سياسةمحليات لبنانية

قالت الصحف:نتائج الجلسة النيابية أحرقت الجسور واللآمال بتشكيل الحكومة

الحوار نيوز – خاص

ركزت الصحف الصادرة اليوم في افتتاحياتها على نتائج الجلسة النيابية التي عقدت أمس لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ،ورأت أنها كانت سلبية وأحرقت الجسور المعول عليها لتشكيل الحكومة في المدى المنظور.

  • صحيفة النهار كتبت تقول: بدا طبيعيّاً أن يُطرَح السؤال الأكبر بعد مجريات الجلسة النيابية الفائقة الحماوة والسخونة التي خصصت، أمس، لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عونإلى مجلس النواب حول ملف تأخير تشكيل الحكومة الجديدة: هل في الإمكان بعد تصوّر حل وشيك أو اختراق إيجابي للازمة الحكومية، أم أنّ أمدّ الأزمة بات مفتوحاً على لا أفق؟ والواقع أنّ النتيجة الكبيرة أو الخلاصة الأساسية التي انتهت إليها الجلسة تقدّم بذاتها الجواب على السؤال الأنف الذكر. إذ إنّ الرد على الرسالة الرئاسية تجاوز كل التقديرات المسبقة خصوصاً لجهة الرد الشامل الشمولي المتّسم بحدة وحزم وتشدّد بالغ في سوق “سيرة التعطيل” التي فطر عليها الرئيس عون والتي وردت في خطاب الرئيس المكلّف سعد الحريري على رسالة عون، بحيث بدت أبعد من رد، بل جاءت بمثابة مضبطة مساءلة للعهد في ملف التعطيل على لسان الرئيس الحريري.

    وإذا كان كثر تخوفوا من أن يكون الحريري أحرق آخر الجسور المحتملة مع العهد بما يقيم سدّاً إضافيّاً مانعاً دون تسوية بينهما، فإنّ الواضح أنّ الحريري قرر وضع حدّ حاسم لمسلسل نمطي اتبع ضده لتغطية المحاولات المتواصلة لتعطيل التشكيل ومنعه من ذلك، فكانت كلمته الحدث الذي أخرج جلسة مناقشة الرسالة عن كل التقديرات العادية التي سبقتها. ولعل الأمر الآخر الذي لا يقلّ أهمية في بعده الدستوري والسياسي تمثّل في المضمون الحازم للقرار الذي صدر عن المجلس بعدما وضعه رئيس مجلس النواب نبيه برّي وهو موقف يثبت من دون شكّ تكليف الحريري ويرفض أي اتجاه لتعديل الدستور بما يرد مباشرة على الايحاءات التي تركتها الرسالة. ومع ذلك بدأ بري مساع جديدة لتحريك وساطته بين عون والحريري واجتمع بالحريري ثم بالنائب جبران باسيل.

    وقد خلصت الجلسة إلى اصدار موقف لم يصوّت عليه نواب التكتل العوني ونواب القوات اللبنانية تلاه رئيس مجلس النواب وجاء فيه: “بعد الاستماع إلى رساله فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة وبعد النقاش حولها وفق المادة 145 من النظام الداخلي اتخذ المجلس النيابي الموقف التالي: استنادا الى النص الدستوري حول اصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور ولما لم يرد أيّ نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه وبما أنّ فخامة رئيس الجمهورية قد قام باستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد اطلاعه رئيس المجلس النيابي أتت نتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة.

    وباعتبار أنّ أيّ موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا بصدده اليوم. ولأنّ مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح الى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى. ولحرص المجلس على عدم الدخول في ازمات ميثاقية ودستورية جديدة وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصادياً وماليّاً واجتماعيا تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات. يؤكد المجلس ضرورة المضي قدما وفق الاصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعا الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.

    وأمّا أبرز ما تناوله الحريري في رده، فكان قوله: “ظاهرياُ نحن أمام رئيس للجمهورية يمارس حقّه القانوني بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب ولكنّنها بالفعل أمام رئيس يقول للنواب “أنتم سمّيتهم رئيساً للحكومة أنا لا أريده ولا أسمح له بالتشكيل فتفضّلوا خلصوني منه”. وأضاف: “نحن أمام رئيس للجمهورية يريد منا تعديل الدستور وإذا لم نفعل يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل وبانتظار أن يكون له ما يريد يُعطّل الدستور والحياة السياسية في البلد والأخطر من ذلك يُعطّل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع. علينا أن نعترف أن فخامة الرئيس يمتلك تجربة كبير، لا بل باعا طويلا في التعطيل… من تعطيل تشكيل حكومات متتالية لأشهر طويلة وأذكر منها على سبيل المثال 11 شهراً لتشكيل حكومة سلام وكلنا يذكر “كرمال عيون مين” وصولاً إلى تعطيل تشكيل حكومتي الأخيرة 7 أشهر”. وأكد الحريري أنّ “الفريق الرئاسي يسعى إلى الحصول على الثلث المعطل ليتمكن من اسقاط الحكومة متى يشاء”.

وأضاف أنّ “آخر حيلة خرقاء للوصول إلى الثلث المقنع، هي بالقول إنّه لا يحق لرئيس الحكومة المسلم، ان يسمي وزراء مسيحيين، لمن يقول هذا الكلام التافه، أجيب: “إنّ هذا الرئيس للحكومة اللبناني، اللبناني، اللبناني… لا يريد ان يسمي اي وزير مسيحي، ولا اي وزير مسلم”. وتابع: “بمناسبة الحديث عن حقوق الطوائف والميثاقية، لم اجد فخامة الرئيس ميشال عون منزعجاً من تكليف رئيس للحكومة الأخيرة، بأصوات قلّة فقط من الزملاء السنة، ثم بتشكيلها بثقتهم وحدهم، علماً أنّه في المقابل لم يجد اي مانع في أن يسمي رئيسها وزراء من المسيحيين”. وأردف أنّه “طوال 7 اشهر، نضع الرئيس المكلف أمام معادلة مستحيلة: إمّا أن تشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية السياسي، منتحلاً إرادة فخامته وزاعماً أنّ لا مطلب له، وإما لا حكومة”، جازماً: “لن اشكل الحكومة كما يريدها فريق فخامة الرئيس، ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه، لن أشكّل الحكومة إلّا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في أكلهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم”. وختم الحريري: “لن أستجيب للعنعنات الطائفية ولستُ مستعدّاً لأكون شريكاً في أي إخلال في التوازن الدستوري ولا في الاتزان الوطني ولن أسهم في تسهيل المشاريع العدمية”.

وسبق كلمة الحريري تناوب عدد من النواب وممثلي الكتل على الكلام وصولاً إلى كلمة رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل الذي دافع بقوة عن رسالة الرئيس عون وكرّر معظم المواقف التي وردت فيها، وأعلن تكراراً أنّ “الهدف هو حثّ الحريري على التشكيل ولا شيء آخر والهدف من كلمتي ومن رسالة الرئيس ميشال عون ليس سحب التكليف من مجلس النواب لرئيس الحكومة المكلف، لأنّ هذه ليست الغاية، ولأنّ هذا تفسير وتعديل للدستور ومكانه ليس بهذة الجلسة، والأهم أنه لا يوجد أكثرية نيابية ترغب بهذا الشيء”. وأكد أنّ “تأليف الحكومة له منهجية وسيخضع للميثاق، حيث لا يمكن لأحد إقصاء طائفة عن هذه العملية، ولا يمكن لطائفة احتكار تأليف الحكومة. وبمجرد أنّ رئيس الجمهورية لديه توقيع يضعه على مرسوم التكليف، بالتالي أي تفصيل في التأليف يخضع لموافقته، وهو ليس موثقا لعملية تشكيل الحكومة ولا مصدرا لمرسومها”. وأردف: “السقف في تأليف الحكومة يتمثل بالأسماء، ولا يمكن وضعها إلّا بمعرفة كيفية توزيع الحقائب، والأسماء يتفق عليها عون والحريري أو تقدمها الكتل النيابية، بالمعايير المتفق عليها. ومن حق عون والحريري أن يوافقاً أو لا. بعدها يتم إنهاء موضوع الاسماء”، وأشار إلى أنّه “هكذا تتألف الحكومة لا يمكن أن نضع الاسم من دون معرفة مذهبه أو من اقترحه. بالتالي أي هروب من اتباع هذه المنهجية هو عدم جدية أو رغبة او هروب من تشكيل الحكومة”. وأشار إلى أنّ “السؤال البديهي الذي نسأله منذ 6 أشهر هو عن حصول رئيس الجمهورية على لائحة مفصلة فيها كل هذه الامور، لا رئيس الجمهورية تمكن من الحصول على هذه اللائحة ولا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ولا “حزب الله” ولا الفرنسي ولا أي ساعي خير تمكن من الحصول من رئيس الحكومة المكلف على هذه اللائحة لنعرف أين هو الخلاف ونعالجه بشكل واضح”.وختم باسيل: “دستورنا لا يضع المهل، وهذه مشكلة، ويجب تطوير الدستور من هذه الناحية للمحافظة عليه، وتقدمنا ككتل باقتراح تعديل دستوري متوازن ومنطقي”.

  • وكتبت صحيفة “الأنباء ” الألكترونية:انتهى مشهد الجلسة النيابية المخصصة لنقاش رسالة رئيس الجمهورية على الأزمة ذاتها. وقد نجح رئيس المجلس نبيه بري في حصر التداعيات بأقل الخسائر بالتعبير الكلامي عن الاستحالة القائمة في ملف تأليف الحكومة من الطرفين المعنيين، اللذين كررا التمسك بمواقفهما على ضفتي الافتراق الحاصل، وبالتالي استمرار الجمود.

مصادر سياسية متابعة اشارت عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية الى ان الجلسة لم تحمل أي جديد قد يدفع باتجاه حل الأزمة، فالمواقف جاءت مشابهة لتلك الصادرة في وقت سابق عن الكتل النيابية، “مع ضرورة التوقف عند الاجماع على أن لا خيار أمامنا في هذه المرحلة الا التسوية والعمل على تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، والاشارة الى صيغة حكومة من 24 وزيرا من دون ثلث معطل، وهذه الاقتراحات ما هي الا المبادرة التي سبق وأطلقها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد لقائه الرئيس عون والتي تبناها الرئيس نبيه بري، لكن من دون ان تبصر النور حتى اللحظة”.

المصادر اشارت إلى ان “الجلسة أكدت المؤكد باستحالة سحب التكليف من الحريري لأنه لا مادة دستورية تلزم النواب باتخاذ هذا الاجراء، كما أنها أتاحت للحريري فرصة الرد على رسالة عون”، لافتة الى أنه “لا بد من التوقف عند كلام النائب جبران باسيل الذي وبشكل علني نفى ان يكون الهدف نزع تكليف الحريري بتشكيل الحكومة”.

المصادر اعتبرت أن “عقد التأليف لا زالت عالقة بين بعبدا وبيت الوسط، وأن مجلس النواب قام بواجبه لناحية القول إنه لا يجوز الحديث عن سحب التكليف بعد الاستشارات النيابية الملزمة، وفي هذا السياق يمكن القول ان جلسة الأمس كانت بمثابة تثبيت لتكليف الحريري”.

من جهتها، شددت مصادر تكتل “لبنان القوي” عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية على أن “ما عبّر عنه باسيل يعكس حقيقة ما يضمره التكتل، الذي يريد أن يأكل عنب ولا يسعى لقتل الناطور، وما يهمه هو تشكيل حكومة وفق معايير موحدة، لذا لن يسمح بالتأليف بالطريقة التي كان يتبعها الرئيس المكلف”.

ورأت المصادر ذاتها أن “الحريري ما زال يربط تشكيل الحكومة بالتطورات الاقليمية وبالمفاوضات التي تحصل على اكثر من محور”، آملة منه أن “يبادر باتجاه الرئيس عون وعقد لقاء مصارحة بينهما والذي قد يفضي حتما الى شيء ايجابي، فالمخاطبة عن بعد أثبتت فشلها”.

لكن عضو كتلة المستقبل النائب نزيه نجم استبعد عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية التوصل الى حل يساعد على تشكيل الحكومة، ولفت في الوقت نفسه إلى أن “البلد بأزمة والناس لم تعد تحتمل الغلاء الفاحش وأسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية التي زادت 200 في المئة، والدول التي أبدت استعدادها لمساعدة لبنان تشترط تشكيل حكومة مهمة وإلا لن يدخل دولار واحد الى لبنان، فلا اوروبا ولا العرب يقبلون بحكومة تكنوسياسية”.

عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب وهبة قاطيشا رأى من ناحيته انه “من حق رئيس الجمهورية توجيه رسالة الى مجلس النواب للسؤال عن التأخير بتشكيل الحكومة، لكن في المقابل لا يمكن للمجلس اتخاذ قرار في هذا الشأن، فالمجلس طالب المعنيين بهذا الملف العمل على تشكيل الحكومة بأقصى السرعة لأن وضع البلد لم يعد يحتمل التأخير، فالبلاد مقبلة على أزمات كبيرة في مقدمها رفع الدعم ولا بد من وجود حكومة تؤمن بالحد الأدنى مستلزمات صمود اللبنانيين”.

قاطيشا استبعد هو أيضا عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية امكانية توصل الأطراف الى حل “لأن الجرة انكسرت بينهما بشكل نهائي”، مشيرا الى التصعيد الكلامي الذي ظهر في مداخلات الحريري وباسيل، قائلا: “لو كان فريق العهد يريد الحل لكان تراجع عن الرسالة التي بعث بها الى المجلس”، مقترحا العودة الى الشعب باعتباره مصدر السلطات والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة وليتحمل كل طرف مسؤوليته.

من جهته، عضو كتلة التنمية والتحرير محمد خواجة وصف الجلسة بالهادئة، منوها بحسن ادارة الرئيس بري للجلسة “فهو لم يسمح بانتقال الخلاف الى داخل المجلس، ما دفعه الى حث المعنيين بتشكيل الحكومة فالوقت غير ملائم للجدل الدستوري، واللبنانيون لم يعد يهمهم من معه الحق ومن عليه الحق، فكل همهم هو تأمين مستلزمات عيشهم والحفاظ على مستقبل أولادهم”.

وقال خواجة عبر جريدة “الأنباء” الالكترونية: “لا يمكن مواجهة الأزمات الا بحكومة فاعلة ولديها صلاحيات استثنائية لإنقاذ الوضع، فكم كنا نتمنى لو لم تُوجه هذه الرسالة للمجلس، ولكن الدستور يمنح رئيس الجمهورية هذا الحق فجاء الرد عليه من قبل الرئيس بري ببضعة اسطر تؤكد على دور مجلس النواب على اعتبار الجدل القائم في غير مكانه والتعديلات الدستورية تتطلب وضعا سياسيا مريحا اكثر بكثير مما نحن به، فالمطالبة بسحب التكليف غير دستورية والمجلس النيابي سمّى الرئيس المكلف أثناء الاستشارات الملزمة وليس هناك من مادة دستورية تقضي بسحب هذا التكليف”.

عضو تكتل لبنان القوي ادغار طرابلسي علّق عبر “الأنباء” على كلمة الحريري بالقول: “هل السلبية تنقذ البلد؟”، لافتا الى ان “المقولات التي كانت موجهة ضد باسيل بالتمسك بالثلث المعطل وغيرها دحضت، فماذا يريد الحريري بعد ولماذا لم يذهب الى تشكيل الحكومة؟”، معتبرا ان “باسيل كان صريحاً، فاذا لم تُشكل الحكومة يصيح البحث عن تعديل الدستور مشروعاً وإذا تعذّر ذلك لنتفق جميعا ونذهب الى انتخابات مبكرة، فمن غير المسموح ان يستمر الحريري بخطف البلد، وأن يكون رئيسا مكلفا لا يؤلف”.

  • وكتبت صحيفة “الديار” تقول:انتهت جلسة مجلس النواب التي خصصت امس لمناقشة رسالة الرئيس عون وشكواه ضد الرئيس الحريري بتعطيل تشكيل الحكومة الى السؤال: لماذا الرسالة، وماذا حققت؟

وكما كان منتظراً، فان المجلس بتوازناته السياسية الحالية جدد التزامه بتكليف الرئيس الحريري، مراعياً في الوقت نفسه وجوب «المضي، وفق الاصول، قدماً للوصول سريعاً الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية».

وكان واضحاً وجلياً ان الذهاب الى طرح تعديل الدستور لنزع التكليف عن الحريري غير وارد حتى لدى رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، للقناعة المسبقة بأن مثل هذا الطلب غير متاح في هذا الظرف، أكان على الصعيد السياسي العام أم على صعيد عدم امكانية توفير العدد الاكثري اللازم لتعديل الدستور داخل الندوة البرلمانية.

ولكيلا يستثمر الخصوم هذا الأمر، بادر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مستهل مداخلته الى القول ان الاولوية للرسالة هي حث الرئيس الحريري على التأليف وليس سحب التكليف، معرباً عن قناعته بأن الجلسة ليست المكان لطرح التعديل الدستوري الذي يتوخاه التيار.

لكن باسيل كشف في مداخلته، التي كانت هادئة ومعتدلة بالشكل، عن اقتراح تعديل دستوري لدى التيار بتحديد مهلة شهر واحد للرئيس المكلف من اجل تشكيل الحكومة، واتاحة مهلة شهر لرئيس الجمهورية لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة.

ولوح بلهجة مرنة قابلة لاكثر من تفسير بموضوع حل المجلس، رغم قوله انها لن تكون خطوة مناسبة.

وعلى عكس ما أشيع في الايام القليلة الماضية، فان كلمة باسيل كانت هادئة ورصينة ولاقت تنويها لشقها الاول من الرئيس بري بقوله «جيد لحد هلق».

بينما فاجأ الرئيس الحريري الكثيرين بالسقف العالي والحاد لمداخلته المطولة موحياً بأنه يملك زمام الامور ولديه من الاوراق ما يخوله ان يبادر الى الهجوم بدل الدفاع، حتى انه رفع وتيرة هجومه على رئيس الجمهورية متهماً اياه بأن «لديه تجربة طويلة من التعطيل» ومذكراً بتعطيله انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من سنتين، وتعطيل وتأخير تشكيل حكومة تمام سلام لـ 11 شهراً، حكومته السابقة لسبعة أشهر.

ويمكن، حسب اكثر من مصدر، القول ان رسالة عون للمجلس ربما استحضرت امام النواب والكتل جميعاً الازمة الحكومية مباشرة، وسلطت الضوء على عمق الازمة، لكنها لم تؤد او تكرس سوى حقيقة واحدة، هي ان الحكومة مأسورة ومسجونة في دائرة ازمة الصراع والثقة بين الرئيسين عون والحريري، وانه لا سبيل للانفراج قريباً طالما استمرت هذه الازمة.

وحول خلاصة من انتهت اليه الجلسة، قال مصدر نيابي بارز لـ «الديار» ان هناك نقاطاً عديدة يمكن استخلاصها ابرزها :

1- تجديد التأكيد على تكليف الحريري، مع طي صفحة الاعتذار التي لم تكن مؤخراً سوى فرقعة اعلامية.

2- التسليم بمشاركة رئيس الجمهورية الكاملة في تشكيل الحكومة، وهذا ما برز واضحاً في مداخلة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.

3- نجاح المجلس بإدارة وقيادة الرئيس بري في تفكيك قنبلة التعديل الدستوري واعادة النظر ببعض المواد الدستورية التي كان اسس لها اتفاق الطائف، وبالتالي قطعت الطريق أمام اثارة اشكاليات كبيرة ونزاع ذي بعد طائفي، بغض النظر عن النيات والاسباب الموجبة لدى هذا الطرف أو ذاك.

4- اعادة الكرة من مجلس النواب الى الرئيسين عون والحريري ووضعهما مجدداً امام مسؤولياتهما تجاه تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد كما عبر الرئيس بري مراراً، واكد النائب رعد على ذلك امس.

وفي تقديم لاجواء ونتائج الجلسة، قال المصدر ان بري نجح كالعادة في ادارة وضبط الجلسة وجنبها انفجاراً فوق السقف المحدد، وكان واثقاً قبل انعقادها من هذا النجاح حين ترك الجلسة تبث على الهواء مباشرة عبر محطات التلفزة، وحين قلب ادوار الكلام فترك كلمة الحريري الى النهاية لكيلا تثير سجالاً ساخناً اذا ما جاءت في البداية.

ووفقاً لأكثر من مصدر، فإن حرارة كلمة الحريري كانت متوقعة، لكنها تجاوزت بعض الشىء التوقعات، لا سيما انه حضر لها بعناية مستعيناً بمعاونيه ومستنداً الى الاجواء النيابية التي لم تكن لمصلحة رسالة عون منذ البداية.

وكادت اجواء الجلسة خلال كلمة الحريري النارية ان تلتهب، الا ان الرئيس بري كان يرصد بدقة وعناية النواب وقطع الطريق على أي رد او تداخل، عدا ان النائب باسيل بدا هادئاً جداً على عكس ما توقع البعض.

وكما كان متوقعاً، فقد خرج الحريري من قاعة الاونيسكو عندما بدأ باسيل كلمته، ما يعكس حجم القطيعة والجفاء الكبير بين الرجلين ويصعب مهمة جمعهما والتوفيق بينهما.

وبعد ان عبر بجلسة رسالة عون الى اجواء غير تفجيرية، نشط بري في التحضير للمرحلة المقبلة على ضبط اعادة تفعيل عملية تشكيل الحكومة ومحاولة تخفيف حدة الاحتقان وانعدام الثقة بين رئيس الجمهورية وفريقه من جهة ورئيس الحكومة المكلف من جهة اخرى.

ورغم الاجواء المتشنجة التي سادت، لا سيما خلال مداخلة الحريري الساخنة والعالية السقف، فإن رئيس المجلس سارع الى عقد لقاء معه بعد الجلسة قبل ان يلتقي النائب باسيل ليعود ويجتمع مع رئيس الحكومة المكلف مرة ثانية في اطار حصر ومعالجة اثار الاتهامات المتبادلة التي سادت خلال الجلسة وما قبلها وبعدها مباشرة.

ولفت في هذا المجال اعلان المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل عن «ان هناك نقطة انطلاق يعمل عليها الرئيس بري من اجل تشكيل الحكومة لكنها ليست معروفة حتى الآن».

وقال مصدر مطلع لـ «الديار» ان بري يستند الى ما يشبه التفويض الخارجي القوي من خلال تشجيع باريس لمبادرته ودعم مضاف لهذه المبادرة من مصر التي دخلت بقوة على خط السعي لتسريع تشكيل الحكومة.

واضاف المصدر ان رئيس المجلس بعد جلسة الأمس بات يستند ايضاً الى تفويض داخلي اوسع، لا سيما ان نتائج رسالة عون اكدت ان لا مناص من التركيز على تخفيف ازمة الثقة بينه وبين الرئيس الحريري، ولا مجال لتحقيق تقدم ملموس او ناجز لتأليف الحكومة الا من خلال الحوار بينهما والاتفاق، بعد ان تكون مبادرة بري قد احرزت نتائج ايجابية تنطلق من نقطتين اساسيتين:

التسليم بتشكيل حكومة من 24 وزيراً من رجال الاختصاص غير الحزبيين، واستبعاد الثلث المعطل بكل اشكاله اكان صريحاً أم مقنعاً.

ولفت المصدر الى ان حزب الله يدعم بقوة استئناف مبادرة بري، وانه على قناعة ان لا سبيل لتأليف الحكومة من دون الحوار والاتفاق بين عون والحريري، وان لا شيء مطروح يناقض هذا التوجه الطبيعي لولادة الحكومة.

وفي المواقف ودلالتها فإن الرئيس بري عبر كالعادة عن موقف جامع في مستهل الجلسة حين اكد على «الوحدة ثم الوحدة، وإلا ستذهب ريحنا».

وكانت له تدخلات قصيرة لافتة ومنها حين تحدث باسيل عن استعداد للقيام «بمهمة انتحارية» وتقديم اقتراح قانون ترشيد الدعم في ظل عدم تقدم الحكومة بهذا القانون. عندئذ قاطعه الرئيس بري قائلاً «مطلوب منك عملية انتحارية اخرى»، قاصداً موقفاً جريئاً ومساعداً اكثر في عملية تشكيل الحكومة.

وحملت كلمة الحريري هجوماً نارياً على رئيس الجمهورية بشكل غير مسبوق، لا سيما عندما قال عنه انه «يمتلك تجربة طويلة في التعطيل». ثم عندما قال «باختصار نحن أمام رئيس جمهورية يصر على مخالفة الدستور بأن يحصر منح الثقة بالحكومة بشخصه».

وحمل عليه ايضاً وعلى التيار الوطني الحر حين قال بنبرة عالية «لن أشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية…». واضاف ايضاً «نحن أمام عهد يصرّ على تثبيت نفسه بطلاً في اضاعة الفرص على نفسه وعلى اللبنانيين».

وختم بقوله قاصداً رئيس الجمهورية وفريقه «لن استجيب للعنعنات الطائفية ولست مستعداً لتسهيل المشاريع العدمية ودعوتي لرئيس الجمهورية وفريقه بأن يكفوا عن محاربة طواحين الهواء».

اما باسيل فغلب على مداخلته الاعتدال والمرونة في الشكل، لكنه ربط تشكيل الحكومة بمنطق الاصول التي يتمسك بها رئيس الجمهورية والتيار، ملوحاً بخطوات اخرى اذا ما استمر الوضع على حاله لأنه لا يمكن القبول بمثل ذلك الى نهاية العهد. وقال «الوضع لا يسمح ان نعتمد اشياء غير مألوفة ولا تتلاءم مع دستورنا بأن نقول ان رئيس الحكومة المكلف يشكل ويسمي كل الوزراء عن الكل، هذا لا يمشي، وان الاعذار الوهمية التي تعطى لا تدوم».

اما رسالة حزب الله فكانت ذات دلالات واضحة عندما اكد النائب رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة تفهمه لرسالة عون بقوله ان دوافع رسالته معروفة كما ان العوائق التي تؤخر الحكومة معروفة ايضاً.

وجدد التأكيد «ان تأليف الحكومة هو أولوية لا نقاش فيها او حولها»، مركزاً على ان «النص الدستوري يؤكد ان الاتفاق بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية هو اصل يصدر عنه تشكيل الحكومة، وهو المدخل الضروري اللازم والحصري لتشكيلها» وبمعنى آخر لا مناص من الاتفاق مع الرئيس عون لتأليف الحكومة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى