رأي

مِنْ مُخرجات تداول السلطة في العراق: أوامر القاء قبض و ملاحقات قضائية(جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي – الحوارنيوز
لا يزال العراق ، والحمد لله ، في مسار ديمقراطي ،ومنذ تبنيه الدستور الاتحادي العراقي لعام ٢٠٠٥، لمْ يبلور بعد ” تجربة ديمقراطية “. لماذا؟
أفتقرَ مسارنا الديمقراطي الى فكر سياسي والى نُضجْ سياسي، وكان ولا يزال دون رؤية ودون بوصلة، وعليكم أنْ تتخيلوا مسار رُبّان باخرة تجوب عباب البحر ومن دون بوصلة، ويعاني بعض هولاء الُربّان أو اغلبهم (واقصد سياسيي المرحلة)، مِنْ نقص كبير في النضجْ السياسي. ومَنْ لا يمتلكُ نضجاً سياسياً لا يستطيع أنْ ينتج فكراً سياسياً.
عدّة أسباب تقف خلف غياب النضج السياسي والفكر السياسي: من بينها مرحلة الاستبداد والديكتاتورية والحروب والعزلة الدولية ،التي مّرَ بها العراق و لأكثر من أربعة عقود؛ من بين الاسباب ايضاً فترة الاحتلال و الارهاب وما بينهما الديمقراطية، و التي شُّوهتْ بسببهما! فأصبح المشهد السياسي ألمتمقرطْ يّعجُ “بسياسي الصدفة” و”بسياسي النفع الخاص” وهمُ طوارئ على العمل السياسي . كذلك أصبحَ المشهد السياسي يعّجُ ايضاً بأحزاب وحركات سياسية فاقت عدد المشاريع الصناعية والزراعية العامة و الخاصة في العراق . و لا ننسى ايضاً دور اسرائيل أو /وامريكا ومصلحتهما أنْ يكون المشهد السياسي في العراق عليلاً وعفناً ، بميكروبات الفساد و مُهدّداً بقنابل موقوته، خيار تفجيرها بأيديهم ، وفجّروا احداها على حكومة السيد عادل عبد المهدي .
سيستمر مسارنا الديمقراطي دون بوصلة، الى أنْ يهدي الله اخواننا الكرد في القناعة في حسم مصيرهم، هل هم ماضون والى الابد مع العراق الاتحادي أمْ هم معه في رحلة سفر وينتظرون الفرصة والظروف المواتيّه؟
هل هّمْ جادون للعمل للعراق وللاقليم ام هم يعملون في العراق من أجل الاقليم؟

تساؤلات مشروعة ويفرضها الواقع ، ومن دون سوء نيّة او نزعة عنصرية ،لا سمح الله. و هدف التساؤلات هو العمل من أجل بوصلة لمسار العراق السياسي الديمقراطي ،العمل من أجل عراق اتحادي وموحّد ويتمتع بسيادة داخلية مُطلقة!
ولا أُريدُ الاطالة في شرح مفهوم السيادة الداخلية المطلقة ،وهل للعراق الاتحادي سيادة داخلية مُطلقة؟
من نتائج مسارنا الديمقراطي ،والمفتقر الى الفكر السياسي والنضج السياسي والبوصلة ، هو ما نشهده اليوم بعد تداول سلمي للسلطة!
مذكرات القاء قبض وحجز أموال ومخاطبة الانتربول الدولي ضّدَ شخصيات ، كانت في الامس ،في اعلى هرم السلطة . لسنا في وارد التعليق او التعقيب على قرارات النزاهة و القضاء ، او النقاش في اتهام او ارتكاب الجُرم او براءة تلك الشخصيات المشمولة بالقرارات ، ولكننا نتوقفْ امام حالة أصبحت ظاهرة؛ الا وهي: التداول السلمي للسلطة في العراق يعقبه و يليه ، على الاغلب ، فساد وسرقة او اتهامات بفساد وسرقة وأثراء غير مشروع ! أحيانا يُعلنْ عنه رسمياً ، ويطلعُ عليه الداني والقاصي ،مثلما الحال اليوم ، وقد لا يُعلن ويتّمُ التستّر عليه وتتمْ التسوية والتراضي!
بالتأكيد، لا لومْ و لا عتاب على الجهات الحكومية المعنية ،بل مشكورة لجهودها ولاحترامها للراي العام ولالتزامها بمبدأ الشفافية ،وحرصها على اطلاع المواطن ،ولكننا ندعو الى البحث عن الاسباب التي تسمح للمسؤولين بالعبث بالمال العام ( سرقة ،رشاوى ،اثراء غير مشروع الخ …) هل هناك خلل في القوانين التنفيذية ، خلل في ابرام عقود التعامل ؟ هل هناك دعم وتسهيلات من قبل الاحزاب السياسية او الجهات التي جاءت بالشخصيات المُتهمة؟
هل هي مسؤولية الشعب ،والذي قلّة منه ،اعتادَ على ثقافة الرشوة و الاغراء ، ام مسؤولية بعض اجهزة الدولة ،التي هي الاخرى اعتادت على الاثراء غير المشروع ، والابتزاز و السرقة واستغلال المال العام؟
لا يليق بالعراق دولةً وشعباً ، ولا يليق لديمقراطيتنا أن تتُهمْ قيادة الحكومة السابقة بالفساد ، ولكن ليس في اليد حيلة ،علينا معالجة ومحاسبة الاخطاء والجرائم المالية ، وما هو افضل من العلاج هي الوقاية.
ومن بين اجراءات الوقاية هو تطبيق مبدأ ” بيروقراطية في الادارة و ديمقراطية في السياسة ” ، ومفاده ان يلتزم المسؤول بتطبيق القانون والقرارات والاجراءات ،دون اجتهاد ودون تنظير ودون تأخير ، وأنْ يعمل المسؤول ،في وزارته او دائرته ،وفق منطق الادارة وليس وفق منطق السياسة ، وأن يكون ولاؤه لمجلس الوزراء وليس لقيادته الحزبية .
شاعَ في العراق الآن ،للاسف الشديد ، بيروقراطية وانضباط صارم في أغلب الاحزاب والحركات السياسية ، و اصبحت ادارات الدولة مُسيّسة ، أي خلاف المعقول والمقبول و المنطقي و المعمول في كل دول العالم الديمقراطية والدكتاتورية.
وفق المبدأ المذكور “بيروقراطية الادارة وديمقراطية السياسة ” .

نجحت الدول الاوربية الديمقراطية ،في بناء دولها، وتسمى هذه الدول بدول مؤسسات ، ونادراً ما تجد حالة فساد وسرقة و رشوة، وإنْ وُجدتْ ،كقضيّة الرئيس الفرنسي الاسبق ساركوزي، فليس على حساب المال العام الفرنسي ،وانما على حساب اموال الشعب الليبي.
*سفير عراقي سابق ورئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات- بروكسل

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى