دولياتسياسة

شرق المتوسط وايران يهمشان احادية امريكا

 

بالرغم من الجهود الحثيثه والمكثفه ، التي بذلتها الولايات المتحده الاميركيه ، خلال السنوات العشر الماضيه ، في إشاعة الفوضى ومحاولات التفتيت في ايران والدول العربيه المختلفه ، عبر الاستثمار في تحركات شعبية ، خاصة في الدول العربيه،حيث طرحت التحركات مطالب معيشية محقة ودعت الى قطع دابر الفساد ، الذي يخلق التربة الملائمة لقوى الاستعمار للاستثمار في تحركات شعبية مشروعة لاهداف استعمارية غير مشروعه ، الا ان الولايات المتحده ومعها أذنابها ، من صهيوني الى سعودي خليجي وعثماني ، فشلت تماماً في تحقيق أي من أهدافها في غرب آسيا ، ما مهد الطريق لزلزلة هيمنتها التقليدية الأحادية القطبيه على العالم .

وقد تجلّت هذه الزلزله في اكثر من مجال وأكثر من مكان في العالم .
وكانت ابرز تجلياتها في الاونة الاخيرة ،على سبيل المثال لا الحصر كما يلي  :
1. فشل الولايات المتحده في اسقاط الدولة السوريه ونقل سورية من معسكر المقاومه الى المعسكر الاميركي الصهيوني الرجعي العربي . وهو الامر الذي افشل ما أسمته الاداره الاميركيه مشروع الشرق الاوسط الجديد ، الذي هدفت من ورائه الى ترسيخ سيطرتها على "الشرق الاوسط "ومنع القوى العظمى الاخرى ، مثل الصين وروسيا ، من ممارسة علاقات طبيعية ومطابقة للقوانين الدوليه مع دول المنطقه .
2. ادى هذا الفشل بالولايات المتحده ، وبعد انسحابها من العراق سنة ٢٠١١ ، نقول ان ذلك قد دفعها للزج بمجاميع داعش والقاعده في ميدان الصراع ، في كل من سورية والعراق ، وصولاً الى الحدود الايرانيه شرقا واللبنانية غرباً ، حيث تمثل هدف مشروع داعش في زعزعة الاستقرار الداخلي في ايران والسيطرة على اجزاء من لبنان تسهيلاً لمهمة الجيش الاسرائيلي في شن هجوم واسع على لبنان يهدف للقضاء على المقاومة هناك .
3. لكن صمود الشعب والجيش والقيادة السوريه بشكل أسطوري قد خلق الظروف الموضوعيه المناسبه لفهم أعمق لطبيعة الصراع الدولي ، من قبل القياده الروسيه ، ما جعلها تقرر الانخراط الجدي المباشر في عملية انهاء هيمنة الولايات المتحده الاميركيه على مقدرات العالم . وقد ظهر هذا الامر جلياً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في العمليات القتاليه في سورية منذ أواخر شهر أيلول سنة ٢٠١٥ .
4. كذلك كان صمود الشعب اليمني. ، ورغم الموقف الروسي الضبابي من الحرب السعوديه البربرية ضد هذا الشعب ، نقول ان هذا الصمود قد كان بمثابة حجر زاوية في تعزيز المواقف الدوليه ، الصينية الروسيه ، وتقويض الهيمنة الاميركيه على العالم وذلك عبر حرمان الولايات المتحده الاميركيه من فرض سيطرتها على مياه غرب المحيط الهندي وبحر العرب وخليج فارس والبحر الأحمر وما لذلك من اهمية استراتيجية كبرى ، تتمثل في قدرة القوات المسلحه اليمنيه على وقف امدادات القوات الاميركيه عبر مضيق باب المندب ، وما لذلك من تأثير كبير في حال حدوث اَي صراع مسلح بين الدول العظمى .
5. وفِي نفس هذا الاطار يحب قراءة التدريبات القتاليه البحريه المشتركه ، بين سلاح البحريه الايراني والروسي والصيني ، في غرب المحيط الهندي وشمال شرق بحر العرب التي ستجري بتاريخ ‪٢٧/١٢/٢٠١٩‬ . وهي تدريبات عسكرية ذات طبيعة استراتيجية هامة ، خاصة وأنها تعكس مزيداً من دمج القدرات العسكريه الايرانيه مع القدرات العسكريه لكل من الصين وروسيا ، الامر الذي يمنح ايران مزيداً من الحصانة في مواجهة سياسة الحصار والعقوبات والبلطجة الاميركيه .‬
6. اما في ما يتعلق بمجريات الوضع والصراع المحتدم في الساحة الليبيه فهو أيضاً تعبير مضاف عن انحسار الهيمنة الاميركيه وتوسع الدور الروسي الصيني ، وان بشكل غير مباشر . فرغم الضجيج الذي يفتعله اردوغان ، حول الدور التركي في ليبيا ، الا ان المصادر الاستخباريه تفيد بأن هناك تفاهماً دولياً ، روسياً صينياً أوروبياً تركياً مصرياً سعودياً إماراتياً ، على الأدوار الحاليّه والمستقبلية لكل طرف من الاطراف في ليبيا ..
وسيمثل المؤتمر الدولي ، الذي دعت المستشاره الالمانيه إنجيلا ميركل الى عقده في برلين قريباً ، سيمثل تعبيراً واضحاً عن ادوار الاطراف المعنيه وستوضع من خلاله خارطة طريق لانهاء الصراع الدائر حالياً وكذلك لمرحلة ما بعد توقف العمليات العسكريه والبدء باعادة إعمار البلاد .
٧.وبتعبير آخر فان انعقاد هذا اللقاء الدولي حول ليبيا في برلين ، وبغض النظر عن فرص نجاحه ، وتحت مظلة اوروروسيه ، يعني مزيداً من تراجع دور الولايات المتحده في الهيمنة على مقدرات العالم وازدياداً في فعالية سياسة الأقطاب المتعددة ، التي تتبعها كلاً من الصين وروسيا ، بالاضافة الى التأثير المباشر في توسيع الوجود العسكري والسياسي الروسي في حوض المتوسط وما يمثله هذا الوجود من حصار استراتيجي لخاصرة حلف الناتو الجنوبيه ، خاصة اذا ما وضعنا العلاقات المميزة لروسيا و الجزائر في عين الاعتبار .
8. وبالنظر الى اننا نتحدث عن الحد من الهيمنة الاميركية على العالم فلا بد ان نضيف الى ما سبق، بان انعقاد اللقاء الدولي ، الذي دعت اليه ميركل ، في برلين ، وبعد ايّام فقط من فرض الرئيس الاميركي لعقوبات مالية ، على الشركات الاوروبيه التي تشارك في تنفيذ مشروع نقل الغاز الروسي الى أوروبا ، عبر خط انابيب السيل الشمالي ، وخاصة المانيا وفرنسا ، فان دعوة ميركل هذه تؤكد بوضوح المزيد من التفلت الاوروبي من الهيمنة الاميرميه وتوجهاً واضحاً لدول أوروبية عظمى لتعزيز التعاون مع روسيا والصين .
9. وفِي نفس هذا السياق يجب على المرء ان يقرأ توصل روسيا واكرانيا الى اتفاقية اقتصادية هامه ، تعيد تفعيل اتفاقيات عبور الغاز الروسي ، عبر الاراضي الاوكرانيه الى أوروبا الغربيه ، حيث تم التوقيع على هذه الاتفاقيه يوم ٢١/١٢/٢٠١٩ في برلين أيضاً وبحضور المستشاره الالمانيه أنجيلا ميركل .
وما تمديد هذه الاتفاقية ( عبور الغاز ) لمدة  ٥ سنوات قابلة للتجديد لمدة ٥ سنوات اخرى الا تعبير عن فشل اميركي جديد ، خاصة وان واشنطن قد عملت كل ما في وسعها لتخريب سوق الطاقه في أوروبا وإجبار الدول الاوروبيه على الخضوع لأوامرها واستبدال الغاز الروسي الطبيعي الرخيص الثمن بالغاز الاميركي المسال والمرتفع الثمن .
١٠.وأما مسك الختام ، في مسلسل تراجع هيمنة الولايات المتحده الاميركيه على العالم ، فقد مثلته زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني الى طوكيو ، وما قدمته اليابان من مقترحات لتخفيف التوتر بين طهران وواشنطن .حيث ان تقديم المقترحات بحد ذاته يعبر عن تراجع اميركي واضح ، خاصة بعد ان فشلت مؤامرة الاداره الاميركيه الاخيره في إشعال نار الفوضى الداخليه في ايران ونجاح السلطات الايرانيه في حماية الامن الداخلي بشكل يضمن استقرار البلاد وتعزيز القدرة على التصدي للعقوبات الاميركيه ضد الشعب الايراني .
هذا غيض من فيض لما تشهده المسارح الدولية من تراجع فاضح لهيمنة الولايات المتحدة بسبب انكساراتها المتواصلة امام تقدم القوى العالمية الحية الجديدة التي تتقدم عليها في مختلف الساحات ما سيرسم خارطة جديدة للعالم ..!
المتابعون لهذه الظاهرة المتنامية يؤكدون باننا نتقدم بخطى متسارعة نحو انهيار منظومة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية،في مقابل تشكل وتبلور قوى جديدة من شأنها ان تشكل عالم ما بعد الدولار والبترودولار الامريكي كما يخطط ويحلم ثنائي منتدى شانغهاي الصيني الروسي.
عالم قديم ينهار
مقابل عالم جديد ينهض

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى