سياسةمحليات لبنانية

حزب الله وتحييد لبنان

 

إن التوجّه العام عند بعض الأطراف في لبنان ومن يدعمهم خارجه (الولايات المتحدة خصوصاً) هو توجيه اللوم المباشر على حزب الله وسلاحه ودوره في المنطقة وتحميله عبء كل الأزمات التي يعيشها الاقتصاد اللبناني والمعاناة التي تطال اللبنانيين في أكثريتهم الساحقة، حتى الذين يخالفونه في توجّهاته في الداخل والخارج.  ولقد كثر الكلام مؤخراً، وهو ليس بجديد طبعاً، عن حياد لبنان وتحييده وبقائه بعيداً عن كل ما يجري من حوله من أزمات متنوعة ليبقى سالماً من كل المخاطر والموبقات.
وموضوع الحياد أو التحييد يؤشّر في مضمونه المباشر إلى حزب الله وتدخّله في أكثر من موقع يعيش صراعات المحاور التي تشتعل من حولنا. ولا شك أن التهجّم على الحزب بدأ يتخذ منحى مغايراً عما سبق من قبل، فحيث لم تنفع العقوبات على قادته ومن يناصره، ولم ينفع ضخ المليارات للإساءة إلى سمعته وخصوصاً ما يتعلّق بأمينه العام، فقد بدأ العقاب يصبّ جام قسوته على لبنان واقتصاده ليحمل داخل بيئته ردود فعل ضد الحزب وسياساته العامة، وليزداد الضغط خارج بيئته بتحميله كل المسؤولية لما آل إليه وضع لبنان عموماً والمعيشي منه خصوصاً.
إن قضية تحييد لبنان الجديدة القديمة تعود بنا إلى تلك المقولة الشهيرة في أن قوة لبنان في ضعفه، وأن نأيه عما يجري حوله يشكّل ضماناً آمناً لسلامته، ولقد أثبتت الوقائع التاريخية والسياسية في كثير من المناسبات خطأ تلك المقولة وخطورة العمل في إطارها، حيث لم ينجُ لبنان من الكيان الغاصب وغيره إلا عندما أصبح قوياً في مقاومته التي أحرزت النصر في كثير من الجبهات، ليصبح لبنان بمأمن لم يعهده منذ احتلال فلسطين، بالإضافة إلى التغلب على النزعة التكفيرية العسكرية التي أرادت الشرّ بلبنان كل لبنان، وبأهله كل أهله.
ليست المسألة في لبنان التطلّع إلى حياد إيجابي أو انحياز سلبي، لكنها خيارات استراتيجية ذات عبث تكتيكي من هنا وهناك يضيّع البوصلة الحقيقية. إن الصراع بين اللبنانيين لا ينحصر في مكاسب داخلية في السياسة والاقتصاد وغيرهما، لكنه يمثّل حالة انضواء كل فريق إلى محور يسير في ركابه ويتماشى ضمن مصالحه ومندرجاته. فالحياد الذي ينادي به الكثيرون في هذه المرحلة بالذات يمثّل خنقاً لسوريا وشعبها، وتركيعاً للبنان تالياً وتجويعاً لشعبه. ويمثل نصراً لاسرائيل في السطو على ثرواتنا في البر والبحر، وما نشهده حالياً، وخصوصاً اندفاع الولايات المتحدة لإنهاء هذا الملف يؤكّد ما نقول.
إن هذا الحياد يجعلنا لقمة سائغة لإسرائيل وغيرها خصوصاً وأنه من غير المسموح أن يتسلّح الجيش اللبناني أو أن يشكّل قوة ردع ضد أية مخاطر خارجية. إن هذا الحياد، مع الدعوة لنزع سلاح المقاومة، يعيدنا إلى الضعف الذي عانى منه اللبنانيون طويلاً، وخصوصاً أهل الجنوب منهم، وهذا ما لا يقبله من يعتبر إسرائيل عدواً صريحاً، والجنوبيين مواطنين لبنانيين لهم الحق في حياة كريمة آمنة.
ما يجعل من تفاهم اللبنانيين أمراً صعباً هو المبادئ الأساسية التي ينادي بها كل طرف، والتي تتعلق بالموقف من إسرائيل وطرق التصدي لها، والموقف من سوريا وماهية العلاقة التي تربطها بلبنان، والموقف من الولايات المتحدة وكيفية التعاطي معها خصوصاً عند انحيازها المطلق لإسرائيل، والموقف من لبنان نفسه، وأي لبنان يريده اللبنانيون من أجل فهم السيرورة أولاً والصيرورة لاحقاً. 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى