سياسةمحليات لبنانية

قصة الحكومة:الثلث الضامن..شاء من شاء وأبى من أبى!

    ليس ما يوحي بأن العام 2018 الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة سوف يمنّ على لبنان بحكومة جديدة ،بعد ما يزيد عن سبعة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل هذه الحكومة .بالتأكيد ستكون للبنان حكومة جديدة في العام 2019 ،لأنه من المبالغة بمكان تصور بقاء البلد سنة أخرى من دون حكومة.
   ليس هناك "قطبة مخفية" تعرقل التشكيل ،ولا يمكن التسليم منطقيا بالكلام المرسل عن مداخلات خارجية تمنع ذلك،إذ من كبير السخرية الاقتناع بأن تشكيل حكومة لبنانية جديدة يهدد الأمن القومي الأميركي أو السعودي أو الإيراني ،وهي القوى التي تنسب اليها اتهامات العرقلة.هناك مشكلة داخلية وحيدة تدور حولها الدوائر منذ سبعة أشهر ،وهي إصرار "التيار الوطني الحر" على امتلاك "الثلث الضامن" أو "الثلث المعطل" في الحكومة الجديدة ،واليكم القصة من أولها الى آخرها.
   ليس سرا أن العماد ميشال عون ومنذ انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية عام 2016 ،أوحى في السر والعلن أن حكومة العهد الأولى ستنتجها الانتخابات النيابية المقبلة.جاءت هذه الانتخابات التي تأخرت سنة عن موعدها المؤجل لتكرس وجهة نظر العهد من خلال نيل التيار الحر أكبر كتلة برلمانية في مجلس النواب الجديد تحت مسمى "تكتل لبنان القوي".
     ولكي تكون حكومة الانتخابات ،حكومة العهد الأولى فعلا، يفترض أن يكون تيار الرئيس ،إما فاعلا فارضا أو ضامنا معطلا في هذه الحكومة .وحيث لا يمكن للتيار الوطني الحر أن يكون فارضا داخل الحكومة ،فالأولى أن يكون معطلا للقرارات التي لا تتلاءم مع نهجه السياسي ،وهذا يحتاج في العلم الدستوري اللبناني الى الثلث المعطل (ثلث وزراء الحكومة زائدا وحدا) ،وهو أمر يسعى اليه دائما كل فريق من فرقاء السلطة اللبنانية.
    ثمة معادلة يؤمن بها تماما أهل التيار الحر ،وهي معادلة منطقية في نظام سياسي طائفي كالنظام اللبناني،وهي تقوم على التركيبة الآتية :
   هناك ثلاث طوائف كبرى في لبنان تتقاسم النفوذ السلطوي في البرلمان والحكومة ،وهي السنة والشيعة والموارنة،يشكل مجموعها في البرلمان 88 نائبا من أصل 128 (ما يزيد عن ثلثي المجلس النيابي) .وقد كرس اتفاق الطائف مشاركة الزامية بين هذه الطوائف من خلال الرئاسات الثلاث ،فإذا تفاهمت سارت أمور البلد على ما يرام ،واذا تخاصمت تعطلت شؤون البلاد والعباد .أكثر من ذلك تستطيع كل طائفة من هذه الطوائف تعطيل القرارات داخل الحكومة ومجلس النواب ،إما بقوة الدستور أو من خلال بدعة الميثاقية ،الا في ما ندر.ولطالما استنكف رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء عن دعوة أحد المجلسين الى الانعقاد ،أو على الأقل تجميد مشاريع واقتراحات وعدم طرحها على بساط البحث، ما لم يتم التفاهم عليها مسبقا.
    يعتبر التيار الحر أن السنة يملكون قدرة التعطيل في الحكومة من خلال رئيس الحكومة الذي يتمتع بصلاحيات واسعة ،فلا يجتمع مجلس الوزراء ولايوضع جدول اعمال الجلسات الا بموافقته ،وهو يملك مفتاح استمرار الحكومة واستقالتها .
أما الشيعة كثنائي متفاهم ،فهم في الوقت الراهن يملكون ميزة الميثاقية من خلال استئثارهم بكامل نواب البرلمان ووزراء الحكومة الشيعة ووزارة المالية التي لا يصرف قرش في الدولة الابتوقيع وزيرها .
   فقط الموارنة الذين يرأسون الدولة، لا يملكوم صلاحية التعطيل الا من خلال الثلث المعطل في مجلس الوزراء ،فإذا اتفقوا وتفاهموا كان لهم ذلك ،وان لم يتفقوا يفقدون هذه الميزة ،وواقع الحال بينهم اليوم لا يوحي بالاتفاق والتفاهم .لذلك يصر التيار الحر على امتلاك الثلث المعطل بمساندة سيده ومؤسسه الذي بات رئيسا للجمهورية .
    مع تكليف الرئيس الحريري قبل سبعة أشهر كانت الصورة واضحة أمام التيار الحر ورئيسه جبران باسيل.كانت التوزيعة الحكومية الثلاثينية تفترض الآتي:
    ستة وزراء لرئيس الحكومة وتيار المستقبل .ستة وزراء للثنائي الشيعي .خمسة وزراء للقوات اللبنانية.ثلاثة وزراء للدروز يسميهم وليد جنبلاط.وزير لكتلة المردة برئاسة سليمان فرنجية.الحصيلة اذن واحد وعشرون وزيرا.يبقى لرئيس الجمهورية  والتيار الحر تسعة  وزراء.تعرقل التشكيل من البداية .برزت أزمة القوات اللبنانية التي طالبت بخمسة وزراء ثم قبلت بأربعة. ثم كانت أزمة الدروز فارتضى جنبلاط بأن يسمي رئيس الجمهورية وزيرا درزيا.تخلى سعد الحريري عن وزير سني مقابل وزير مسيحي.لم يتغير شيء.صار للرئيس والتيار أحدعشر وزيرا .تصور الجميع أن المشكلة قد وجدت حلا لها .هنا برزت مشكلة اللقاء التشاوري السني الذي أصر على توزير أحد نوابه الستة بمساندة من حزب الله.رفض الحريري منح اللقاء وزيرا من حصته،الى أن كان المخرج الأخير من خلال المبادرة التي قادها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ،وتقضي بأن يختار رئيس الجمهورية وزيرا من بين خمس شخصيات سنّية يسميهم اللقاء التشاوري السني .لكن السؤال الذي عرقل المبادرة :لمن يتبع هذا الوزير ،لرئيس الجمهورية أم للقاء التشاوري؟..
   هنا توقفت المبادرة وتعرقل التشكيل.فالتيار الحر لم يحقق هدفه بامتلاك الثلث المعطل بعد سحب اللقاء التشاوري اسم جواد عدرا من التداول.وما يزال البحث مستمرا.
   سبعة أشهر ولم يتوقف السؤال :لماذا يصر التيار الحر على الثلث المعطل طالما هذا الهدف يمكن تأمينه من خلال حلفائه(حزب الله والأرمن )وتفاهمه مع الرئيس سعد الحريري؟
   الجواب واضح :ان التيار الحر استنادا الى تجربته الحكومية السابقة لم يعد يثق بحلفائه في الشؤون الداخلية،خاصة لجهة المشاريع والقضايا التي تعارضت فيها وجهة نظره مع حلفائه .
   ثمة مغالطة أخرى يقع البعض في تسويقها ،وهي أن حزب الله يرفض منح التيار الحر الثلث المعطل في الحكومة .أعلن حزب الله سرا وعلانية أنه لا يرفض ذلك ،وهو صادق في ما يقول ،لأن مشكلة الحزب ليست في ما يرفضه التيار ،بل ربما تكون في ما قد يفرضه التيار ،وهذا الأمر الأخير ليس متوفرا لأي كان في حكومة وحدة وطنية .والأصح القول إن كل القوى الأخرى ترفض منح التيار الحر الثلث المعطل وعلى رأسهم رئيس الحكومة .
    في الخلاصة :من حق التيار الوطني الحر أن يطالب ويناضل من أجل الثلث الضامن في الحكومة ،ومن حق الآخرين أن يرفضوا منحه هذا الامتياز..ولكن من حق اللبنانيين أن تكون لهم حكومة .وعليه تمضي السنة رتيبة من دون حكومة ،وحتى من دون حركة ناشطة لاستيلادها الا من بعض الطروحات التي لا تبدو مقبولة ،من طراز وزير ملك أو حكومة اختصاصيين مصغرة ،والى العام المقبل مع أطيب التمنيات.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى