
كتب واصف عواضة – خاص الحوارنيوز
عندما كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يشارك في قمة الدول السبع في كندا يوم الإثنين الماضي ،تراءى له أن إيران أوشكت على السقوط والهزيمة ،فطار صوابه على أساس أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيقطف ثمار الحرب وحده ،فيما بذلت إدارة ترامب جهودا مضنية من أجل إخضاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
سارع ترامب إلى مقاطعة القمة وقرر العودة فورا إلى واشنطن، مطلقا تصريحات ومواقف متتالية تنم عن توتر موصوف بلغ حد تهديد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي بالقتل.
في واشنطن بدت الصورة أكثر وضوحا أمام الرئيس الأميركي بعدما انهالت عليه التقارير العسكرية والأمنية ونتائج الإستطلاعات ومواقف كبار الموظفين في إدارته :
– إيران ما تزال تقاتل بشراسة على الرغم من الضربات الإسرائيلية المتواصلة .
– الصواريخ الإيرانية تنهال على إسرائيل وتحدث أضرارا بالغة إضطر الإسرائيليون إلى التعتيم على معظمها أمام العالم والجمهور الإسرائيلي.
– طهران تصعّد من لهجتها وتكشف عن جيل جديد من الصواريخ لم تستطع الدفاعات الجوية الإسرائيلية اصطيادها.
– أظهرت الإستطلاعات الأميركية أن أكثر من ستين بالمائة من الأميركيين ،جمهوريين وديموقراطيين ومستقلين، يرفضون زج القوات الأميركية في الحرب،وأن 16 بالمائة (16 بالمائة فقط) يؤيدون إنخراط أميركا في المعركة.
– فضلا عن كل ذلك ظل ترامب مساء الثلاثاء ونهار الأربعاء، يستمع إلى الآراء المتناقضة لأركان إدارته الذين لم يجمعوا على قرار واحد بشأن الموقف الأميركي من الحرب . كان المتطرفون في واد ،ومعارضوهم في واد آخر،وهو ما أربك الرئيس الأميركي ودفعه إلى تجميد قراره وتنفيذ تهديداته بالويل والثبور وعظائم الأمور.
مساء الأربعاء بتوقيت واشنطن (فجرا بتوقيت بيروت) بدا ترامب منهكا وهو يتحدث إلى الصحافيين في البيت الأبيض ،حتى أن تسريحة شعره الشهيرة ظهرت على غير عهدها. قال الشيء ونقيضه أكثر من مرة،لكنه خلص إلى أن لا قرار حتى الآن.
قال ترامب : “إيران تريد الاجتماع معنا وقد نفعل ذلك.لدي أفكار بشأن ما سنفعله وسنجتمع بعد قليل في غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض.إسرائيل تحقق الانتصار في حربها ضد إيران. لدي أفكار بشأن إيران، لكنني أتخذ قراراتي في اللحظات الأخيرة.رئيس الأركان يتابع ما يحدث بين إسرائيل وإيران ويتفق معي.لم أتخذ بعد قرارا نهائيا بشأن إيران.إسرائيل تبلي بلاء حسنا وقد بحثت الملف الإيراني مع قائد الجيش الباكستاني. لا أريد أن أنخرط في إيران، لكنني لطالما قلت إنه لا يمكنها الحصول على سلاح نووي.أعتقد أن إيران كانت على بعد أسابيع قليلة من امتلاك سلاح نووي.إيران كانت قريبة من إبرام اتفاق نووي جيد.الإيرانيون يريدون القدوم لكن الوقت متأخر وهم لا يستطيعون الخروج من إيران بفعل الصواريخ التي تسقط عليهم.لا أريد القتال لكن الخيار ينحصر بين القتال أو حصول إيران على أسلحة نووية.لم أغلق الباب أمام المفاوضات مع إيران.لا نتطلع إلى وقف لإطلاق النار بل إلى تحقيق انتصار كامل. لم أغلق باب التفاوض مع إيران ومن الممكن عقد اجتماع معهم والتوصل إلى اتفاق.الإيرانيون طلبوا القدوم للبيت الأبيض وأعتقد أنهم لا يستطيعون الخروج من هناك بينما تتساقط القنابل عليهم. الإسرائيليون يبلون بلاء حسنا ولدي العديد من الخيارات، لكننا لن نحارب طالما يقومون هم بذلك”.
فجر الخميس بتوقيت بيروت كانت وسائل الإعلام تتناقل الأنباء من واشنطن على النحو الآتي:
أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين: ترامب يريد التأكد من أن الهجوم ضروري حقا ولن يجر بلاده إلى حرب طويلة الأمد.
أكسيوس عن مسؤول أمريكي: لا نريد أن نضطر لضرب إيران، وترامب ليس مقتنعا حتى الآن بضرورة ذلك
أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين: ترامب يريد التأكد من أن ضرب منشأة “فوردو” ضروري حقا، ولن يجر واشنطن لحرب طويلة الأمد.
أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين: ويتكوف استمر في الاتصال بعراقجي في الأيام الأخيرة حين كان ترامب يفكر بمهاجمة إيران.
مصدر أمني رفيع ومسؤول بالبنتاغون ل”سي بي إس”: ترامب أرجأ قرار الضربة في حال تخلت إيران عن برنامجها النووي.
سي إن إن عن مصادر مطلعة: ترامب قلق للغاية من الانجرار إلى صراع خارجي كان قد تعهد في السابق بتجنبه.
سي إن إن عن مصادر مطلعة: محاولة تجنب إطالة أمد الصراع بين إسرائيل وإيران أصبحت ضرورة قصوى بالنسبة لـترامب.
سي إن إن عن مصادر مطلعة: إدارة ترامب تتلقى باستمرار رسائل من الحلفاء تحث على عدم الانخراط في الهجوم على إيران.
في الخلاصة ،
يبدو الإرتباك واضحا في الموقف الأميركي.فواشنطن تعرف جيدا ماذا يعني دخولها الحرب،وتعرف أن إيران لم تصبح لقمة سائغة بعد،وأنها ما تزال قادرة على إنزال الأوجاع بخصومها . صحيح ان الضربات الإسرائيلية توجع إيران وشعبها ،لكن يبدو أن أهداف الضربة الإسرائيلية الصاعقة الجمعة الماضي لم تتحقق ،حيث كان الأميركيون والإسرائيليون وبعض دول الغرب يتوقعون ثورة إيرانية من الداخل تسقط النظام الإيراني.لكن ذلك لم يحصل ،وتمكنت الجمهورية الإسلامية من تجاوز هذا الحدث ،وهي تبدو حتى الآن متماسكة وهي تخوض معركتها.
فالجمهورية الإسلامية مترامية الأطراف وتزيد مساحتها عن 1.6 مليون كيلومتر مربع،وما تستهدفه أسرائيل عسكريا حتى الآن يتركز على طهران وبعض المدن الكبرى،فضلا عن بعض المواقع النووية التي تأكد أنها ما تزال بخير.والواضح أن أميركا وإسرائيل وحلفاءهما يجهلون حتى الآن ،أو على الأقل لا يحيطون بكل أسرار إيران العسكرية ،في وقت يشير البعض إلى أن الجمهورية الإسلامية تتحصن بمائتي مدينة تحت الأرض،ولا أحد يعرف حجم وكمية ونوعية الصواريخ التي تنام عليها ،بدليل التقارير المتناقضة التي تتوارد من الغرب والشرق حول هذا الواقع.
والواضح أنه كلما طال أمد الحرب سوف يتزايد الإرباك لدى خصوم إيران أكثر فأكثر .وينتظر أن تزداد حيرة الرئيس ترامب أكثر فأكثر . فهو يريد ليّ ذراع إيران ،لكنه لن يسمح لنتنياهو بقطف الثمن وحده. فهو لا يشتغل عند رئيس الوزراء الإسرائيلي ،بل في فكره وثقافته واستراتيجيته أن العكس هو الصحيح !