منوعات

سيدة من الزمن الجميل: نجاح اديب الساعاتي أول صيدلانية في سوريا*

 

نجوى عبد الرحمان- تونس – الحوارنيوز
الدكتورة الصيدلانية والحقوقية  نجاح ساعاتي، ولدت عام 1925 في سوريا تحديدا  في مدينة حمص، وهي أول امرأة صيدلانية في سوريا وشخصية اجتماعية عربية بارزة واسم معروف على صعيد النشاط النسائي العالمي.
ولدت في أسرة ميسورةالحال، وطنية، تشرّبت حب الوطن، والدها أديب ساعاتي، صاحب جريدتي (فتى الشرق)، و(فتى العرب) اللتين أغلقهما الفرنسيون بسبب معارضتهما للاحتلال، تقول إن والدها التحق بالثورة السورية الكبرى (1924-1928) مع أعمامها محمود وسليمان (والأخير سُجن بعد فشل الثورة وزُجّ به في سجن القلعة في حلب، وبعد مشادة بين رجال الدرك والسجناء وكان قوي الجسم أذاق أفراد الدرك الويلات فقرروا التخلص منه ودسوا له السم في الطعام فتوفي ودُفن في القلعة ذاتها، ولم يُسلّم إلى أهله لدفنه في حمص خوفاً من تشريح الجثة وكشف ما ارتكبت أيديهم وإثارة القضية في القضاء لها شقيقة وشقيقان هما صلاح وزياد الناشط السياسي.
التحقت نجاح ساعاتي بمدرسة الروم الأرثوذكسية وحصلت على شهادة السرتفيكا الفرنسية، ثم انتقلت إلى مدرسة الراهبات لتنال شهادتي (البروفيه) الفرنسية، بدرجة جيدة، و(البروفيه) السورية، ثم انتقلت إلى مدرسة التجهيز بدمشق، التي حصلت فيها على شهادتي البكالوريا العلمي والفلسفة.
بدرجة جيدة أيضاً، درست الفلسفة وحدها خارج المدرسة ونالت البكالوريا الثانية في الفلسفة عام 1945
ادت أول تظاهرة نسائية في حمص عام 1942م ضد الانتداب الفرنسي، وهي أول من رفع الحجاب في حمص، ثم انتخبت عام 1943م سكرتيرة لجمعية إعانة الطالبات الفقيرات في مدرسة التجهيز،
ثم انتقلت إلى الجامعة السورية، وكان رئيس الجامعة آنذاك الدكتور منيف العائدي أكبر داعم لها ولتطلعاته عندما انتسبت د. نجاح إلى الجامعة في عام 1945 كانت المرأة بشكل عام تعيش ظروفاً صعبة من التقييد وعدم الحرية ومنعت من مزاولة الأعمال خارج البيت ومن الاختلاط والتعرف على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وكانت التقاليد الاجتماعية -كما قالت هي نفسها نجاح سعاتي  تفرض عليها التزام البيت كآلة للتفريخ وخادمة للرجل والعائلة، خادمة تعمل مجاناً لقاء لقمة العيش واللباس، غير أنها قررت كسر القاعدة والانتساب إلى الجامعة، لتدخل فرعاً كان حكراً على الرجال، فعارضتُ الزواج والتوظيف ودخلت الجامعة كأي شاب!
وتقول أيضا إن بعض الأساتذة والطلاب المتعصبين كانوا آنذاك يحاولون وضع العقبات في طريق دراستها ولكنها صمدت بفضل تربيتها المتحررة في البيت والمدرسة واطلاعها على الثقافة الفرنسية وبفضل بعض الأساتذة المتحررين ورئيس الجامعة آنذاك المرحوم الدكتور “منيف العائدي” الذي كانت تدين له بالكثير.
عام 1949م شهد مدرج الجامعة السورية حدثاً استثنائياً حين أعلن عريف حفل تخريج طلاب كلية الصيدلة في الجامعة عن منح أول شهادة في الصيدلة لفتاة سورية  و عربية هي نجاح الساعاتي، فضجّ المدرج بالتصفيق وقوفاً وصدرت الصحف والمجلات السورية تحمل هذا النبأ المفرح فاستُقبلت من جانب الصحافة التنويرية بالدعم الكبير والدعاية لمستقبل المرأة في سوريا
ونشرت مجلة “الشرق” التي كانت تصدر في أمريكا اللاتينية آنذاك مقالة مطولة عنها مع صور لها في الصيدلية وبشّرت المغتربين بانطلاقة المرأة السورية نحو مستقبل أفضل لبلدها. ولا تزال الصيدلية التي افتتحتها في حمص وأسمتها “صيدلية النجاح” قائمة تخدم المرضى إلى هذا اليوم، رغم مرور ما يقارب النصف قرن من تأسيسها
حصلت أيضا علي  شهادة دكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة موسكو وكان موضوع رسالتها "خصائص تطور الرأسمال الوطني في سوريا"، أتقنت اللغة الفرنسية بطلاقة ما ساعدها على الاطلاع على الثقافة الفرنسية والترجمة الأدبية والعلمية من أمهات الكتب الفرنسية، ونالت لاحقا شهادة الدكتوراه في الفلسفة
عملت بعد تخرجها لمدة سنة في أكبر صيدلية في حمص، ثم افتتحت لنفسها صيدلية عام 1950 في شارع الحميدية في منطقة حمص القديمة وأطلقت عليها اسم صيدلية النجاح التي انتقلت ملكيتها بالثمانينات تقريبا لبيت كسيبي الذين حافظوا على الاسم والصيدلية حاليا مغلقة، فكانت أول امرأة تفتح صيدلية في حمص، كما قامت أثناء عملها الصيدلاني بالتدريس في مدرسة تجهيز البنات في حمص.
انتخبت في لجنة الأمهات العالميات الدائمة، وانتسبت إلى جمعية الهلال الأحمر في حمص وانتخبت عام 1951م عضواً إدارياً فيها.
ساهمت في تشكيل رابطة النساء السوريات، وعملت في مجلس السلم العالمي، كما شاركت في مؤتمر الأمهات العالمي الذي نظمه الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي في لوزان بسويسرا عام 1955 وانتخبت عضواً في مجلسه. لم تكن الصيدلانية نجاح الساعاتي بعيدة عن الحزب الشيوعي، فاخوها زياد من الشيوعيين المعروفين وعن طريقه تعرفت علي الدكتور الشيوعي المناضل بدر الدين السباعي، فهي من قامت بمساعدة مكتب المحاماة "المفْلِس" للشيوعيين الثلاثة: طليمات، سبيني وسباعي. في  عام 1952 وقع عقد قران بدر الدين السباعي علي نجاح الساعاتي.
عام 1956 قامت لجنة ثقافية في حمص مؤلفة من: بدر الدين السباعي, نجاح الساعاتي، الطبيب الشيوعي زياد ساعاتي (شقيق نجاح)، فاروق الحسيني وجميعهم من حمص ومعهم المتنور زهير الصابوني الدمشقي الأصل والموظف في حمص. وقد نظّمت هذه اللجنة سلسلة من المحاضرات عُقدت في بيت نجاح وبدر. ومع قيام هذه اللجنة تأسست "دار ابن الوليد" للتأليف والترجمة والنشر وهي شركة مساهمة كانت الصيدلانية نجاح المليئة مالياً ممولتها الأساسية، وبالتالي المسؤولة عن الدار. كان هدف بدر الدين السباعي من تأسيس الدار نشر مجموعة من الكتب التقدمية لتثقيف الأجيال الصاعدة المتطلعة إلى الثقافة.
وقام الدكتور بدر الدين وزوجته الدكتورة نجاح ساعاتي بتشجيع نخبة من المتملكين للغات الأجنبية بالمساهمة في الترجمة من تلك اللغات إلى العربية، في السياق نفسه للموضوعات المار ذكرها.
الدكتورة نجاح ساعاتي زوجة الدكتور بدر الدين كانت من بين المكرمات في الحفل الذي نظمه الحزب الشيوعي السوري الموحد، في يوم المرأة العالمي .كان للدكتورة نجاح ساعاتي باع طويل في شدّ أزر الدكتور بدر الدين السباعي مادياً ومساعدته معنوياً في نشاطه الفكري، كما شاركت في نشاطات حزبية ونسوية كثيرة. إضافة إلى مساهمتها في عدد من الترجمات منها كتاب (الحركة العمالية العالمية- قضايا التاريخ والنظرية) من تأليف مجموعة من الباحثين السوفييت، وقد قدمتُ عرضاً لهذا الكتاب نُشر في مجلة (النهج) الصادرة
أسست مع زوجها عام 1956 دار (ابن الوليد) للنشر في حمص، ثم قامت بعد ذلك بتأسيس دار (الجماهير الشعبية للنشر) في دمشق حيث اهتمت بالكتب التقدمية التي تتناول القضايا الوطنية والاجتماعية، وحين أغلقت الساعاتي دار النشر هذه أهدت كل محتويات الدار من كتب وإصدارات ورفوف وقوائم للحزب الشيوعي السوري الموحد.
لم تنجب أولادا بسبب تعرضها في عام 1956، أثناء العدوان الثلاثي على مصر إلى حالة إجهاض للجنين الذي كانت حاملاً به وذلك إثر اشتراكها في المقاومة الشعبية وانتقالها إلى حقل التدريب، ما حرمها من الإنجاب بعد ذلك.
في الستينيات من القرن الماضي تم تأسيس برلمان جديد بدمشق تحت اسم «المجلس الوطني لقيادة الثورة» وذلك بين عامي 1965م و1966 واختيرت نجاح ساعاتي عضواً فيه، وكان رئيس هذا المجلس منصور الأطرش، وكان لها دور مميز على صعيد المداولات التي كانت تتم تحت قبة البرلمان، كما كانت عضو لجنة الشؤون العربية والخارجية في المجلس، وهي من أهم اللجان البرلمانية.
كما كان لها دورها البارز في فعاليات الجمعيات الخيرية، ومن أبرزها تأسيس مستوصف طبي كان يقدم الأدوية والعلاج للطبقات الكادحة مجاناً، كما كان لها بصمتها المتميزة في مجال الثقافة، فأغنت المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات القيمة زادت على الخمسة عشركتاباً في مواضيع إنسانية واجتماعية.
وتقديراً لخدماتها وجهودها الخيرة، جرى تكريمها في مناسبات عديدة قدمت لها فيها شهادات التقدير والثناء، واختيرت ضمن مجموعة من النساء الرائدات في سورية، قدمّن المثل في العمل المخلص لتقدم الوطن، وناضلن من أجل تطوره وسعادته اعترافاً بأن الوطن لا ينسى أبناءه العاملين الأوفياء في سائر مجالات العمل الوطني والاجتماعي، بذلك استحقت أن تكون قامة وطنية متميزة ونموذجاً فريداً للمرأة السورية يحتذى به.
توفيت عام 2017، ودفنت بمقبرة تل النصر في حمص. رحم الله الفقيدة المناضلة نجاح الساعاتي مفخرة المرأة  السورية و الامة العربية.
*بالتزامن مع صفحة التجمع العربي للتنوير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى