رأيصحف

ثأر البرابرة

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب نبيه البرجي في صحيفة الديار يقول:

كما لو أن الفلسطينيين هم الذين وفدوا من أصقاع الدنيا لاغتصاب الأرض واقتلاع أهلها. وكما لو أن عملية طوفان الأقصى ليست نتاج مئة عام من أنين الأطفال، وبكاء الثكالى، وصراخ القبور والزنزانات، لكي ينتقد الاعلام الغربي، غالباً بلغة مخملية، العقوبة الجماعية ضد أهالي غزة. أبعد بكثير من أن يكون ثأر البرابرة.

أهو سقوط الرأي العام العالمي ـ وهو الخدعة الكبرى ـ أم سقوط العالم؟ كل ذلك الطوفان الفلسفي من أجل تفعيل ثقافة القيم بين الأمم وبين الحضارات، لم يستطع أن يحد ولو قيد انملة من ذلك الزحف الهمجي، وحيث العقاب الجماعي غير المبرر على الاطلاق، تجاوز حدود جهنم.

المؤرخ والأستاذ في جامعة بوسطن والتر كومور كتب عن العقوبة التي شاعت في اليونان القديمة، والتي تتعلق بالجريمة السياسية، أو بالخيانة العظمى. هنا التهمة الموجهة الى أهالي غزة أنهم موجودون (فقط أنهم موجودون). العقوبة وتدعى KATASKAPHE تصدر عن هيئة تمثيلية، وتبدأ بتدمير منزل عائلة الجاني، ومن ثم الحكم عليها كلها بالمنفى من أجل ازالة أي اثر لها، ولمن يتحدر منها، حتى انها كانت تقضي أحياناً بنبش القبور وإلقاء عظام الآباء خارج المدينة.

وابان العهود الأمبرطورية في الصين، كل من يمس بشرعية الأمبراطور، يتم اعدام العائلة بسائر أفرادها. في عام 1402، وبالتهمة اياها، أعدم العلامة فانغ تشياو، مع كل من يمت اليه بصلة، بدءاً من أبناء الأشقاء والشقيقات وصولاً الى تلامذته واصدقائه، ليبلغ عدد الضحايا الـ 873.

“اللوموند ديبلوماتيك” أشارت الى أن “الاسرائيليين” أعادوا منذ عقود احياء ذلك النوع من العقوبات. يفجرون منزل عائلة أي مشبوه بتهمة “الارهاب”، والقاء كل أفرادها في الشارع. الانتقام بالاقتلاع والاذلال. في القدس الشرقية لا يتورعون عن تفجير المنازل المجاورة، لتسأل اذا كان أهالي غزة الذين سقط منهم حتى الآن أكثر من 30000 قتيل، وأكثر من 70000 جريح، مسؤولين عما حدث في 7 تشرين الأول.

بطبيعة الحال لا اشارة الى النصوص التوراتية التي تحث على الاجتثاث والابادة، وكذلك الاشارة الى آراء “الحاخامات” الذين يرون في الجثث المكدسة في الشوارع، أو تحت الأنقاض “ضرورة الهية” لتطهير “أرض الميعاد” من “تلك المخلوقات الهجينة”.

أكثر هولاً من “الهولوكوست”، الذي اذ كان العامل الأساسي في قيام الدولة العبرية، ثمة من يسأل إذا كان “الهولوكوست” الحالي يشكل دفعاً نحو الدولة الفلسطينية؟

احتقان استراتيجي واحتقان ايديولوجي، وحتى احتقان تاريخي يحيط بالصراع. الأميركيون الغارقون في الأزمات الداخلية والأزمات الخارجية، يجدون أنفسهم أمام ثلاثة خيارات:

– الأول: دولة مختلطة تضم اليهود والعرب، الأمر الأكثر من أن يكون طوباوياً.

– الثاني: دولتان يهودية وأخرى فلسطينية، يرى اليمين “الاسرائيلي” أنها ليست فقط القنبلة في خاصرة الدولة، بل القنبلة في خاصرة “يهوه”.

– الثالث: الستاتيكو الذي يعني استمرار تسونامي الدم، وقد يدمر “الاسرائيليين” والفلسطينيين معاً.

المشكلة كما ترى الفيلسوفة اليهودية الأميركية جوديت تايلر في “الرأس الاسبارطي” الذي يبدو أنه “وصل بالجنون الى حد الارتطام بأسوار البيت الأبيض”. لا مجال للائتلاف الأعمى أن ينظر الى التعرجات الدرامية للتاريخ، وحيث يفترض أن يرى ما حل بالأمبراطوريات الكبرى في القرون الغابرة، كما في القرون الأخيرة.

تسأل الى أين تتدحرج الرؤوس اياها، وهي “تثير استغرابنا حين لم تلتقط اللحظة الأميركية لإنقاذها من اللعب ليس على حافة الهاوية، والكل في الهاوية، وانما من اللعب على حافة الجحيم”. تستغرب أكثر لدى رؤية غالبية “الاسرائيليين تقف الى جانب أولئك المجانين”.

الترحيل كعقوبة جماعية، لا يقل هولاً. إذا دخل “الاسرائيليون” الى رفح، فهذا يعني نقل نحو مليون فلسطيني الى منطقة “المواسي” (أخذنا التسمية من الانكليزية)، أي بمعدل 62000 فلسطيني في الكيلومتر الواحد. ما يعني البقاء وقوفاً أو ركوعاً، وأن يناموا بالمناوبة.

دومينيك ادة كتبت في الـ L OBS، بعنوان “اننا ندفع بالإنسانية الى الخواء”، “لكي ندرك ما هو اسوأ من خسارة الحياة الاستمرار في العيش من دون الحياة”.

مئة عام أخرى من… الخواء؟!

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى