سياسةمحليات لبنانية

كل الفاسدين متساوون.. وبعضهم متساوون اكثر من غيرهم !!

حيّان سليم حيدر

لا أعلم لماذا يذكّرني مشهد لبنان الحالي بقصة جورج أورويل "مزرعة الحيوان"(*) وفيها أنّ:
"كلّ الحيوانات متساوية غير أنّ بعض الحيوانات متساوية أكثر من غيرها"
في القصة أنّ الحيوانات تتآمر لإستلام السلطة من البشر في مزرعتها، وتقوم خلال "نضالها" بإطلاق الوصايا "الحيوانية" للحؤول دون إعادة تطبيق الإجراءات القمعية التي يمارسها البشر. 
وآخر "وصاياها": "كلّ الحيوانات متساوية غير أنّ بعض الحيوانات متساوية أكثر من غيرها"، مع التشديد على كلمة التساوي التي وردت مرتين تأكيدًا لمفهوم أنّ مجتمعها، الذي تريد تصديقه، هو مبني على المساواة.  إعلان أصدره الخنازير بقيادة الخنزير "الرفيق نابليون" على أثر ثورة ومجازر في الحيوانات التي إنتهت إلى تحكّمهم بالحكومة.  هي حركة وحدة الحيوانات في وجه ظلم البشر.
في النهاية: يأتي المزارعون لتناول العشاء مع الخنازير في منزل المزرعة.  وهناك، عندما تنظر سائر "الحيوانات" المنتظرة "متشوّقة" في الخارج من الشباك إلى الداخل، لا يمكن لها التفريق فيما بين الخنازير والبشر، فالخنازير بادرت إلى إرتداء ملابس البشر وأصبحت تتصرّف مثلهم تمامًا.
هي "صرخة" / تعليق على خبث الحكومات، كلّ الحكومات، التي تجزم بالمساواة الكاملة لجميع مواطنيها لكنّها تمنح السلطة والمنافع لنخبة قليلة من أتباعها.  والدروس المُساقة في النهاية هي أنّ القيادات تستخدم قواها لتعمل لمصالحها الخاصة، الأمر الذي يجعل من مجتمع "المدينة الفاضلة" (يوتوبيا) أمرًا مستحيلًا.
العبرة: السلطة تفسد… والسلطة المطلقة تفسد تمامًا (كلّيًّا).(**)
إذن يجدر بهذه القصّة أن تصبح سلسلة من قصص لبنان، تصلح لكتابة مجلّدٍ (ساخنٍ غير مجلّدٍ سيكون) رأيت أن أورد لمحات عابرة عن مشاهد منها في هذه المُخْتَصرة وأتصوّر في فصولها أبطال القصص على النحو الآتي.
أوّل الأبطال: مواد الدستور، تُطلّ من خارج النافذة إلى داخل قاعة التشريع فلا تفرّق بين المشرِّع والمشرَّع، الشرعي وغير الشرعي، الميثاقي وغير الميثاقي، المعلوم والمستور في الدستور،
ثاني الأبطال: الشعب، يتدافع حول نافذة مراكز الإقتراع، بعد "الترسيم"، غير المباشر، لقانون الإنتخاب وتثبيت ممثليه على مقاعدهم، ويحتار في التفريق بين "الخنزير" و"الآدمي" منهم،
ثالث الأبطال: الخبير الإختصاصي التِكْنو المستشار، الذي يتابع من الطاقة (Windows) البرامج المتناقضة للمفاوضات، اللّانَفْع منها، مع صندوق النقد الدولي، ناهيك عن "تقديمات" مؤتمرات "بواريس" من الرقم واحد إلى "سيدر"، ولا يسعه أن يفرِّق بين إملاءات المُسْتَعمِر-المُسْتَثْمِر ومزايدات المُسْتَعْمَر-المُسْتَثْمَر،

رابع الأبطال: الحقّ، الذي يطلّ من فسحة الأمل إلى داخل ردهة العمل، فلا يفرّق بينما الحقّ والباطل، بين الجنحة والجناية، بين التدقيق والتحقيق، 
خامس الأبطال: جماهير "القوى المدنية"، الذين يطلون من فتحات "منابرهم" الإفتراضية إلى صغير الشاشات فلا يرون لشعاراتهم أثرًا ولا يفرّقون فيما بين "الخنزير والحقير"، الخنزير الذي إنتدبوه لإزاحة الحقير الذي عادوا وإرتضوا تسليمه زمام إنقاذهم ممّا كانوا هم السبب في تحقيقه، أي بين "الأنجز" و"الأنجس"، الذين يتسامرون على مائدة العشاء،
ويكون، لا شكّ لها سادسًا وعاشرًا ولا نهايةً من القصص.
ويظهر من هذا كلّه وخاصّة من الشعار الأمّ (من دون أب معروف):                                                                    
أنّ البعض من "كُلّن" متساوٍ أكثر من بعضه ال"كُلّن" الآخر.

سواسيةً، سواديةً، سوداويةً ..
بيروت، في22 تشرين الثاني 2020م.                                            حيّان سليم حيدر.
                                                         كلّنا في الغضب متساوون غير أنّ بعضنا متساوٍ أكثر.
——————————————————
(*)George Orwell –  “Animal Farm”
(**)معلومة لافتة أنّ الكتاب المشار إليه كان يستهدف في الأساس النظام الشيوعي في الإتحاد السوفياتي وقد مُنِع بيعه هناك، بطبيعة الحال، ولكن مُنِعَ أيضًا في أميركا… لأسباب مجهولة ومعروفة في آن ولكن هذه قصّة لا شك مختلفة !..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى