دولياتسياسة

حرب علوم الجيل الرابع والخامس بين واشنطن وطهران …!

محمد صادق الحسيني
اقامت دوائر المحافظين الجدد ، والقوى الخفيه التي تحكم الولايات المتحدة ، الدنيا ولم تقعدها على اثر اجتماع السيناتور كريس ميرفي مع وزير الخارجيه الايراني على هامش مؤتمر الامن الدولي ، في مدينة ميونيخ أواسط شهر شباط الماضي .

ولكن السيناتور كريس ميرفي Chris Murphy لم يكن الوحيد ، الذي عقد لقاءات في أوروبا لمتابعة الملف النووي الايراني . حيث ان السيناتور ليندسي غراهام Lindsey O.Graham ( جمهوري ) والسيناتور روبرت مينينديز Robert Menendez ( ديموقراطي ) قد سافرا الى مؤتمر الامن في مدينة ميونخ الألمانية ، بداية شهر شباط ٢٠٢٩ ، وعقدا العديد من اللقاءات مع سياسيين أوروبيين ، بمن فيهم الرئيس الفرنسي ماكرون ، لبحث خطتهم الراميه الى فرض اتفاق نووي جديد ، ليس فقط على ايران وانما على جميع دول الشرق الاوسط بلا استثناء ، وعلى رأسها حلفاء واشنطن من دول الخليج .
وتقوم خطة عضوي مجلس الشيوخ الاميركي ، المشار اليهما اعلاه على المبادئ التاليه :
1. تقوم الولايات بعقد اتفاقية نووية جديده ، مع كل من ايران ودول الخليج في نفس الوقت . بحيث يكون الجزء الاول منها عباره عن ضمانات ، لايران ودول الخليج ، بالحصول على الوقود النووي ، اللازم لانتاج الطاقه ( الكهرباء ) السلميه ، على ان تقدم هذه الضمانات من قبل المجتمع الدولي بشكل دائم .
2. في مقابل ذلك فان على ايران ودول الخليج الالتزام الدقيق بالامتناع عن تخصيب اليورانيوم في دولهم الى الأبد . والهدف من وراء ذلك ، كما يقول غراهام نفسه ، هو إعطاء ايران طاقه نوويه ( nuclear power ) بدون تخصيب ( اي دون السماح لها بالتخصيب ) وهو الامر الذي يجعل العالم غير قلق من القنبله ( النوويه الايرانيه ) لان صناعة القنبلة دون تخصيب غير ممكنه .
3. بعد ذلك ( اي بعد موافقة الاطراف المشار اليها اعلاه على المبدأ ) فان الولايات المتحده وايران ، التي ستكون قد حصلت على تخفيف لبعض العقوبات ، سيجلسان معاً للتفاوض على اتفاقية اكثر شمولية ( من الاتفاق النووي الحالي ) تتضمن تقليصاً او تقييداً لبرنامج ايران الصاروخي ( Restraints …فرض قيود ) وكذلك وقف تمويلها للإرهاب كي يتم المزيد من تخفيف العقوبات عليها في المقابل .
4. سيتم اعتبار الاتفاق الجديد بمثابة معاهده وسيتم التصديق عليها من قبل الكونغرس الاميركي لإعطاء الثقه لايران بان الرئيس الاميركي القادم لن ينسحب من الاتفاق كما فعل ترامب .
5. لكن ليندسي غراهام قد ابلغ كاتب المقال ، جوش روبين Josh Rogin الموضوع ، في الواشنطن بوست بتاريخ ٢٥/٢/٢٠٢٠ ، بانه ليس واثقاً من ان زملائه في مجلس الشيوخ وكذلك البيت الابيض سيقتنعون بخطته التي يعمل على تحقيقها ، من خلال تحرك دبلوماسي وذلك لان ما يهدف اليه ترامب والجمود الحالي في الوضع غير قابلين للاستمرار .
6. من هنا كان انطلاق خطة مينينديز / غراهام ، من فكرة محاولة المساعدة في كسر الجمود الحالي في الموقف ، ومن منطلق المساعدة ديبلوماسياً في التوصل الى مخرج من المأزق الحالي ، حيث يريد الرئيس التوصل الى اتفاق جديد ولكنه غير قادر على تحقيقه . وهذا ما يفتح المجال امام مجلس الشيوخ لمساعدته في التوصل الى ذلك ، كما يقول الكاتب جوش روبين .
الا ان الدافع او المحرك الاساسي ، لهذه التحركات الديبلوماسيه الاميركيه غير الرسميه ، حسب تقديرنا انطلق من مكمن آخر . وهو حقيقة ان حظر استيراد او توريد الاسلحه لايران سينتهي في شهر ١٠/٢٠٢٠ الامر الذي تخشى الاداره الاميركيه ان يفتح المجال امام الصين وروسيا لاستئناف تزويد ايران باسلحة اكثر تطوراً او بتكنولوجيا صواريخ لا تمتلكها ايران حالياً ، بحيث تصبح ايران اكثر مقدرة على تطوير برامجها الصاروخيه وربما انتاج صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية وإيصالها الى اهداف ابعد من الشرق الاوسط .
وعليه فان الادارة الأميركيه ، ومن خلال وسائل عديده ، تحاول ان تقبض على ملف الصواريخ الايرانيه قبل انتهاء الحظر المشار اليه اعلاه . وهذا يعني ان واشنطن تسعى لحرمان ايران من توسيع قاعدة تعاونها العلمي والمعرفي ، خاصة في مجال التكنولوجيا الصاروخيه وأدوات الحرب الالكترونيه ، اضافة الى وقف التقدم الكبير الذي تحرزه ايران في مجال الاسلحه الكهرومغناطيسية وتكنولوجيا النانو الفرط دقيقه ، والتي تدعي اميركا ان ايران تعمل على استعمالها في مجال التصنيع العسكري ، على الرغم من ان كل التقارير المتوفرة لدى الجهات الدوليه ، ذات الاختصاص بهذه التكنولوجيا ، تؤكد ان استخدامات ايران لها يقتصر على المجالات الطبية حصراً .
اذن هي حرب امريكيه ضد التقدم العلمي الايراني ، الذي ينتج تكنولوجيا اكثر حداثة ، تخدم ايران في تطوير قطاعها الصناعي المدني قبل العسكري ، ما يسمح لها ان تصبح قوة صناعية متطورة جداً خلال اقل من عقد من الزمن .

