سياسةمحليات لبنانية

من هم قتلة لقمان سليم؟

 

د . جواد الهنداوي *
              
الحضور الرسمي الدولي في مراسيم التشيع والدفن ، وإلقاء كلمات التأبين و الاطراء من قبل سفراء الدول الغربية ، امرٌ دالٌ على المكانة السياسية والثقافية التي كان يحظى بها المرحوم لدى الدوائر الغربية ،علاوة على المكانة الاجتماعية و الفكرية المعروفة له ولأسرته في لبنان وفي الدول العربية .
كان بمقدور الدول الغربية أنْ تُبدي اهتمامها بحياته ورعايتها لحمايته (بالقدر الممكن ،بالنصح او بالمراقبة  عن بعد)، لاسيما وقد اعتاد على تلقي تهديدات، واحده تلو الاخرى،  ويعيش في لبنان، بلدٌ ،للاسف ،مُتخمْ بالمفاجآت غير السّارة ( بالاغتيالات، وبالمسّيرات، وبالمؤمرات  وبتأويل وبتفسير المُناسبات ).
جرائم سياسية أُرتُكِبتْ في لبنان وفي العراق ، وكُتب لها ان تُنسَبْ لمجهول، وهدفها ان تبقى هذه الأوطان في دوامة العنف الاجتماعي و اللا وفاق السياسي.
إغتيال لقمان لا يختلف في ظروفه وطبيعته وأهدافه عن إغتيال المرحوم هشام الهاشمي في العراق .
ولساحات العراق ولبنان السياسية مشتركات في الاستخدام السيء للدين  (طائفية و ارهاب)، وفي الاستخام السيء للثروات ( فساد )، وفي الاحتلال والتدخلات العربية والإقليمية  والدولية. وكلا الساحتيّن مقصودتتان  ومستهدفتان بقوة وبأستمرار من قبل اسرائيل.
عملية اغتيال الناشط السياسي لقمان هي جريمة لاهداف سياسية و ارهاب، و تقف خلفها ذات الجهة التي استهدفت الشهيد الحريري، فجّرتْ مرفأ بيروت. ولم يخفْ على أحد اليوم هوية الجهة او الجهات التي تقف خلف الارهاب، بجماعاته المسلحة والمنتظمة  وكذلك بذئابه المنفردة والموجّهة،  وبمسّيراته ، و توظّف ،هذه الجهة، الارهاب لدواع سياسية.
مَنْ له مصلحة سياسية في جريمة، يقترفها و إنْ كان الهدف صديقاً او خصماً، وليس بالضرورة استبعاد فرضيّة أنْ يكون قاتل الناشط السياسي لقمان صديقه وليس خصمه او عدوه، ولأسباب منها:
استمرار حالة و دوامة العنف  والفتنة في الساحة اللبنانية ،  واستمرار توجيه الاتهامات لاعداء اسرائيل في لبنان وفي المنطقة، و بث أسطوانة تشهير جديدة ضّدْ حزب الله، بعد أنَّ تقادمت أسطوانة مرفأ بيروت ، كي يصغي لها، ربما، النزيل الجديد للبيت الأبيض، والذي هو ،بعيون نتنياهو اقل سوءاً من الرئيس السابق ترامب، تجاه محور المقاومة.
لعلَ سبب الاغتيال يعود الى الدور الفكري والسياسي للمرحوم، ولعلاقاته على الصعيد الإقليمي  والدولي، ولاسيما بمجئ ادارة امريكية جديدة أعلنت وبصراحه، ارادتها نحو العقلانية والدبلوماسية في تناول وإدارة ملفات المنطقة الساخنة، والساحة اللبنانية هي احد اهم تلك الملفات ، بتقطعاتها  وبتشابكها الحركي و العربي والإقليمي. لا تريد اسرائيل ان يكون لشخص من الطائفة الشيعية، ومصدر لافكار  ولآراء، مكانة وعلاقة مميزة ومؤثرة مع امريكا والغرب، ومع مراكز البحوث والدراسات ،حتى و إنْ كان يتبنى مواقف سياسية تتماشى مع مصالحها ! تعتبره مصدر خطر وقلق في المستقبل.
شأنه شأن عالم نووي عربي او مبدع في التصنيع العسكري ، حتى وإنْ كان هذا العالم او هذا المبدع له مواقف محايدة او إيجابية تجاه اسرائيل. وجود اسرائيل واستمرار توسعها مرهون بأمريّن: كُثرة اعدائها في المنطقة وكثرة داعميها من امريكا و الغرب.
الاهتمام الذي حظيَّ به المرحوم، من امريكا ومن الدول الغربية، في حياته و عند مماته، يوحي بما كان له من دور أو ادوار ، نجهلها نحن ، ولكن يدركها تماماً مَنْ ارتكب جريمة الاغتيال. دور و ادوار ،قد تكون أو قد كانت تُحسب لصالح استراتيجية اسرائيل وامريكا، ولكنها لم تعُدْ كذلك الآن. تخشى، دائماً، اسرائيل جانب المفكرين  والنخب العرب، حتى و إنْ تبنوا مواقف تهاجم من يعاديها.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات-بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى