
بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
تتأثر أسعار العملات العالمية بعوامل عديدة منها الاقتصادية ، السياسية ، النقدية ، والأمنية ، ويحكم هذه العوامل ويؤثر فيها بمعظمها فريقان : المصرف المركزي ، والحكومة .
في لبنان أيضا يتأثر استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار بنفس العوامل . وفي ما يلي بعض العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى عدم الاستقرار:
العوامل الاقتصادية
تلعب العوامل الاقتصادية دورا اساسيا في عدم استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية وأهم هذه العوامل :
- عجز الميزان التجاري حيث يؤدي ذلك الى خروج العملات الصعبة والناتجة عن زيادة عملية الاستيراد، لتلبية حاجات السوق من دون ان يقابل ذلك عمليات تصدير لتغطية عمليات تمويل الاستيراد . ان تراكم العجز في الميزان التجاري لفترة طويلة، وهذا ما يحصل في لبنان، سيؤدي مع مرور الزمن الى نزيف كبير في احتياطي العملات الصعبة الموجودة لدى مصرف لبنان، وبالتالي سيؤدي هذا الأمر الى انخفاض هذا الاحتياطي .
- الدين العام الخارجي حيث يؤدي تراكم هذا الدين الى مزيد من كلفة الدين العام، وبالتالي مزيد من الفوائد التي سيتم دفعها لأصحاب هذا الدين في الخارج . هذا الامر سيؤدي الى مزيد من الخروج للعملات الصعبة من لبنان، وبالتالي التاثير سلبا على احتياطي العملات الصعبة .
- الركود الاقتصادي وعدم وجود نمو . فالركود غالبا ما يؤدي الى تراجع في أعمال الشركات، وبالتالي تراجع في أرباحها المحققة، وهذا التراجع سيؤدي لاحقا الى تراجع في واردات الدولة الضريبية ، الامر الذي يمكن ان ينعكس على الموازنة السنوية بشكل سلبي ،ما يزيد من العجز في الموازنة، وبالتالي ستلجأ الحكومة في هذه الحالة الى الاقتراض، إما من الداخل او الخارج، وبالتالي سيؤدي ذلك الى مزيد من الديون على الدولة ومزيد من خدمة الدين العام .
العوامل النقدية
تلعب العوامل النقدية دورا كبيرا في عدم استقرار سعر صرف العملة، وغالبا ما يتحكم بهذه العوامل المصرف المركزي وأهم هذه العوامل :
- زيادة الكتلة النقدية في السوق، والتي يمكن ان تنتج عن استدانة الدولة من المصرف المركزي لتلبية احتياجاتها، ما يضغط على الليرة ويعطي مساحة أكبر للمضاربين للتلاعب بسعر الصرف وتحقيق ارباح غير شرعية .
- تحريك اسعار الفائدة نزولا او صعودا، الامر الذي يمكن ان يؤدي الى دفع مزيد من الفائدة على الدين العام، وخاصة الدين الداخلي . هذا الاجراء يمكن ان يؤدي الى ارتفاع ايضا في حجم الكتلة النقدية في السوق، وينعكس حتما على حجم المضاربات .
- زيادة او خفض الاحتياطي الالزامي المطلوب من المصارف التجارية، والذي ينعكس على حجم الكتلة النقدية قيد التداول، كما ينعكس على حجم احتياطي العملات الصعبة الموجودة لدى المصرف المركزي، وبالتالي ينعكس على قدرته على التدخل في سوق الصرف للعمل على استقرار الاسعار .
العوامل السياسية
لا شك ان عدم الاستقرار السياسي يمكن ان يؤدي حتما الى التقاعس عن اداء الحكومة لواجباتها لناحية اقرار المشاريع والقواني اللازمة لسيرعمل الدولة والقطاع العام ، وهذا ما حصل خلال السنوات الخمس السابقة والتي أدت الى عدم اقرار القوانين في وقتها كقانون الكابيتال كونترول ، قانون اعادة هيكلة المصارف ، الاصلاحات لقانون النقد والتسليف ، الموازنات ، قانون اعادة هيكلة الدين العام ، واقرار خطط التعافي . كل ذلك ادى الى مزيد من الفساد ، الهدر ، وهروب الرساميل والاستثمارات من لبنان .
العوامل الخارجية
المؤسف في لبنان ان هناك تدخلات خارجية كبيرة في تسيير شؤون هذا البلد ، سواء في العملية الانتخابية للسلطات والرئاسات ، او لناحية التعيينات الأساسية لمراكز القرار، ولا سيما مصرف لبنان والقيادات الأمنية ، ما يجعل هذه المراكز طوع بنان هذا الخارج ، يضاف الى ذلك العقوبات التي تمارسها بعض الدول على لبنان سواء بشكل مباشر عبر وضع الكثير من الشخصيات والمؤسسات على لائحة العقوبات ، او بشكل غير مباشر عبر وضع عقوبات على دول صديقة للبنان ، ما يمنع لبنان من الاستفادة من استثمارات هذه الدول .
ان الاضطرابات في المنطقة بالتأكيد يمكن ان تؤثر على سعر الصرف للبنان وبشكل سلبي ، كون هذه الاضطرابات ستخفض حركة الرساميل للمنطقة. فالرأسمال جبان ويبحث عن الاماكن المستقرة ولا يمكن ان يستثمر في الاماكن الخطرة او المعرضة للمخاطر .
يبقى ان نقول ان هناك تحديات هيكلية يمكن ان تؤثر على اسعار الصرف منها :
- ضعف الإنتاجية: انخفاض الإنتاجية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية.
- اعتماد الاقتصاد على الاستيراد: الاعتماد الكبير على الواردات يزيد الطلب على الدولار.
فلا بد من العمل على معالجة هذه التحديات ووضع الخطط اللازمة لتحقيق معدلات نمو مقبولة، وخاصة في القطاع العام والذي يعتبر الحلقة الاضعف في الاقتصاد اللبناني، والذي كان سببا اساسيا في تراكم الدين العام، نتيجة السلف التي دفعت له خلال اكثر من خمسة وثلاثين عاما .
في النهاية لتحقيق استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية، يجب معالجة هذه العوامل من خلال إصلاحات اقتصادية وسياسية شاملة، وتعزيز الثقة بالنظام المصرفي، وتحسين الإدارة العامة ، وتنفيذ سياسات نقدية ومالية فعالة ، وفي حال عدم المعالجة ولجوء الحكومة الى مزيد من الصرف على حساب عدم توازن الموازنة ، وفي حال عودة مصرف لبنان مع التعيينات الجديدة الى نفس السياسات السابقة والتي اعتمدها خلال السنوات السابقة ، فإن سعر صرف الليرة مقابل الدولار الاميركي سيعاود انخفاضه ، وربما يتجاوز سعر صرف الدولار الارقام التي وصلت اليها سابقا، فهل يلتزم كل من الحكومة اللبنانية وحاكمية مصرف لبنان الجديدة، بالقواعد والقوانين التي تمنع زيادة الكتلة النقدية ، وتحافظ على ما لديه من احتياطيات من العملات الصعبة ، وفي الوقت نفسه معالجة الواقع الحالي في الاقتصاد ، القطاع العام ، والقطاع المصرفي .