ومع ذلك فان ايران ستواصل بناء قدراتها الدفاعية مهما كلفها ذلك من اثمان كمايعتقد العارفون بالشأن الايراني.
اذ ليس بإمكان اي قوة في الكون ان تمنع شعباً ، يؤمن بعقيدته وصواب قيادته ، وقراراتها وثباتها على مواقفها المبدئية الهادفة ، الى تحقيق بناء الدولة الحديثة المقتدرة ، والتي هي اساس الاستقلال الوطني الكامل والشامل ، الذي يضمن الانفكاك من عبودية دولنا للدول الاستعماريه …
نقول انه ليس بإمكان اي قوة في الكون ان تمنع هكذا شعب من تحقيق أهدافه والانتصار في معركة الاستقلال والسياده .
وبما ان الاستقلال والسياده تفرض على الدوله ، اي دولة في العالم ، ان تؤمِّن وسائل الدفاع عنها فان القيادة الايرانيه تواصل السير ، بتؤدة شديدة ، على هذا الدرب ، رغم الحصار والعقوبات الماليه والاقتصاديه المفروضة عليها ، منذ اربعة عقود .
وفي اطار الجهود الايرانيه ، الراميه الى تعزيز قدرات البلاد الدفاعية ، فقد نشرت مجلة ميليتاري ووتش ( Military watch ) الاميركيه ، بتاريخ ١/٤/٢٠٢٠ موضوعاً موسعاً ، عن خطط التسلّح الايرانيه المستقبليه ، في ضوء انتهاء العقوبات الدولية او الحظر الدولي على بيع الاسلحه لايران والذي سينتهي في شهر ١٠/٢٠٢٠ .الامر الذي يجعل ايران قادرة على التزود بالاسلحة الحديثة من اي دولة تختارها .
لذا فان الجهات العسكريه ، والقيادية الاخرى في ايران ، قد بدأت بدراسة الخيارات المتاحة . او بالأحرى دراسة افضل الخيارات لتعزيز القدرات الدفاعية ، خاصة المتعلقه بسلاح الجو الايراني . اي البحث عن الاسلحه الاكثر ملائمة لتعزيز الدفاع عن اجواء البلاد ، من خلال شراء اعداد كبيره من طائرات التفوق الجوي / السيطره الجويه / من طائرات الجيل ٤++ ( الرابع ) والجيل ٥ ( الخامس ) الاحدث في العالم . علماً ان وسائل الدفاع الجوي الايرانيه قد اثبتت انها من الانظمة الاكثر حداثة ودقة في العالم ، وما إسقاط طائرة التجسس الاميركيه العملاقه غلوبال هوك في شهر حزيران ٢٠١٩ الا اكبر دليل على ذلك ، الا ان طائرات التفوق الجوي تبقى في غاية الضروره للاسباب التاليه :

1. لانها تعتبر ، في التخطيط العسكري للدفاع الاستراتيجي ، عنصراً أساسيًا لتأمين اجواء البلاد وكذلك بطاريات صواريخ الدفاع الجوي ، من اية هجمات محتملة من قبل طائرات او صواريخ مجنحه معاديه . اذ ان بإمكان طائرات التفوق الجوي الروسية ، من طراز سوخوي /٣٥ / او ميغ / ٣٥ / استخدام صواريخ جو / جو فرط صوتيه ، روسية الصنع ، من طراز R – 37 M والتي بامكانها ضرب اهداف جوية معاديه تتحرك في نطاق عمل رادار الطائره والبالغ ٤٠٠ كم . كما ان بإمكان طائرات التفوق الجوي الصينيه استخدام صواريخ جو / جو فرط صوتيه ، صينية الصنع ، من طراز PL – 15 او حتى صواريخ YJ – 18 ، التي يبلغ مداها ٥٦٠ كم وتطير بسرعة خمسة أضعاف سرعة الصوت .
علماً ان سلاح الجو الاميركي والاسرائيلي والإماراتي والسعودي لا تمتلك الا صواريخ جو / جو / من طراز AIM 120 C بمدى ١٠٥ كم وصواريخ AIM D ( فقط لدى سلاح الجو الاميركي منذ اشهر قليله ) ومداه ١٨٠ كم .
2. اما المبرر الثاني لاقتناء ايران طائرات التفوق الجوي فيتمثل في امتلاك جميع أعداء ايران لطائرات تفوق جوي ، اذ يمتلك سلاح الجو الاميركي طائرات F 16 وطائرات F 15 s ، في الوقت الذي يمتلك فيه سلاح الجو الاسرائيلي طائرات F 16 E ، بينما يمتلك سلاح الجو السعودي طائرة F 15 وسلاح الجو الإماراتي طائرات F 16 E . وهذا يعني ان مقاتلات التفوق الجوي المعاديه قد تشكل خطراً على الاجواء الايرانيه او منظومات الدفاع الجوي الايرانيه ، اضافة الى المنشآت الحيويه الايرانيه العسكرية والمدنيه ، المحتمل ضربها اما بواسطة قاذفات القنابل المعاديه ، بمرافقة طائرات التفوق الجوي ، او بواسطة الصواريخ المجنحه بعيدة المدى . حيث تكون مهمة مقاتلات التفوق الجوي ، في هذه الحاله ، منع الطائرات الاعتراضيه الايرانيه او / و / منظومات الدفاع الجوي من اعتراض الصواريخ المعاديه .
ولكن ما هي طائرات التفوق الجوي ، التي نتحدث عنها ، وما هي مصادرها ؟
ان الدول المرشحة للفوز بطلبات التسلح الايرانيه الكبرى هي الصين الشعبيه ثم روسيا واللتان تقومان بتصنيع طائرات تفوق جوّي متقاربة جداً من ناحية القدرات القتاليه ، مع فوارق تكتيكيه بسيطه ، تتعلق بالتشغيل والصيانة وعمليات التحديث المستقبليه .

وحسب مجلة ميليتاري ووتش ( Military Watch ) فان وزارة الدفاع الايرانيه تقوم بدراسة مواصفات وميزات كلاً من :

•مقاتلة التفوق الجوي الروسيه ، من طراز ميغ ٣٥ ، وهي مقاتلة ثقيله ذات قدرات قتاليه عاليه جداً .
•مقاتلة التفوق الجوي الصينيه ، من طراز J-10 C / Next Generation ، وهي مقاتلة خفيفه ذات قدرات قتاليه لا تقل شأناً عن قدرات الطائره الروسيه الرديفة .

اما اهم العوامل التي سينبثق منها القرار الايراني بشأن هذه المشتريات فهي التاليه :

أ)ان ايران تمتلك عدة أسراب من طائرات ميغ ٢٩ الروسيه ، وعليه فان كوادرها الفنيه ، المختصه بالتشغيل والصيانة ، اكثر قدرة على التعامل مع طائرات ميغ ٣٥ . كما ان ادماج هذا النوع من الطائرات ، في شبكات الدفاع الجوي الايرانيه المستخدمة حالياً ، سيكون اكثر يسراً ، كون هذه الانظمه اما روسية الصنع او شبيهة بتلك الروسيه .
ب)اما نقاط القوه التي تعتبر في صالح المقاتله الصينيه فتتمثل في انخفاض سعرها عن ميغ ٣٥ الى جانب انها اكثر سهولة في التشغيل والصيانة والتحديث وبالتالي فهي مرشحة لحياة اطول في الخدمه . كما ان ميزاتها القتاليه قريبة جداً من ميزات الطائره الروسيه الرديفة .
يضاف الى ذلك العامل الاقتصادي والسياسي الهام والمتمثل في ان الصين قد استثمرت اموالاً كبيره في العديد من المشروعات الحيويه في ايران بينما كانت روسيا اكثر خطراً في هذ المجال لاسباب عديدة لا مجال للولوج في خباياها الآن .
3. من هنا ، ومن باب المعرفه بالحنكة الايرانيه ، فإننا نعتقد ان الجهات المعنيه باتخاذ القرار سوف تنطلق من ضرورة التوازن الدقيق في العلاقات مع الدولتين ، مما يجعلنا نعتقد بانها ستقوم بشراء عدة أسراب من الطائرة الروسيه الى جانب عدة أسراب اخرى من الطائرة الصينيه وذلك لفتح الباب ، امام احالة طائرة التفوق الجوي ، الاميركية الصنع ، وهي من طراز F14 S، والتي خضعت لسلسلة من التحديثات ، على مدى اربعين عاماً ، جعلتها قريبة جداً من مقاتلات الجيل الرابع ، سواءً في القدرات القتاليه او الملاحه الجويه ، لفتح الباب لإحالتها الى التقاعد مع الشكر الجزيل لمن قام بتأهيلها على مدى كل هذه السنين ….!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى