بروفايلثقافة

الإسكافي “ياكوب بومه”: الفيلسوف الألماني المتصوف(محمد فضل الله عبد الله)

 

بقلم محمد عبدالله فضل الله

محمد عبد الله فضل الله

ولد ياكوب بومِه (1575-1624) في بولندا، في بيئة بروتستانتية متدينة ،ونحن نعلم ما للتدين من أثر فعال في تنشئة الإنسان، إذ سيصبح لاحقاً عنصراً محفزاً في تشكيل الرؤية العامة وبخاصة الرؤى الروحية الصوفية النشطة والمقتحمة لعوالم مخفية. اعتاش من مهنة الإسكافي وما لهذه المهنة من أثر على تكوينه النفسي ونظرية لمن حوله.

بدأ رحلته الصوفيه بانخطافة نورانية وسط جحيم سوداوية اليأس والقنوط فلا بد من هذه الثنائية كمنطلق لترقيات نفسية وروحية تترك وراءها مشاعر ملتهبة تدفع نحو بناء تصور وجودي عام.

في عام 1612 كشف تحفته الصوفية “الفجر أو الشفق بازغاً ” تقوم على تجليات عظمة الحضور الإلهي في الكائنات التي منحها الطاقة على التطهر والنورانية من أجل مواجهة الشر وكسره ، إنها ميدان صراع الإنسان عندما يترقى نور الحق في فكره ونفسه على الرغم من سكون الشرور في صدره .

في عصر انتشار الحكمة الإشراقية في ألمانيا في القرن السادس عشر آمن بومه بلغة السماء المفارقة لنا ولكنها المتوالدة فينا بلا مغايرة بل تستدعينا إليها عند تطهرنا باستطاعتنا التعرف على هذه اللغة وما تعنيه لنا ولوجودنا المتعالي.

بحث بومه في غور الكائنات وأصلها الأولي وماهياتها فهناك عمق غائر في الكون تنبثق منه كل التناقضات والمتضادات التي ينتج عنها حياة جديدة لا بد من أن يكون للعقل البشري حصة متعاظمة ومترقية لفهم مكانتها وتحيزها .

يعتقد بومه أن الحياة مظلمة وتطحن بظلمتها الناس بضجرها وعبثيتها بيد أن ذلك ضروري في المقابل حتى يتدرب الإنسان على تهذيب نفسه أكثر والانعتاق من المقيدات والتنبه لكل أشكال الشرور المعطلة لآثار النورانية والصلاح.

من خلال الظلمة والشرور نتعرف أكثر على جمالية النور الإلهي وبهائه بل يجعل بومه الشر ضرورياً من أجل اختبار الإنسان وتطهيره واصطفائه إلى مرتبة النور الأسمى فالشر مؤقت حتى يتخلص منه الإنسان فلا يعد له أصل ثابت في مقابل الخير كما يصور كثيرون.

إن العدم الأصلي هو الطاقة الكونية الغامضة التي تحتوي في قعرها الغائر النار والنور. مثلها كمثل الواحد الذي نادى به أفلوطين والذي منه تنبثق الكثرة المتناثرة في الكون.

يتجاوز بومِه الماورائيات اللاهوتية الوسيطية، ويصف الله عينه بالعمق الغائر المنبثق بنور التنزه المطلق، والمعلن والمتجلي غير سري ومجهول وغامض في مطاوي الكون ، بل معتلن وكأنه برأيه يرغب بالوجود وهنا تكمن مفارقة مهمة وهي أن الله يحب أن يعرف وهذا مشابه لما في بعض المنقولات عن النبي “ص” : (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف) هذا الكلام الذي رفضه كثيرون وأنه موضوع على لسان النبي ولا صحة لسنده ومضمونه.

الحقيقة في نظره كشف عرفاني، سواء تجلى في الفلسفة أو في اللاهوت أو في علوم الفضاء، هذه الحقيقة منبثقة من الأصل الإلهي الواحد الذي منه تخرج كينونة الكائنات والعالم والأشياء والملائكة والبشر.

يعد كثيرون الفيسلوف الألماني ياكوب بومِه أحد أعظم المتصوفين في تاريخ الفكر الغربي، وعلاوة على ذلك يجمعون على اعتباره رائد المثالية والرومانسية الألمانيتَين.

من تجليات الصوفية التي ميزت كتابات بومِه أنها تنتصر لمتافيزياء الرجاء الذي يعاين الخير في كل صيرورة، ويجعل الشر في نطاق الخضوع لإرادة الإنسان الصالحة ، حيث باستطاعة الإنسان تسييره وتدبيره ، ولا شك في أن مثل التناول جذب إلى فكره عظماء الأدباء والفلاسفة الألمان، وفي مقدمتهم غوته (1749-1832) ولايبنيتس (1646-1716) وشلينغ (1775-1854) وهيغل (1770-1831).

كما كان له الأثر البالغ على الشعراء في ذلك الحين، منهم والشاعر والأديب الألماني لودڤيغ تيك (1773-1853)، والشاعر الصوفي الألماني نوڤاليس (1772-1801)، والفيلسوف والشاعر الألماني فريدريش شلغل (1772-1829).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى