رأي

الثراء والجمال خدعتان دماغيتان…(أحمد عياش)

 

بقلم د.أحمد عياش – الحوار نيوز

 

الناس يحبّون وينبهرون بالغنى والثراء،يحترمون المكاتب الكبيرة والصالات الفخمة والأثاث الغالي الثمن ،لأنهم مقتنعون انهم يعملون ويكدّون من اجل تكوين ثروة. لذلك مَن يتحدث من قلب مظاهر الغنى تسقط كلماته في قلوب المستمعين والمشاهدين مباشرة قبل اذانهم وعقولهم، لأنهم درّبوا أدمغتهم على امنية ان يصبحوا أثرياء ،لأنّ الاغنياء اقنعوهم ان المال كثروة إثبات واضح للنجاح في الحياة.

الأم إن دعت لابنها تدعو السماء ان يرزقه الصحة والمال. الناس تؤمن ان الطبيب الأنيق العامل في عيادة فخمة في شارع معروف في حركة التجارة والمال ،أمهر من الطبيب المرتب والنظيف الثياب الذي يعمل في عيادة تقع في شارع ولو شبه شعبي، لإيمانها الوثيق أنه لو كان ماهرا لصنع ثروة بسرعة ولانتقل للعمل وللعيش حيث يجتمع ويعمل ويسكن المميّزون.

 

انتبه رجال الدين لفكر وتوجهات وقناعة الناس.حاولوا جاهدين ان يقنعوا المؤمنين بفقر الانبياء الأوّلين وبتقشفهم وبزهدهم وبترفّعهم عن الثراء، فلاحظوا ان الاغنياء يجذبونهم بسحر غِناهم لأن الأنفس اقرب للنفس الامارة بالسوء وللملذات وللسلطة ولإغراءات الدنيا.

قامت قيامتهم،اعادوا نسج الرواية الدينية فقدّموا جمال وتسامح النبي يوسف(ع) وتبوأه مركزا رفيعا عند الحاكم  الغني، وتحدثوا عن قدرات النبي سليمان بتسخير الجن لنقل عرش ملكة سبأ العظيم بمجوهراته برمشة عين، واستطاعوا بما يلبسونه من ثياب فضفاضة وبما يحملون من ادوات مقدّسة بما يضعونه على رؤوسهم من سحر العيون ومن اسر القلوب المهزومة بأمانيها في معابد اجمل واغنى من القصور، فتنافسوا في بناء افخم المساجد وافخم الكنائس وحصنّوها بالذهب وبالمرجان وبافخم انواع البلاط كتحد للقصور وللقلاع العظيمة لاسترداد الناس نحوهم لأنهم يعلمون ان قلوب الناس تجذبهم مظاهر الغنى اكثر من عيونهم ومن عقولهم ،فإن ارادوا  اقناعهم بفكرة صعبة الاقناع كفكرة خوض حرب ما ،خاطبوهم من منبر افخم في معبد ساحر الالوان بغناه.

كل مقدّس يرقد في معبد هائل الثراء.

وكأن الاله يكون أقدس واقوى وأحق إن كان معبده اغنى .

الناس تعتقد ان الغنى خير وبركة ورضى من الاله، وان الفقر مصيبة وسحر وحسد من شيطان وفشل وفأل شرّ.

الناس مقتنعة ان الغنى لا يحصل الا لرزق غيبي مقرّر مسبقاً من السماء .

 

الغنى في ادمغة الناس خير كالجمال تماما.

تستبشر الناس خيرا بالوجوه الجميلة ،وتنجذب لها نظرا واستماعا واستعدادا لتقديم اي خدمات مجاناً، لانها تشعر بأحاسيسها ان الجمال غنى للنفس وللروح وبادرة امل للثراء، بينما تهرب من الوجوه القبيحة ومن الاشخاص المعوقين او المشوّهين لظنهم انهم لو فيهم خير لما عاقبهم الاله او خلقهم على اشكال منفرة للعين وللعقل وللقلب ،لا بل اكثر من ذلك يجدون رابطا بين القبح والنحس وتعثر الوصول الى الثروة.

عندما رسم اهل النصارى والعلويين السيد المسيح والامام علي رسموهما على اجمل تكوين، وكذلك فعل العروبيون عندما رسموا الرئيس جمال عبدالناصر ،وكذلك فعل الشيوعيون عندما رسموا ارنستوغيفارا ،وكذلك يفعل الاسلاميون عندما يرسمون مشايخهم وسادتهم وامراءهم.

كل هذا ونحن لا نتحدث عن الغريزة او عن الشهوة الجنسية . فالمطرب الجميل والوسيم اهمّ بإطلالته من صوته ومن كلمات اغنيته.

مطربو الراديو في الزمن الجميل اقدر وأهمّ من مطربي الشاشة المرئية.

الاصح الا يكون التنافس في الغناء الا عبر الراديو، لا عبر مسارح غنية بالاضواء وبمظاهر الغنى.

حتى مباني المستشفيات الضخمة الأشبه بالفنادق الثرية تشفي المرضى قبل اي علاج.

عند تقديم الاخبار ياتونكم بمقدمة ذات وجه جميل، لانها قادرة ان تلزمك بالاستماع لها عبر النظر اليها، لتخبرك ما كتبه او ما كتبته قبيحة من خلف الجدار.لو قرأ او قرأت القبيحة الخبر لأصابك الملل والنفور ،ولشككت بالمعلومات لانها تذكرك بزوجتك قبل الماكياج.

الناس تعرف ما كتبناه وتدركه جيدا، الا انها غير مستعدة ان تمارس الحقيقة لانها اقرب الى الوهم واقرب الى الخيال كما بدأت حياتها الجنسية الاولى عبر مشاهد خيالية ذاتية الإنتاج…  

ادمغة الناس اقرب الى الوهم بيعا وشراء واكثر راحة في الخيال من اي مواجهة مع المادة الملموسة. لذلك يلجأ الكثيرون لمتعة أحلام اليقظة، وإن سألتهم بماذا هم شاردون أجابوا انهم يفكرون.

هم لايفكرون،يكذبون،يرتاحون في احلام اليقظة لعلهم يستطيعون السيطرة قدر الامكان على مأساة الواقع.

دعهم يحلمون.

لا تسلب منهم الحلم.

وحدهما الحلم والامنية لم يستطع الاثرياء ورجال الدين مصادرتهما.

إن شعرت باكتئاب زوجتك ،اعلم انها باتت ترى وجهها قبيحا في المرآة .فبدل ان تسألها لماذا هي حزينة أعطها مالا لتجري عمليات تجميل.

ترتاح هي وانت تنعم بالهدوء.

لن تغيّر بدماغ احد.

كل الادمغة مغشوشة التكوين وفاسدة وقد صدأت.

لو وعد الرب مؤمنيه بجنة فقيرة  لماتت الناس على امنية دخول جهنم.

خدعتان دماغيتان باقيتان الى الابد: الثراء والجمال.

اقول كلامي هذا واستغفر الله لي ولكم.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى