دراسةسياسةمحليات لبنانية

العامليون عرب اقحاح.. لا إيرانيين:مختصر مفيد من التاريخ الموثق!(محمد سعيد بسام)

 

بقلم الدكتور محمد سعيد بسام*

منذ سنوات، خُيّر اللبنانيون صراحة من لدن الأمريكيين (عهد ترامب) بالخلاص من حزب الله او الموت جوعا. ومن يومها تقاطعت احداث مدمرة في لبنان: حصار ودولار وانهيار، حراكات وانتفاضات، وحملة سياسية متعددة المنابع والمشارب قوامها: حياد لبنان بنسخ بطركية متعددة (كيف وأين، هل بين العرب وإسرائيل،). وزاد آخرون تلاعبا في التاريخ: لبنان قام 1920 على الحياد، أي حياد، لبنان قام على التقطيع والتوصيل القسريين، شكّله الفرنسيون وفق دراساتهم ومصالحهم لا مصالح الموارنة؛ والوثائق جاهزة لأي نقاش على الرغم من تسليم دستور اليوم بعروبة لبنان وبكونه وطنا نهائيا لجميع بنيه!

وعلى حياده المزمع، يقتضي نزع كل سلاح في لبنان، لأن تدخُّل حزب الله في سوريا (ضد داعش والنصرة وغيرها) يسقِط عنه سمة المقاومة، ويحيله، ببساطة، ميليشيا إرهابية كداعش وغيرها، مع ان داعش والنصرة تهاجمان المناطق الشيعية في انحاء لبنان. وعليه، طرح البعض وجوب نزع سلاح المقاومة (فترتاح إسرائيل بداهة)، لا ضبطه او تنظيمه (ليرتاح لبنان فعلا)، واعتُبر حزب الله وسلاحه دويلة تهيمن على الدولة، (وهو عمليا لم يستطع تمرير مرسوم مأموري الاحراش منذ 5 سنين، بذريعة التوازن الطائفي اللادستورية) ، .

هذا الى ان اطلقت شعارات عرقية عنصرية، كانت قد راجت في مطالع القرن العشرين، عن الأصل الفارسي للشيعة، على لسان الاب لويس شيخو اليسوعي (1859/1927م) في مجلة المشرق، ومن هذه المقولات اليوم: الشيعة (او بعضهم سيان) جالية إيرانية في لبنان، إيرانيون في لبنان، حرس ثوري إيراني، احتلال إيراني في لبنان، وآخر مهزلة كان اطلاقها مستغربا على لسان ارمينية (مع الاحترام للنوع) تلبننت حديثا، تقول مع شبيهاتها المشبوهات: “لا يشبهوننا”، هذا دون ان نعلم شيئا عن معارفها الاتنولوجية والانتربولوجية، وأيّنا الأصل وايّنا الفرع ليكون النموذج في لبنان،

ولفداحة الامر ومسؤوليته انتظرت رجالات الثنائي الشيعي واقطابه تولّي الرد على إهانةٍ عنصرية كهذه، وعلى مشروع ينبئ بمصير عاثر للبنان، كُرمى لاسرائيل: منه الفدرلة وربما يستبطن التقسيم للبنان منزوع السلاح، وحتى الأمس، 31 أب 2022 لم يعطَ هذا الامر حقه التاريخي المادي والمعنوي لا من “السيد” ولا من “الأستاذ”، فاراني انبري للأمر شخصيا، علميا وموضوعيا وتاريخيا وامري لله ، خدمة للبنان العربي الواحد، وطنا نهائيا لجميع بنيه! مهما ارجف المرجفون دون تعميم، باحلامهم الشيطانية المدمرة للبنان – الكيان، معتذرا مسبقا من الأصدقاء.

لقد شعرت شخصياً أني، وآلاف امثالي لا بل طائفة بمجملها، نُطعَن بكينونتنا الإنسانية والقومية والوطنية، لا لشيء الا لاسباب سياسية طائفية مسقَطة بتوجيهات مريبة على لبنان – الكيان، عبر افتراءات على مكوّن لبناني اصيل منذ التاسيس، عانى طويلا من مرِّه ولم ينعم يوما بحلاوته، “عليه الغرْم ولغيره الغنْم”، منذ كان ثمة مركزٌ وملحقات، واهمالٌ في مناطق الحدود، واحزمة بؤس في المدن، وهذه وقائعُ ملموسة لا انشائيات، الى ان بدأ بتعديلها القائد التاريخي الامام موسى الصدر(في الستينيات الغابرة) بمؤازرة وعرفان من بعض النخب اللبنانية الوطنية الموضوعية اللاطائفية الحالمة بوطن، من ريمون اده الى غسان تويني! ومن الجامع العمري الى كنيسة الكبوشية، و و و ولحق العامليون بركب التنامي والتطور والتقدم بجهدهم وجهادهم! فكيف يُرمون اليوم “بالايرانية” من قبل مراهقين سياسيين حاقدين عدائيين، أهي رمية طلاق ام طلقة إزهاق، أفلا عودة لنا كمواطنين اخوة، ومن يقسّم الارزاق والاعناق، وكيف كيف لم يبادر الثنائي الشيعي للرد على هذا “الحرْم الوطني”، فإن كانوا كاقطاب وأحزاب قلّما يمسهم الامر في سلطويتهم، فانا كفرد ومواطن مهيض الجناح، تعبت على نفسي “كل شبر بنذر”، من ابوين اميين حتى انتهيت أستاذا في الجامعة اللبنانية، احس اني أُطعن من اخي المواطن في كينونتي الإنسانية اللبنانية والقومىة العربية.  

عن نفسي وامثالي، كما أسلفت، لن ارضى بهذه الفوقية البالية، والاهانة اللااخلاقية واللاعلمية، فشيعة لبنان (وانا العلماني) صاروا من عليّة القوم، وبدءاً بنفسي: انا مواطن لبناني عربي! لا فرنسي ولا إيراني (مع كل الاحترام) عاملي جنوبي شيعي بالولادة، علماني بالنشأة والثقافة، عقيدتي الدينية لنفسي بيني وبين الله، والوطن للجميع! لا علاقة لي، ولكثرة كاثرة غيري، “بولي فقيه”،!عشت منضبطا خاضعا لقوانيين لبنان- العرجاء- وضرائبها وتحولاتها مع الازمنة. وعليه، فلا احد يضاهيني في وطنيتي اللبنانية وقوميتي العربية قولا وعملا، يمينا او يسارا، و!علن امتعاضي وانزعاجي من شريكي في الوطن لاتهاماته المزعومة (بالتعميم العبثي) بالنسب الإيراني او بحرسه الثوري او باحتلاله للبنان، هوذا كلام واقوال، وفي الأفعال يبنى على الفعل مقتضاه.

وقبل النقاش لِما سبق من ترهات، نسأل: ماذا يستبطن القائلون بفارسية العامليين، هل ترحيلهم الى فارس كما اشيع في حرب 2006، او تركهم فريسة معزولة منزوعة السلاح لإسرائيل، العامليون لا يَرحلون والتاريخ يشهد، وما اُكلوا من قبل ليؤكلوا اليوم، ولا نزيد حرصاً على لبنان الوطن!

وبعدُ، نبدأ النقاش العلمي الموضوعي من اجل لبنان الواحد النهائي لجميع بنيه ؟!

الشيعة العامليون ليسوا إيرانيين ولن يكونوا، مع التقدير للقوم، وأن يُتهموا “بالايرانية” مهانة ما بعدها مهانة، لانهم “قوم عرب خُلّص حسبا ونسباً” من “عاملة”، من قلب الجزيرة العربية، ثم اصبحوا مسلمين سوريين عثمانيين، ثم لبنانيين عربا 1920؛ وقاوموا الفرنسيين في جبل عامل 1919/1920 و1936 (مهما انكر مقاومتهم وحقّرها اعداؤهم، وبعض الشيعة الجاهلين بالتاريخ، والوثائق الفرنسية تشهد لهم). والعامليون العرب آخوا الفلسطينيين في نكبتهم؛ حتى وقعوا تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ فانطلقت فصائلهم المقاومة المتنوعة (علمانية مدنية قومية يسارية، ودينية مستلهمة نهج الامام موسى الصدر المقاوم للشر المطلق، إسرائيل) بمساعدات مختلفة: عربية وايرانية وعالمية؛ حتى كان تحريرهم عام 2000، بآلاف الشهداء والجرحى والمعوقين والايتام ووو ،وأخيرا بمساعدة ممتدة سورية – ايرانية بخاصة، متصاعدة الكترونيا ومخابراتيا بامتياز! وكان ذلك دينا ثقيلا على كاسبيه العامليين، على الاقل! لا يعدله أي شكر.

بعد التحرير الكبير عام 2000، بقيت، بالمفهوم السيادي السائد، ارض لبنانية محتلة (مزارع شبعا ومحيطها) والاف الامتار حول الخط الحدودي الأزرق، كما ظل في الاسر شباب ابطال مقاومون فدائيون لا يُتركون في السجون، ورفات واجداث تقتضينا العزة والسيادة اللبنانية تحريرهم: واجبا ووفاء،! ولما نفّذت المقاومة واجبها الوطني السيادي لتحرير الاسرى عام 2006، “زجّت” نفسها ومجاهديها وأهلها وبيئتها، قبل غيرهم، في حرب “جهادية” في وجه اسرائيل عنوانها “النصر او الشهادة”، وكانت نتائجها المادية والمعنوية، على المستوى اللبناني والعربي والعالمي، اغلى من كل التضحيات، وفوق كل التوقعات ،! دُحِر المعتدي مخذولا بعد 33 يوما من الصمود اللبناني والقتال الضاري، وعاد خائبا لأول مرة بلا قيد ولا شرط، انها وقائع ومنازلات لا انشائيات.

لكن المؤلم ان فريقا في لبنان شكك بالنصر، واختصر تلك الحرب السيادية بأمرين نكديين: الأول، ان السيد نصرالله وعدهم بصيف سياحي هادئ ولم يفِ بوعده.

– وما الجريمة في ذلك وسيد المقاومة نفسها، كان  قد وعد، وعلى الملأ، بتحرير الاسرى اللبنانيين مهما كلف الثمن، دونما اعتراض من احد، وقد سنحت الفرصة الذهبية الأمنية التي لا تعوض للتحرير، ما اضطر السيد للاخلال بالصيف السياحي الذي يمكن تعويضه، وكان مشهدا قتاليا سياديا لبنانيا باهظ الثمن على العامليين، قليلَه على باقي اللبنانييين، عظيمَه على السيادة والمنعة اللبنانية، بحيث لمس المراقبون بعده، ان الإسرائيليين، الجيش الرابع في العالم، والذي لا يقهر، قُهروا ويتحاشون الاعتداء والتغطرس على لبنان حتى اليوم، 2022؛ هذا نسبة الى عدوانيتهم الفاجرة المستمرة على الشقيقة سوريا المأزومة المحاصرة، واسرائيل ما امتنعت، ولن تمتنع عن لبنان مستقبلا، الا باستمرار المقاومة اللبنانية، أسلوب “حرب الأنصار” المشهودة المجربة في الحروب من الدول الضعيفة عسكريا بوجه كل احتلال همجي، محمي دوليا، وبعدُ، يزعم بعض اللبنانيين ويهزجون انهم سياديون، السيادة بدّا أهلها، على الأقل العامليون من أهلها؟!

والامر الثاني، سؤال صحافي أُحرج به السيد نصرالله بصفته المسؤول عن “امة”، القائد الأسير لِما لمسه من اللبنانيين عموما ومن العامليين خصوصا، من إقدام وعطاءات بلا حدود، وتضحيات بلا إحجام، ودمار فوق التصور، وآلام بلا تأفف.سُئل السيد العاطفي تجاه الناس: لو كنت تعلم ان هذا الاسر سيجر عليكم هذه التضحيات ، هل كنت ستقدم عليه، هو قدم ولده شهيدا لعاملة بلا تردد، محتسبا شهادته مسبقا وما ضعُف، لكن جوابه الان كان بعفوية وضعف امام كرم العامليين وحبهم وتضحياتهم، أجاب خاشعا: لو كنت اعلم لَما أقدمت، وتلقف المأجورون الداخليون قبل الخارجيين هذا الجواب على حرْفيته النّصية. السيد يعترف بانه أخطأ الحسابات، لم يكن بمستوى المسؤولية، لو درى لَما فعل.

اما انا فاستأذن السيد لأظن بان سماحته جانب الحقيقة، سيكولوجيا، لأول مرة في حياته، وأمْره وامري لله، فأتصور ان جوابه كان مشاركة انسانية للبنانيين بعامة ولبيئته الشيعية بخاصة، في شهدائهم وجرحاهم وايتامهم وتضحياتهم وخسائرهم وتشردهم و”شنططتهم” وسهَرهم وخوفهم وجوعهم و و ومعنوياتهم العالية تردد: “كلو فداء اجر السيد”، هذه الإجابات بالمئات هدّت معنويات الإسرائيليين، قبل ان شدت ازر المجاهدين، أمام كل تلك المأساة الإنسانية جامل السيد بيئته بانه لو درى لَما فعل، وتلقفها المغرضون للتشهير والتجريح، السيد يخطئ الحسابات،! أيها المتفذلكون، جواب السيد الصريح والمحسوب كان صباح 12 تموز 2006، امام الصحافة العالمية، قال: لو جاء العالم باجهزته، ومهما كانت التضحيات، لن يطلَق سراح الاسيرين الا بمفاوضات غير مباشرة وتبادل الاسرى، السيد لم يخطئ الحسابات، هوذا الجواب الفعلي والعملي! والاستعدادات العسكرية المسبقة كانت العدة والحجة، وهكذا كان! كما شاء السيد واحتسب! وأطلق الاسرى وعميدهم سمير القنطار بعد 29 سنة من الاسر،! ونحو 200 رفات لشهداء سابقين، لهم الخلود! مفخرة سيادية ما بعدها مفخرة، ولو كلفت فيما كلفت ما ينوف عن الالف شهيد،! وعلى الرغم من ملايين القنابل العنقودية التي زرعها العدو في الجنوب، كانت عودة العامليين الفورية الى قراهم، تلبية لنداءات زعماء الثنائي الشيعي، تعبر عن المعدن البشري للعامليين – الجنوبيين القحّامين!

إن القيَم العربيةالمجيدة لا تسمح للبنانيين العامليين بالخزي والخنوع. والتاريخ يشهد:

 1)إنهم “اخذوا “البصيصة” (قرية البصة في الجليل) من ظاهر العمر بدل البريصة” (فرس ناصيف النصار البريصة التي سلبها عربان ظاهر) 1750 م.

 2) وتشهد لهم مقولة: “يا شيخ جب ارخيني وخذ القبق والسكينة”(تروى عن مقاتلي الشوف الهاربين في معركة كفر رمان 1771 م).

 3) ويشهد لهم استشهاد البطل الوائلي ناصيف نصار في مقدمة جيشه العاملي بمواجهة احمد باشا الجزار، على بلاطة يارون عام 1780م، دفاعا عن جبل عامل.

 4) وتشهد لهم مقاومة أبناء ناصيف (حمزة ومحمد) لحكم الجزار 1783م، حتى استردوا حكمهم واملاكهم عام 1805م على زمن سليمان باشا والي عكا،

 

5) وبسالة العامليين بقيادة حمد البك تشهد لهم في ملاحقة فلول جيش إبراهيم باشا المصري، جنوبا نواحي رميش، نحو 1840م،

 6) وتصدي فتيان العامليين للاحتلال الفرنسي 1919/1920 بقيادة صادق الحمزة وادهم خنجرومحمود الأحمد بزي،والمئات معهم تشهد لهم وثائق الفرنسيين انفسهم!

 7) وانتفاضة التبغ والوحدة السورية عام 1936 من بنت جبيل الى عموم انحاء الجنوب اللبناني، تشهد لها وثائق مجلس النواب اللبناني بلسان النائب كميل شمعون.

 

هذا غيض من فيض لبنانية العامليين وعروبتهم، واريحيتهم وتضحياتهم في سبيل القيَم والأرض والعرض. فإن كان بعض اللبنانيين يأخذون عليهم عِظَم تضحياتهم في سبيل سيادتهم واستقلالهم! فهم “لا يشبهونهم”، ولا نزيد.

* اكاديمي وباحث في التاريخ ، عيناثا في2 أيلول 2022

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى