سياسةمحليات لبنانيةمن هنا نبدأ

عودة النازحين السوريين.. و”التخبيص خارج الصحن”(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

 

في شهر شباط/فبراير المنصرم،وإثر الزلزال الكارثي الذي ضرب تركيا،طُرحت بقوة أزمة النازحين السوريين في البلدان المجاورة،سواء في ظل ما أصاب اللاجئين من أضرار بشرية ومادية، أم بسبب “ضيق الأتراك” من وجود هؤلاء في أرضهم لأسباب مختلفة.

اليوم تعود أزمة النازحين في لبنان إلى الواجهة ،في ظل موجة النزوح الجديدة من سوريا إلى لبنان ،والتي يبدو لبنان عاجزا عن كبحها لأسباب سياسية وأمنية ولوجستية باتت معروفة.

والمشكلة أن معالجة هذا الموضوع ،سواء في لبنان أو الدول المجاورة،تجري بالآليات والاقتراحات والطروحات نفسها التي لم تؤد في السابق إلى نتيجة،وهي لن تؤدي إلى نتيجة،على الرغم من قرار الحكومة اللبنانية إيفاد وزير الخارجية اللبنانية عبد الله أبو حبيب إلى دمشق لمناقشة هذه القضية مع المسؤولين السوريين.

في شباط الماضي قلنا باختصار شديد إن المطلوب “عودة سوريا قبل إعادة النازحين”، وإلا فإن الحديث عن عودة النازحين وفق الآليات المطروحة سيبقى مجرد “تغميس خارج الصحن” ،والأصح أنه سيظل “تخبيصا خارج الصحن”.

 

وقلنا يومها أيضا إن الأرقام تتزاحم حول عدد اللاجئين السوريين خارج سوريا. فمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تتحدث عن نحو سبعة ملايين.لكن الدول المضيفة تؤكد أن العدد قد يصل إلى عشرة ملايين.فبين تركيا ولبنان والأردن والعراق قد يصل العدد إلى أكثر من ثمانية ملايين. ولبنان وحده يستقبل ما يقرب من المليونين.

في ظل هذا العدد المهول يبدو الحديث عن عودة اللاجئين إلى سوريا ضربا من الوهم في فترة زمنية قصيرة،في ظل الأوضاع المركّبة والتداخلات المعقدة والظروف الصعبة التي تعيشها سوريا.

فسوريا اليوم مقسّمة إلى ثلاث مناطق ،إن لم يكن الأصح “ثلاث دول”: واحدة تسيطر عليها الحكومة السورية ،وثانية المعارضة تحت الوصاية التركية ،وثالثة قوات سوريا الديموقراطية “قسد”(الأكراد) تحت الوصاية الأميركية.

كان يمكن لسوريا بمساحتها الكاملة أن تستعيد أبناءها اللاجئين ،لو كانت دولة واحدة موحدة ،أيا كان من يحكمها ،لأن هيكل الدولة ومؤسساتها قائمة ، بخلاف “الدولتين” الأخريين. لكن واقع سوريا اليوم لا يشجع على عودة عشرة ملايين لاجئ، في ظل الأوضاع الاقتصادية والبنيوية الصعبة الناجمة عن الحصار والعقوبات والمقاطعة العربية والدولية التي رافقت الحرب وأعقبتها. من هنا تنبع مسؤولية المجتمع العربي والدولي في “إعادة سوريا” قبل التفكير بإعادة اللاجئين.

والواقع أنه منذ ذلك الحين (أي منذ شباط الماضي) لم يتغير شيء،إن لم يكن من البديهي القول إن أوضاع سوريا ساءت أكثر فأكثر،نتيجة التداخلات العربية والدولية التي استجدت وحركت الأوضاع السورية من جديد ،وكانت أحداث السويداء ودير الزور وفشل الاتصالت السورية التركية ،نموذجا واضحا على هذا الصعيد.

في ظروف سوريا الراهنة ،ليس من المنطق والعقل ، إعادة ثمانية ملايين سوري إلى أرضهم وإلقائهم في حضن الرئيس بشار الأسد وحكومته.فبالكاد سوريا اليوم قادرة على رعاية المقيمين فيها. صحيح أن المسؤولين السوريين رحّبوا أكثر من مرة بعودة اللاجئين ،لكن الحقيقة المرة أن هؤلاء يعرفون جيدا أن سوريا غير قادرة على استيعابهم في ظروفها الحاضرة.

لقد جرت سابقا محاولة حثيثة بين لبنان وسوريا لإعادة اللاجئين من لبنان ،وتولى هذه المهمة أكثر من مسؤول ،وعلى رأسهم المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ،وتم الاتفاق على إعادة 15 ألف لاجئ شهريا من أصل مليون ونصف المليون ،فتبين حسابيا أن هذه الخطة يتطلب تنفيذها أكثر من 8 سنوات.

أمام ما تقدم ،ثمة خطوات كثيرة يفترض تنفيذها قبل التفكير بإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا،ومنها:

أولا: قرار عربي دولي بفك الحصار وإزالة العقوبات عن الدولة السورية.

ثانيا:إعادة توحيد سوريا بعودة المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة إلى حضن الدولة السورية. وهذا يتطلب قرارا سياسيا دوليا صارما لا تبدو معطياته متوفرة حتى الآن.

ثالثا: ضخ كمية هائلة من الأموال العربية والدولية لإعادة بناء ما هدمته الحرب في سوريا.

رابعا:دعم الاقتصاد السوري الذي يعاني من ظروف صعبة لكي تتمكن سوريا من النهوض من جديد.

 في ظل هذه الخطوات يمكن وضع خطة متدرجة لإعادة اللاجئين، خاصة وأن سوريا ستحتاج عندها لأيدي عاملة ومهنية سورية موجودة اليوم في الخارج.

 

تبدو للوهلة الأولى أن هذه الخطوات طوباوية في ظل الواقع الدولي والعربي،خاصة في ظل “الحرب العالمية” في أوكرانيا. ومن هنا تبدو الحقيقة مُرّة في ماخص موضوع اللاجئين،لا سيما أن وجودهم راح يضغط على الدول المجاورة، لا سيما لبنان والأردن وتركيا،التي تعاني من أوضاع معيشية واقتصادية صعبة. وعليه ، ُيخشى أن تكون المنطقة أمام كارثة لجوء جديدة تحاكي كارثة اللاجئين الفلسطينيين .

 

لم يعد خافيا على أحد أن ثمة من لا يريد عودة النازحين السوريين ،بل أكثر من ذلك ثمة من يشجع على بقائهم في لبنان لأسباب باتت متداولة علنا ،ليس أقلها إبقاء لبنان في دائرة الدوامة المخيفة التي يعيشها للضغط على قوى لا تنسجم مع متطلبات الغرب،وبالتالي الحؤول دون تدفق مزيد من السوريين إلى أوروبا ،فضلا عن المكاسب التي تحققها بعض المنظمات غير الحكومية من وراء “تجارة النزوح”.

بناء على ما تقدم ،سواء ذهب وزير الخارجية اللبنانية إلى دمشق،أم ذهبت الحكومة اللبنانية كلها إلى العاصمة السورية ،وبالآليات والطروحات التقليدية،فإن ذلك سيبقى تغميسا وتخبيصا خارج الصحن ،لأن المشكلة هي في عودة سوريا قبل عودة النازحين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى