رأي

زمن انحدار الديمقراطية: من الميثاقية إلى الصُّوَريّة(د.أنطونيوس أبو كسم)

 

البروفسور أنطونيوس أبو كسم*- الحوار نيوز

مفاهيم لبنانية مبتكرة* أغنت معجم الديمقراطيات في العالم. تحديداً، وبعد الطائف، قام النظام البرلماني على ديمقراطية ميثاقية، طائفية، توافقيّة، تحاصصيّة، إصطلاحية، تناصفية، نسبيّة مركّبة. وعليه، طغت الديمقراطية التوافقيّة أو ديمقراطيّة التسويات على حساب القانون. ودخلت الديمقراطية الميثاقية بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005، حيث أثارها تارة المسيحيون الذين كانوا مهمشين منذ الطائف وتارة المسلمون الشيعة للطعن بمشروعية قرارات حكومية وللحؤول دون إقرار البرلمان لقوانين أو لاتفاقيات معادية لمشروع المقاومة. هل جاء دور المسلمين السُّنَّة لشهر سيف الميثاقية لتعطيل مفاعيل الانتخابات المقبلة في أيار 2022؟

ومن مخرجات الديمقراطية اللبنانية، ديمقراطية فقدان النصاب، التي تحوّلت إلى عرفٍ دستوريّ، يطبّقه حتّى المجلس الدستوري! يضاف إليها ديمقراطيّة الفراغ، التي أنتجت نظريّة الفراغ الدستوري وسياسة النأي بالنفس عن الدستور.

إنّه أبعد من عمليّة ميثاقية المجلس النيابي المنتخب، إنّ العيوب الرئيسة التي تمسّ بروح الديمقراطية الحقيقية والنظام البرلماني، تكمن في قانون الانتخاب الذي لا يؤمّن التمثيل الصحيح، إضافة إلى كونه يعتمد دوائر انتخابية هجينة وغير متساوية، هدفها فقط ضمان وصول أشخاصٍ معّينين إلى البرلمان وفقط لتأمين استمرارية حضورهم في السلطة.

والإشكالية التي تواجه الديمقراطية في لبنان تكمن في نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية، التي لم تتعدّ الـ 49 بالمائة في انتخابات 2018، والظاهر أنها في انتخابات 2022 ستكون أدنى بكثير. أين شرعية سلطة تشريعية شارك بانتخابها أقلّ من نصف الناخبين؟ ما هي حال شرعية نائب فاز بمباراة شارك فيها أقل من نصف المواطنين؟ ما هي حال شرعية نائب فاز بمائة صوت وأصبح يمثل الأمّة جمعاء؟ أيّ شرعية لانتخابات تشريعية يغيب عنها مشاركة أغلبيّة الطائفة السنيّة؟ أيّ شرعية لانتخابات يتقاسم فيها أهل السلطة الحقائب الوزارية مسبقاً كثمنٍ لإنجاح تأليف اللوائح؟

على كلّ حال فشل الحراك بتغيير أسس الديمقراطية اللبنانية التحاصصيّة، ولم ينتج إلّا فوضى هدّامة في الشارع، ولم يُنجز إلّا حالة سرّعت بإفلاس المصارف، وخلق الشغب وتدمير الممتلكات، ولم ينجح بأن يصبح ثورة. للأسف لقد قد أنتج الحراك في الشارع حلفاً ما بين ما يسّمي نفسه بـِ”الثورة” والإقطاع وما بين “الثورة” وما بين ورثة الحرس العائلي القديم، حالة لم تشهدها أيّة ديمقراطية في العالم! فبماذا يختلف حلف الثورة والإقطاع عن حالة حلف المال والإصلاح ضدّ التغيير؟

بعد إقفال باب الترشح وتسجيل لوائح الأمر الواقع، لوائح غير متجانسة، وفقط من أجل تحقيق حلم الأحزاب للمحافظة على مواقعها، نجحت هذه الأخيرة مع شخصيات تقليدية بالتقاط هذه الفرصة الذهبية للمحافظة على نفس الطبقة السياسية في المجلس النيابي والحفاظ على نفس قواعد اللعبة.

ليست انتخابات أيار 2022 إلا ديمقراطية صوَريّة، تسعى إليها السلطة القائمة لاكتساب شرعية دستورية لأربع سنوات جدد، قد تنزع عنها أمام المجتمع الدولي تهمة السلطة الفاشلة التي أدت إلى انهيار البلد وسقوط مفهوم الدولة. هذا الانتصار المجيد للطبقة السياسية التقليدية منذ زمن الحرب الأهليّة، عبر مسرحيّة استحقاق انتخابيّ، هو مثال عن الديمقراطية الصُّوَريّة الشكلية، حيث تشارك بعض الفئات تحت ستار المعارضة وذلك لتحفيز اللعبة وشدّ عصب جمهورها حتّى لا تصبح الانتخابات في لبنان مبايعة لمجموعات ولميليشيات تعتبر نفسها أحزاباً سياسية. إنّ التصاريح ذات السقف العالي ما بين الموالاة والمعارضة هي في صلب قواعد لعبة الانتخابات الصُوَرِية، حيث المعيار الأساس هو المشاركة في المسرحيّة لإنجاحها. ومن ترشّح مستقلاً إيماناً منه بالتغيير لقد وقع في فخّ المشاركة في المسرحية لإضفاء مصداقيّة مفقودة.

ما هي إذن أهميّة استحقاق انتخابات أيار 2022؟ ولماذا يعوّل عليه المجتمع الدولي؟ أّي تغيير سينتجه المجلس الجديد بظلّ معارضة صوريّة فرضت تحالفاتها قوى خارجية لإنجاح الإخراج؟ لماذا الاستعجال والإصرار على إجراء انتخابات بمن حضر بدلاً من أن تكون المعركة الحقيقية في تغيير نظام الانتخاب الفاسد؟ هل الاستعجال هو من أجل ضمان انتخاب رئيس جمهورية منبثق من هذه الطبقة التفليسيّة الهدّامة؟

ألا يعرف المجتمع الدولي، أنّ الجيل الجديد الذي يُعوّل عليه بالمبدأ أن يُحدِثَ التغيير، قد هاجر البلاد؟ ألا يعرف المجتمع الدولي أن من بقي من الأدمغة اللبنانية في لبنان ليس لديه الإمكانيات المادية للمشاركة في الانتخابات لأنّ أحزاب السلطة والمصارف قد صادرت أموالهم وتحوّلت إلى حسابات وهميّة؟

هناك تُطرح إشكالية مصدر أموال أغلبيّة المرشحين الحاليين في ظلّ الأزمة النقدية جراء الانهيار المالي والاقتصادي. من يموّل الانتخابات؟ ومن أين للمرشحين أنّ يسدّدوا مصاريف الحملات الانتخابية في ظلّ هذه الأزمة؟ هل اعتاد اللبنانيون على هذا النوع من الاستحقاقات الشكلية كأبغض الحلال؟ ألا يخجل من أوصل البلاد إلى الإفلاس، أن يسعى إلى تجديد شرعيته بأموال الناس المنهوبة ليصبح وكيل تفليسة البلد؟ إذا لم تستح ترشّح للانتخابات!

وفي ظلّ الكلام على مخرّجات الديمقراطية اللبنانية، وبما أنّ المهاجرين السوريين في لبنان قد أصبحوا بالواقع سكّاناً لبنانيين منذ أكثر من عشر سنوات، وعددهم يفوق نصف سكّان لبنان، فليس من المستبعد أن يطالبوا بحكم استقلال ذاتي خصوصاً أنّهم وُهِبوا رسمياً مفتاح بيروت منذ عشرين سنة، حيث أنّ هناك من هو مستعدّ لدفعهم إلى الاستقلال على غرار المثال الأوكراني؛ خصوصاً وأنهم يحظون بدعم من أعضاء برلمان 2022 الذين يتقنون نفس اللغة حيث اعتادوا على هذه اللكنة رقصاً، ودبكةً، وشتيمةً وإهانةً ومذلّة.

جرّاء إفلاس الدولة وإفقار المواطنين وقتلهم وتدمير مستقبلهم، حريٌّ بأهل السلطة موالين ومعارضين أن ينسحبوا نهائياً من الحياة السياسية احتراماً لأرواح اللبنانيين التي أُزهِقَت وهي ما زالت على شفير الحياة، وعليهم قبل موعد انتهاء ولايتهم، إقرار قانون انتخابيّ جديد خارج القيد الطائفي يضمن صحّة التمثيل إضافة إلى تطبيق الدستور عبر إنشاء مجلس الشيوخ وذلك عربون اعتذار من الشعب اللبناني، الذي يستحقّ شبابه حينها أنّ يقرّروا مصيرهم، حيث أن الديمقراطية الحقّة لا تتجلى باستحقاقات صوريّة لا تليق بلبنان حيث أنّ بيروت أمّ الشرائع.

*بالتزامن مع الزميلة “نداء الوطن”

**أستاذ جامعي ومحامٍ دوليّ

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى