خروجها عن الارادة الاميركية …
ولعل النظر مليا في المتغيرات الكبيرة في التوازنات الدولية والوقائع الاقتصادية المسببة لها والناتجة عنها ،هي التي يُفترض ان تحدد السياسات والخيارات وانطلاقا من رؤية للأمن القومي تتناسب والمصالح الحقيقية على المستويات كافة، اقتصادية وثقافية وحضارية وتحررية وتنموية وايديولوجية تأخذ في الاعتبار خصوصا الجغرافيا السياسية وقضاياها …
وانطلاقا من ذلك يُفترض ان يتم وضع السياسات النفطية التعاقدية استكشافا وتنقيبا واستخراجا وتجارة، وليس من باب المناقصات الرومانسية المعروفة النتائج انطلاقا من التبعية ..وخصوصا التبعية المذلة التي يعيشها لبنان” الرسمي”….

-والتوضيح الثاني انني وبصفتي الاستشارية في وقت سابق كنت قد اعترضت على طريقة استدراج عروض الشركات للتنقيب عن النفط في لبنان.. واكدت ان موضوع النفط لا يشبه بأي حال موضوع تلزيم اوتوستراد، والذي يخضع لقاعدة السعر الافضل ،على اعتبار ان النفط والغاز  سلع استراتيجية تخضع عقودها بالاجمال الى معايير الانتماء المحورية ..خصوصا في ظل تغّيرات في التوازنات الدولية وصراعات حول هذه التوازنات …
واكدت حينها ان لبنان يجب ان يحدد خياراته للأمن القومي قبل تلزيم الحفر والتنقيب، فإذا كان الخيار تحرير الارض وتحرير فلسطين وجب الاتجاه شرقا.. وهذا يعني استدعاء شركات صينية وروسية وهندية للتعاقد معها …
اما اذا كان الخيار الاستمرار في التبعية للمحور الاميركي الغربي فعندها يتم استدعاء شركات اميركيا او اوروبية والتعاقد معها .. ولكن يجب معرفة ان هذا الخيار استكماله الطبيعي الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها واشهار العداء لفلسطين وسوريا انطلاقا من الجغرافيا السياسية …
وكنت طبعا مصرّا على ان كل كلام سخيف عن علاقات متوازنة شرقا وغربا ورفع شعارات كاذبة لاشرق ولا غرب، اما انه لإخفاء التبعية لاميركا والغرب و من دون استفزاز مباشر للجغرافيا السياسية، وبحيث تأتي التبعية الكاملة لاحقا كقدر لا بد منه يفرضه الامر الواقع الاقتصادي وتوابعه كما حال التوجه السعودي شرقا حاليا .. او ان هذه الطروحات اذا كانت بنوايا حسنة فإنما تنم عن رومانسية سياسية تُسقط رغبات شخصية على معادلات سياسية واقتصادية دولية هي في اشد مراحل صراعاتها….

خلاصة التأكيد ان همروجة البلد النفطي والصندوق السيادي تبقى همروجة رومانسية رحبانية، ما لم تقترن بسيادة حقيقية نتمناها في لبنان الخاضع لاقصى حالات التبعية المذلة، والمنقسم في امنه القومي بخلفيات وهمية زرعها الاستعمار في مضمون التركيب الوطني، و تحوّلت الى ثقافة كيدية تقضي على آمال الاتفاق على بناء دولة ووطن بالحوار .. و تستمر بإخضاع مساراته الى التوازنات الاقليمية والدولية ونزاعاتها في انتظار ..الحسم !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى