الخرق والخلل في الأحزاب (عماد عكوش)

بقلم د. عماد عكوش – الحوارنيوز
تتشابه الاحزاب الناجحة كافة في سماتها الأساسية بينما تختلف أوجه القصور والخلل في الاحزاب سيئة الإدارة .
تعاني الاحزاب من تحديات فريدة نظراً لطبيعتها التي تجمع بين الأهداف الاجتماعية ، السياسية ، والضغوط المالية ، ما يجعلها عرضة لأنواع خاصة من الخروقات والخلل المؤسسي . تتراوح هذه المشكلات بين سوء الحوكمة والافتقار إلى الشفافية ، ضعف التنوع ، وعدم الكفاءة التشغيلية ، وكلها عوامل تهدد استدامة هذه الاحزاب وقدرتها على تحقيق أهدافها الاجتماعية والسياسية .
مفهوم الخرق والخلل
الخرق في الحزب يشمل أي انحراف عن المبادئ والأهداف الأساسية التي أنشئ من أجلها الحزب ، سواء كان ذلك في الجانب المالي أو الإداري أو الأخلاقي . أما الخلل فهو حالة من عدم الاتزان أو القصور في أحد جوانب عمل الحزب الذي يعيق تحقيقها لأهدافها بكفاءة . وتظهر الدراسات أن نسبة كبيرة من مسؤولي الاحزاب يعترفون بعدم وجود لجان تدقيق في أحزابهم ، ويقرون بعدم وجود خطة للتعاقب الوظيفي ، ويعترفون بأن أحزابهم لا تقيّم أدائها كما ينبغي .
العوامل الأساسية المسببة للخلل
ضعف هياكل الحوكمة والرقابة
تعد الحوكمة الرشيدة من أهم الركائز التي تحمي الاحزاب من الخروقات ، كثير من الاحزاب تعاني من غياب آليات الرقابة الداخلية وعدم وضوح أدوار مجلس الإدارة ، ما يفتح الباب أمام سوء الإدارة والفساد المالي .
النقص في التنوع والشمول
تواجه العديد من الاحزاب مشكلة التجانس في فرق العمل ، حيث تؤدي التحيزات الحزبية – سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة – إلى قوى عاملة متجانسة تفكر وتتصرف بالطريقة ذاتها . هذا النقص في التنوع يحد من القدرة على الابتكار ويفقد الحزب فرصة الاستفادة من وجهات نظر مختلفة في حل المشكلات واتخاذ القرارات.
الاعتماد على التمويل غير المستدام
تعتمد العديد من الاحزاب بشكل كبير على التبرعات والمنح وبعض الاحيان من التمويل الخارجي دون بناء مصادر دخل مستدامة . هذا يجعلها عرضة للتقلبات في التمويل ويحد من قدرتها على التخطيط طويل المدى. كما أن بعض الاحزاب تتردد في الإفصاح عن نفقاتها العامة والتكاليف خوفاً من ردود فعل المانحين ، مما يخلق مشكلات في الشفافية .
عدم وجود معايير محاسبية واضحة
على الرغم من وجود معايير محاسبية للمؤسسات ، إلا أن العديد من الاحزاب لا تطبق هذه المعايير بشكل كامل ، مما يؤدي إلى عدم دقة التقارير المالية وصعوبة تقييم الأداء.
ضعف التخطيط الاستراتيجي
غياب الرؤية طويلة المدى وعدم وجود خطط استراتيجية واضحة يجعل الاحزاب تتخبط في ردود الأفعال بدلاً من المبادرة بخطط استباقية. هذا الضعف يظهر خاصة في غياب خطط للمداورة الوظيفية وعدم الاستعداد للتغيرات في البيئة الخارجية .
آليات منع الخلل ومواجهته
تعزيز الحوكمة والشفافية
ينبغي على الاحزاب تبني مبادئ الحوكمة الرشيدة التي تشمل:
• إنشاء لجان تدقيق مستقلة عن الادارة.
• إعداد تقارير دورية شاملة عن الأداء المالي والتشغيلي.
• الفصل الواضح بين أدوار مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية.
• الالتزام بالمعايير المحاسبية للمنشآت .
• الفحص الفجائي والعشوائي لعمل المسؤولين والافراد.
• استخدام التقنيات الحديثة للتأكد من ولاء المسؤولين والافراد .
تبني التنوع والشمول
يجب على الاحزاب أن:
• تتبنى سياسات استقطاب تعتمد على الكفاءة والخبرة والولاء .
• تضمن تمثيلاً متنوعاً في مواقع صنع القرار.
• تنشئ بيئة عمل شاملة تحترم الاختلافات وتستفيد منها .
تنويع مصادر التمويل
بدلاً من الاعتماد الكلي على التبرعات والتمويل الخارجي ، يمكن للاحزاب:
• تطوير أنشطة مدرة للدخل تتماشى مع رسالتها كأنشاء المدارس ، المستشفيات ، والتعاونيات.
• الاستفادة من استثمارات التأثير التي تهدف إلى تحقيق عائد مالي واجتماعي معاً.
• بناء شراكات مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع مشتركة .
تطوير أنظمة قياس الأداء
ينبغي إنشاء مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) تقيس:
• مدى تحقيق الأهداف الاجتماعية.
• مدى تحقق الاهداف السياسية.
• الكفاءة التشغيلية.
• رضا الاعضاء.
• الأثر الاجتماعي الفعلي للمبادرات.
الاستثمار في بناء القدرات
يشمل ذلك:
• تدريب الكوادر على المهارات .
• تطوير خطط التعاقب الوظيفي.
• تبني التقنيات الحديثة لتحسين الكفاءة.
• تعزيز ثقافة التعلم المستمر داخل الحزب .
الآثار السلبية للخلل على استمرارية عمل الاحزاب
فقدان الثقة العامة
تراجعت الثقة العالمية في المنظمات غير الحكومية من 66% إلى 63% في عام واحد فقط ، وفقاً لمؤشر إيدلمان لقياس الثقة ، فقدان الثقة يؤدي إلى انخفاض التبرعات وصعوبة جذب المتطوعين والشركاء ، مما يهدد استمرارية الحزب.
المشكلات المالية
الفساد المالي وسوء الإدارة قد يؤديان إلى :
• فرض عقوبات من الجهات الرقابية.
• صعوبة الحصول على التمويل.
• انخفاض القدرة على تنفيذ البرامج والمشاريع.
التهديد القانوني
عدم الالتزام بالأنظمة قد يعرض الحزب لعقوبات قانونية تصل إلى حد الشطب .
الخلل في الاحزاب ليس قدراً محتوماً، بل يمكن تجنبه ومعالجته من خلال تبني نظم حوكمة رشيدة ، وتعزيز الشفافية ، والاستثمار في بناء القدرات ، تبني التنوع والشمول ، والفحص الفجائي .