دولياتسياسة

الصين وإيران تسقطان خطوط الدفاع الأميركية

 

محمد صادق الحسيني
تحولات كبرى متسارعة ومتلاحقة في البيئة الاستراتيجية العالمية ، تحيط بالقوة التي كانت حتى الامس القريب القوة الاعظم في العالم ، وهاهي تتهاوى دفاعاتها الواحدة بعد الاخرى في ظل تنامي المقاومة العالمية للاحادية الامريكية الغاشمة …!
واليكم التفاصيل الميدانية الغاية في الاهمية كما يلي :
لا شك في ان موازين القوى الدوليه ، وبالتالي الوضع الاستراتيجي الدولي ، يشهدان تغيرات متسارعة ، لا بد من التدقيق في جوهرها واخضاعها لتحليل معمَّق ، كي نصل الى نتيجة علمية ، في الحكم على نجاح او فشل اي استراتيجيه لاي من محاور هذا الصراع الدولي ، المحتدم في اطار اعادة تشكيل الاقطاب الدوليه .
ان هذا الصراع ليس جديداً بالطبع ، بل انه صراع متجدد ، حاولت الولايات المتحده ، ومنذ اندلاعه بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ان تحسمه ، عبثاً ، لصالحها ، اذ قام الديبلوماسي الاميركي ، جون فوستر دالاس سنة ١٩٥١ ، والذي اصبح وزيراً للخارجية لاحقاً ، من سنة ١٩٥٢ حتى وفاته سنة ١٩٥٩ ، بوضع استراتيجية اسماها : استراتيجية سلسلة الجزر ( Island Chain Strategy ) ، والتي تم تبنيها كاستراتيجية دوليه للولايات المتحدة .
وقد تمثلت عناصر هذه الاستراتيحيه واهدافها في ما يلي :

1. اقامة ثلاثة خطوط دفاعيه ، عن الولايات المتحده ، في مواجهة اعدائها آنذاك ، الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين الشعبية وجمهورية كوريا الديمقراطية ( الشماليه ) .
2. تقوم هذه الاستراتيجيه على سيطرة الولايات المتحده على سلسلة جزر ، تقع في بحر الصين الجنوبي وتمتد من سواحل جنوب فيتنام وماليزيا ، في جنوب بحر الصين الجنوبي ، مروراً بجزيرة تايوان وشمال جزر الفلبين ، وصولاً الى جنوب اليابان وجنوب كوريا ( كانت الحرب الكوريه في اوجها آنذاك ولم يكن التقسيم قد حصل بعد ) ، اي وصولاً الى بحر الصين الشرقي وجزر ساخالين الروسيه على سواحل المحيط الهادئ . وهو ما يشكل خط صد اولي ، حسب تلك الاستراتيجيه ، للاتحاد السوفييتي وحلفائه ( كانت الصين الشعبيه لا زالت حليفة لموسكو آنذاك ) .
3. اقامة خط دفاع ثان ، في مواجهة الخطر السوفييتي الصيني المزعوم ، عبر السيطرة على مجموعة جزر اخرى ، تقع الى الشرق من الخط المشار اليه اعلاه ، وتمتد من شمال جزيرة سولاويزي ( Sulawesi ) جنوب الفلبين ويمتد حتى خليج طوكيو شمالاً .
ويمتد هذا الخط ، حسب البيانات الرسميه الاميركيه آنذاك ، من جزر بونين ( Bonin ) وڤولكانو (Volcano ) اليابانيه ، الواقعه جنوب شرق اليابان ، وحتى جزر ماريانا ( Mariana ) الاميركيه ، الواقعه شمال جزيرة غوام الاميركيه ، شمال غرب المحيط الهادئ .
3. اما خط الدفاع الثالث فيمتد من جزر ألويتيان ( Aleutian Islands ) ، التابعه لولاية الاسكا الاميركيه ، والواقعه في بحر بيرنغ ، شمال المحيط الهادئ ، الى الى جزر هاواي في شمال المحيط الهادئ ايضاً ، وصولاً الى منطقة أوشانيا ( Oceania ) ، التي تبلغ مساحتها ثمانية ملايين ونصف المليون كيلومتر مربع ، وهي المنطقه التي تربط شرق الكرة الارضية بغربها ، وتشمل كلاً من استراليا ونيوزيلاندا ، بالاضافة الى مجموعة جزر بولينيزيا ( Polynesia ) ، الواقعه جنوب شرق استراليا ، ومجموعة جزر مايكرونيزيا ( Micronesia ) ، التي تقع شمال وشمال شرق استراليا ، الى جانب مجموعة جزر ميلانيزيا ( Melanesia ) الملاصقه لشمال شرق اوستراليا ، التي تبعد حوالي تسعة آلاف كيلومتر عن سواحل الصين جنوباً.

(توضيح : جزر هاواي تقع في شمال المحيط الهادئ وعلى بعد اربعة آلاف كيلومتر من سواحل ولاية كاليفورنيا الاميركيه ، بينما تقع منطقة أوشيانيا في جنوب المحيط الهادئ ، وتبعد عن مجموعة جزر هاواي ثمانية آلاف كيلومتر .اي ان خط الدفاع الاميركي هذا ، يمتد مسافة عشرة آلاف كيلو متر تقريباً ، من الشمال الى الجنوب ).

4. اما اذا نظرنا الى الواقع الاستراتيجي الدولي ، في الوقت الحاضر ، فاننا لا بد ان نلاحظ فشل هذه الاستراتيجيه الاميركيه التوسعيه . فرغم انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتغير موازين القوى في اوروبا ، فان الولايات المتحده قد فشلت في احتواء وريثة الاتحاد السوفييتي ، روسيا الاتحاديه ، كما فشلت في منع الصين من التحول من قوة برية ( غير بحريه / او بلا اساطيل بحريه ) الى دولة عظمى ، تنافس الولايات المتحده على المكانة الاقتصادية الاولى في العالم ، ودولة بحرية اسقطت خطوط " الدفاع " ، التي حاولت الولايات المتحده اقامتها ، في بحار الصين وبحر اليابان وغرب المحيط الهادئ ، فيمااقامت هي مناطق محظوره ومناطق يمنع دخولها ( وهي ما يطلق عليها اسم مناطق ( AD/ A 2 ) على الاساطيل البحريه الاميركيه المنتشره في محيط تلك البحار .

ويبقى السؤال الاهم هو : ماذا تعني هذه التحولات ، في موازين القوى الدوليه ، وما هي تأثيراتها وتداعياتها على هيمنة الولايات المتحده الاحادية على العالم ، خلال العقود الثلاثه الماضيه ؟

ان اهم تأثيرات وتداعيات هذه المتغيرات ، على مكانة الولايات المتحده وسطوتها في العالم ، هي التاليه :

أ)نجاح روسيا في اعادة بناء قوتها العسكريه الجبارة ودخولها عالم الاسلحة الاعلى دقة وتقنية في العالم ، سواءً في المجالات البريه / المدرعات والمدفعيه الصاروخيه / او في المجال البحري / الغواصات والصواريخ البحرية الفرط صوتيه ، او في مجال الاسلحة الجو فضائيه ، من طائرات تفوق جوي لا مثيل لها / ميغ ٤١ / او الصواريخ الاستراتيجيه الفرط صوتيه او منظومات الرادار التي تكشف ما وراء الافق او غير ذلك من اسلحة مذهلة ، اسقطت خطوط دفاع جون فوستر دالاس الوهميه .

ب)بلوغ الصين مرحة بناء الثالوث النووي الصيني ، المكون من :

•قاذفات القنابل الاستراتيجيه الصينيه ، من طراز H 20 ، وهي قيد الخدمه منذ سنتين ، الاان الكشف عنها سيتم في معرض تشوهاي الجوي، في شهر ١١/٢٠٢٠ ، وهي طائره قادرة على حمل صواريخ نوويه شبحيه وفرط صوتيه ، لا يمكن كشفها من قبل اية انظمة رادار في العالم ، ويبلغ مداها عشرة آلاف كيلومتر . مما يجعلها قادرة على قصف القواعد الاميركيه في هاواي واستراليا .

وهذا يعني سقوط خط الدفاع الاميركي الثالث ، المشار اليه اعلاه ، من خلال امتلاك الصين لهذه القاذفة العملاقة ، التي توازي في مواصفاتها احدث القاذفات الاميركيه الاستراتيجيه ، مثل القاذفة B 2 والقاذفة B 21 .

•سلاح الغواصات الصينيه ، القادره على حمل رؤوس نوويه ، والمنتشرة في جميع بحار العالم ، اضافة الى استكمال الجيش الصيني لتجهيز البنى التحتيه العسكريه ، الضروريه للدفاع عن الجزر الصينيه المنتشره في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي ، كما كتب جيمي سايدِل ( Jemie Seidel ) بتاريخ ٢/١/٢٠٢٠ في صحيفة نيوزيلاند هيرالد ( New Zealand Herald ) .

وهذا يعني اسقاط ما اسمته الولايات المتحده ، في استراتيجية سلاسل الجزر ، خط الدفاع الثاني عن الولايات المتحده وذلك من خلال تكريس السياده الصينيه على هذه البحار وبناء القوه البحريه القادره على الدفاع عنها وحمايتها .

•تطوير سلاح الصواريخ الاستراتيجيه الصينيه ، وصولاً الى صاروخ دونغ فينغ ٤١ ( معناها : الرياح الشرقيه ) / DF 41 / وهو صاروخ يمكن تحميله برؤوس حربية نووية او تقليديه وتبلغ سرعتة ثلاثين الفاً وستمائة وستة وعشرون كيلومتراً في الساعه ويبلغ مداه عشرة آلاف كيلومتر ويمكن اطلاقه من قواعد ارضية ثابته او من عربات اطلاق متنقلة .وهو قادر على اصابة جميع الاهداف الاميركيه الواقعه ضمن دائرة عشرة آلاف كيلومتر .
كما انضم اليه ، منذ شهر ١٠/٢٠١٩ ، شقيقه دونغ فينغ / ١٠٠ / ذو المدى المتوسط والمتخصص في ضرب الاهداف البحريه ، من قواعد ثابتة وحاملات طائرات عائمة ، والذي اسمته مجلة ذي ناشيونال انتِرِست الاميركيه ، في مقال لها بتاريخ ١٧/٤// ٢٠٢٠ : قاتل الحاملات .

وهذا يعني ما يلي :

انكشاف استراتيجي كامل لكافة القواعد العسكريه الاميركيه ، جوية كانت ام بحرية ، الى جانب كافة الاساطيل البحرية الاميركيه ، السابع في غرب المحيط الهادئ والخامس في الخليج الفارسي وبحر العرب وغرب المحيط الهندي ، اضافة الى الاسطول السادس في البحر المتوسط ، انكشافها تماماً امام الاسلحه الصاروخيه الروسيه والصينيه ، التي ستساندها الصواريخ البحريه لكل من كوريا الشمالية وايران .

وهو ما يجعل هذه الاساطيل الاميركيه عديمة الفعالية وغير قادرة على تنفيذ اي مهمات قتالية على الاطلاق وذلك لان نتيجة الدخول في اي معركة مع الصين او روسيا او الاثنتين معاً ستكون بمثابة معركة كاميكاز ( الانتحاريون اليابانيون كانوا يسمون بالكاميكاز ) خاسره تماماً . وهذا ما يعلمه قادة البنتاغون تماماً منذ زمن وليس فقط منذ بداية التوتر الحالي بين الصين والولايات المتحده .

وفي هذا السياق لا بد من اضافة الخرق الاستراتيجي ، الذي حققته ايران ، بالتنسيق مع الحليف الروسي والصيني بالتأكيد ، من خلال عملية ارسال ناقلات النفط الايرانيه الى فنزويلا ، مع ما يشكله هذا الخرق من تداعيات ، ليس فقط على سمعة الولايات المتحده في العالم بشكل عام ، وانما على انكشاف الاسطول الاميركي الرابع ، المكلف بأمن البحر الكاريبي وجنوب اميركا ، ما يعني ان من الافضل ، للولايات المتحدة وتوفيرا للانفاق ، اخراج هذا الاسطول من الخدمة واحالته الى التقاعد كما كان عليه حاله قبل ان يقوم الرئيس اوباما باعادته الى الخدمه بتاريخ ٢٤/٤/٢٠٠٨ .
فاذا كان الزعيم الصيني  العظيم ماوتسي تونغ قال يوماً ان الامبريالية نمر من ورق ، فهاهي التحولات العالمية الكبرى وفي الطليعة ما فعلته ايران في رحلة الكاريبي المزمجرة بوجه هذه الامبريالية المتجبرة تحول نبوءة ماوتسي تونغ الى حقيقة ميدانية ملموسة : امريكا نمر من ورق..!

وفي الختام لا بد من التأكيد على ان سقوط " خطوط الدفاع " الاميركيه ، التي هي خطوط عدوان على الدول في الحقيقه ، واسقاط قانون القرصنه البحريه الاميركيه ، عبر الخرق الاستراتيجي القاري ، الذي حققته ايران في حرب المضائق ، من مضيق مالاقا شرقاً بارسالها اربع ناقلات نفط ايرانيه الى الصين ، ومضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق غرباً ، حيث ارسلت ايران خمس ناقلات نفط ايرانيه ، عبرت كل هذه البحار ومنها الاطلسي لتصل الى البحر الكاريبي وتفرغ حمولتها في الموانئ الفنزويليه ، نقول انه لا بد من التأكيد على ان التغير الهام في موازين القوى الدولية لا بد ان يقود الى انتاج اقطاب دولية جديده ، ستكون ايران احدى محركاتها الرئيسية ، لقيادة العالم الى الاستقرار الاستراتيجي ، الذي لا يمكن الاستغناء عنه لتأمين السلم الدولي واقامة نظام دولي أكثر عدالة يكون مستنداً الى القوانين الدولية المتعارفة ، والتي تنظم العلاقات بين الدول بشكل متكافئ كما يفترض، وليس الى قانون القرصنة البحرية الاميركيه ، الذي اضيف اليه ، بعد احداث ١١ ايلول ٢٠٠١ ، قانون القرصنه الجوية الاميركي .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى