سياسةمحليات لبنانية

جبل عامل بلا مياه..والبديل يسلبهم لقمة العيش!

 

كتب محمد هاني شقير:
يقول المثل الشعبي العامي " بتموز بتغلي المي بالكوز"، ولأن الله جعل من الماء كل شيء حي، وجعل من الإنسان أجمل خلقه وأفضلهم على الإطلاق، فإن من أوجب الواجبات هو أن تجري المياه في قساطل البيوت وتصل الى حنفياتها لتعطي أهلها الحق في بعض الحياة التي كادوا، بل هم على مرمى حجر، من أن يفقدوها.

الصرخة مدوية في قرى جبل عامل. فأهل الجنوب يستغيثون بعد أن فرغت خزاناتهم من مياه الشتاء، ومن مياه القساطل، وها هم اليوم يفرغون ما بقي في جيوبهم من قليل المال ليشتروا به المياه، وهو ما كانوا يمنّون النفس ليقتاتوا به هم وعائلاتهم، بعد أن تعطلت أشغالهم وتوقفت دورة الحياة الاقتصادية في قراهم، ولكنهم، تراهم، مجبرون على شراء ما جعل الله منه كل شيء حي.
الجرارات الزراعية و"البيك آبات" المخصصة لنقل المياه تجوب شوارع وأحياء القرى، وتصطف في صفوف طويلة منتظرةً ساعات وساعات لإبتياع المياه من الآبار الارتوازية، أو شفطها من مجاري الأنهار. وفيما يحصل كل هذا تتحدث مصادر مصلحة مياه لبنان الجنوبي، عن تعطل 6 مضخات مياه في مشروع الطيبة، وإشتغال واحدة فقط والتي ستكون عليها مهمة ضخ المياه الى جميع القرى العاملية. بينما يحصل كل هذا تُهدر مياه نهر الليطاني، وتخرخر منسابةً الى البحر، وهي لا ولم تجد، منذ عشرات السنين،  من يحول مسارها الى القرى التي تربض على جوانب طريقها بين الأودية.
أهل القرى يصرخون ويناشدون المسؤولين أن: “مدّوا منازلنا بالمياه، فجيوبنا فارغة وبالكاد نستطيع تأمين قوت أولادنا ودوائهم وحتى اشتراكات الكهرباء التي باتت هي الأخرى تُقنن جراء فقدان مادة المازوت من الأسواق“.
ونحن نتابع العالمين الافتراضي والواقعي، نعاين عن كثب، صرخة الناس ووجعهم، وهم يمارسون أقصى درجات التهريج أحيانًا ليخففوا وقع الجريمة / المأساة، اللاحقة بهم، ولسان حالهم، جميعهم، يقول: أين هي الدولة؟! ماذا تفعل أجهزتها وإداراتها المعنية؟! لمن نُسمع صوتنا"! وهم هكذا، فإنهم ينتظرون أدوراهم من صاحب هذا الجرار أو ذاك الـ "بيك آب" ليحصلوا على نقلة مياه يبلغ ثمنها بين ثلاثين وخمسين ألف ل.ل. وهي مؤلفة من عشرين برميل مياه لا تكفيهم للخدمة والاستحمام والغسيل، هذا في حين يصاب زرعهم بالشحوب والاصفرار ويموت تحت ناظريهم.
يعاني أصحاب الجرارات أيضًا من فقدان مادة المازوت، فسياراتهم تعمل على هذه المادة، التي يبحثون عنها في كل حدبٍ وصوب ولا يجدونها، ومن يعثر منهم على 10 ليترات من مادة المازوت يعتبر نفسه من المحظوظين، علمًا أنهم لا يتوقفون عن العمل ليل نهار، وبالرغم من أنهم يستفيدون من هذا العمل، لكنهم محزونون على ناسهم وأهلهم ويناشدون، معهم، المعنيين أن يسارعوا الى تأمين المياه من فورهم الى بيوت الناس بغية تخفيف هذه الفاتورة الكارثية عليهم. كما وأن البلديات هي الأخرى، تقف عاجزةً أمام هذه المأساة، وتكتفي برفع الصوت مع الناس مطالبةً المعنيين بمعالجة أزمة المياه بلا إبطاء.
كل هذا والمعنيون، كل المعنيين، غائبون عن السمع وحتى عن النظر، فقد هجر هؤلاء القرى وسكنوا المدن حيث الخدمات أفضل بقليل، وحيث أنهم، ربما، ينشغلون بأمور أخرى ذات طابع وطني واستراتيجي! فلمن تشتكي الناس؟!
إن الشكوى لغير الله مذلة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى