سياسةمحليات لبنانية

انا والرئيس رياض الصلح..

 

هذا الصباح ،مررت في وسط بيروت ،تنزهت بشوارع جميلة العمران لكن بلا روح،عمارة تائهة بين النمط الغربي والشرقي، لا تشبه شخصية أبو عبد البيروتي ولا مزاج عائلات بيروت التاريخية من آل العيتاني وصولا الى آل شاتيلا، وصلت الى تمثال الرئيس رياض الصلح في الساحة المسماة بإسمه، وقفت أتأمله وأعاتبه على كفاحه مع رفاقه من أجل استقلال لبنان ،تأملته ، وقفت أدقق بتفاصيل طربوشه وملامح وجهه، فجأة بدا لي  يغمز بعينه اليمنى، عقدت حاجبيّ مندهشا وتراجعت خطوتين الى الخلف ،غمز بعينه مرة أخرى وحرّك شفاهه، سمعته يطلب مني أن أقترب أكثر فاقتربت منه بحذر، خفت ان يصفعني، أن يركلني بقدمه ،إقتربت منه أقتراب الخائف الشجاع،اقتراب الحشري الباحث عن لغز علميّ ، سمعته يطمئنني، يطلب مني الا أخاف، شكى لي تعبه من الوقوف في مكانه، طلب مني ان أسدي له خدمة وطنية مقابل ان يلبي لي حفيده الأمير خدمة لي في المقابل، طلب أن أقف مكانه لنهار واحد، وفعلاً تبادلنا الثياب والادوار ، وضعت الطربوش على رأسي و وقفت في مكاني كقائد للاستقلال ،لا انفع حاضراً ولا مستقبلاً ،جامداً ، لا أتحرك من مكاني.

وقفت أتأمل المارّة ، اراقب شارع المصارف، أتابع حركة الدخول والخروج من السرايا، وقفت أستمع لتلاوة القرآن من مسجد محمد الأمين، أستمع لدقات أجراس الكنائس و إذ بشاب وصبية يقتربان مني ، جلسا   بقربي، ظننت انهما جاءا ليتبادلا القبل في السرّ ،لكنهما ما ان جلسا حتى إتهمته بالذكورية وأتهمها بالنق والتأفف ، إتهمته باللؤم  وإتهمها بالسذاجة المعطوفة على الفهم الخاطىء للكلام وللامور وللأحداث، هددته بالفقرو هددها بالعوز والحرمان ، شتمته وشتمها قبل أن يفترقا.

من مكاني المرتفع شاهدت مدير مصرف يوبخ موظفيه من شباك مكتبه، يؤنبهم لتقصيرهم في إقناع الزبائن بالمكائد المصرفية وبفنّ الاحتيال، شتمهم وشتموه بعد ان تفرّقوا.

التفت الى السرايا، تابعت جلسة لمجلس الوزراء، سمعت رئيسها يؤنب وزراءه بالتسبّب في خسارة أموال من قروض دولية تستر افلاس دولة مستقلة وحرّة ذي سيادة وعنفوان، سمعته يشتم الدول الداعمة لهم بعد ان انفضوا عنه وسمعتهم يشتمون الدولة الراعية له بعد أن  دخلوا سياراتهم.

استمعت لأسقف في كنيسة ولشيخ في مسجد ،كُل منهما يؤنب المؤمنين في معبده بالتخاذل والتواطوء والانهزام ما يقوي اصحاب الديانات الأخرى على حساب الطائفة والانتماء ، سمعتهم يشتمون آلهة وانبياء بعضهم البعض بعد ان غادر الجميع المعابد.

من شخصية اللبناني ابداء الرأي الحقيقي بإخوانه في الوطن ، بعد اللقاء وليس أثناءه…

مرّ النهار سريعا، كل المواطنين يشتمون بعضهم البعض، لا احد يثق بالآخر، كل طرف يحمل الآخر مسؤولية الانهزام والفشل والخيانة ويتمنى له القتل او الموت.

عند المساء ومع انتشار العتمة لمحت الرئيس يعود مهرولا صوبي طالبا منّي ومن بعيد ان اغادر مكاني فوراً ،اخذ طربوشه عنوة ، دفعنى نحو الأسفل بقوة فسقطت، قفز ليقف مكاني كأنّه خاف ان أرفض تبادل الادوار من جديد.

سألته هل هذا جزاء المعروف و الشكرٍ  على خدمة أسديتها له مجاناً ، تمتم مقهوراً من الألم و قال:

لا يا بنيّ ليس الذنب ذنبك، وقفت على حال الناس،زرت الرئيس بشارة الخوري والرئيس عبدالمجيد أرسلان والرئيس صبري حمادة في أماكن وقوفهم و عقابهم في الساحات فأكدوا لي ما اسمعه وما اراه يوميا هنا، مستاؤون ونادمون مثلي، انتم لا تستحقون هذا الوطن، راهنّا و صدّقنا وهمنا، اعتقدنا ان بالامكان جمع ما لا يُجمع، توحيد ما يوحَد، ظننا أننا أسسنا لدولة قابلة للتطور نحو الأفضل، لم نكن متعلمون مثلكم، كنا اخلاقيون وشرفاء أكثر ،انتم تعانون من الافراط بالتعلم والافراط بالذكاء والتذاكي الا انكم بلا أخلاق ، بلا ضمير عام،دولتكم غريبة عن ثقافتنا البريئة،قلتم عنا اقطاعيين ورجعيين، ثكلتكم امكم انتم وتقديتكم وعلومكم وتحرّركم، دولتكم عبوة قانونية-سياسية-طائفية-إقتصادية تنفجر عند غبّ الطلب من سفير اي دولة عن طريق اي رئيس عصابة تسمونها حزبا او تياراً او تنظيماً ، ليس هذا لبنان الذي رسمناه، دعني أعود الى  الجماد، بلا دم  بلا عقدة سلطة ومال ،بلا نبض قلب وخفق فؤاد،دعني أبكي ما ارتكبناه من جيل حالم بحق الأجيال،كان الانتداب لطيفا امام احتلال الطغاة حالياً، يرحمك ويرحمنا الله…

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى