حروبسياسةمحليات لبنانية

نقاش هادئ في مقولة “انسحاب المقاومة إلى شمال الليطاني”: فولكلور سياسي لا يقدّم ولا يؤخّر(واصف عواضة)

 

كتب واصف عواضة – خاص الحوار نيوز

تتردد في الفترة الأخيرة مقولة “إنسحاب حزب الله والمقاومة إلى شمال الليطاني”.

بعيدا عن نية أو رغبة الحزب في ذلك،أو استعداده للبحث في هذا الموضوع،وباختصار شديد،تبدو هذه المقولة مجرد فولكلور سياسي لا معنى له. فلا الظروف الذاتية ولا الظروف الموضوعية تقدّم أو تؤخّر في هذا المجال.فحزب الله في جنوب الليطاني ليس كتيبة أو لواء عسكريا يمكن نقله ك”حجر الداما” بعيدا عن الحدود وضمان أمن المستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة . ومن يرى غير ذلك فهو غارق في تسلية سخيفة لن تحقق الأهداف المنشودة التي يسعى اليها الساعون لأغراض معروفة.

فحزب الله بقياداته وكوادره وعناصره في جنوب الليطاني، ليس مادة مستوردة من طراز “بلاك ووتر” أو “قوات فاغنر”،ولا هم عناصر مرتزقة بالأجرة استُقدِموا الى الحدود لمقارعة الجيش الإسرائيلي ،بل هم لبنانيون “أبّاً عن جَدّ”،ومعظمهم من أبناء البلدات والمدن الواقعة جنوب الليطاني ،وحتى أولئك الموجودين من خارج المنطقة ،قريبين أو بعيدين ،فهم لبنانيون مائة بالمائة ،ويحق لهم التواجد على أي بقعة من أرض بلدهم ،وما من عاقل أو جاهل أو متآمر يمكنه أن يجادل في هذا الواقع.فلربما يأتي يوم يقال فيه للنائب حسن فضل الله مثلا:”عليك أن تغادر عيناتا وتسكن في النبطية او الزرارية شمال النهر”!!

هذا ما يتصل بالظروف الذاتية ،أما الظروف الموضوعية فحدث ولا حرج. فالسلاح الموجود في يد الحزب هو سلاح مقاومة فرضتها ظروف يطول شرحها ،منذ أُطلقت القذيفة الأولى على الجنوب وأهله ،وما تبعها من تهديدات واحتلالات أقضّت مضاجع الجنوبيين وحمّلت لبنان بأسره أعباء ما زال يرزح تحتها حتى الآن.وليس من المنطقي أن تسحب المقاومة سلاحها من جنوب الليطاني في غياب أي قوة فاعلة ،لبنانية وغير لبنانية ،يمكنها حماية الجنوبيين من صلف العدو ،وقد كانت له جولات وصولات على مدى خمسة عقود وأكثر ،في الإحتلال والقمع والخطف والقتل والتنكيل بالجنوب وأهله.ولطالما ردد الجنوبيون أنه عندما تتوفر القوة التي تحميهم وتصون كراماتهم ،عندها فقط ننظر في وضع المقاومة.

صحيح ان القرار الدولي رقم 1701 يمنع وجود السلاح “غير الشرعي” في منطقة جنوب الليطاني ،ويحصر هذه “الفضيلة” بالجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)،لكن هذا القرار يَفترض ايضا إنسحاب القوات الاسرائيلية المحتلة من جميع الأراضي اللبنانية ومنع الاختراقات البرية والبحرية والجوية الإسرائيلية ،فهل فعلت إسرائيل ذلك خلال 17 عاما؟ ولماذا يجب أن يلتزم أبناء الأرض وأصحابها بالقرار ولا يلتزم المحتل؟

 

أمام هذا وذاك يبقى السؤال الإفتراضي:ماذا يقدّم أو يؤخّر سحب المقاومة بسلاحها إلى شمال الليطاني؟..وهل بهذا الانسحاب يتوفر الأمن للجليل ومستوطناته؟..وماذا يفيد انسحاب المقاومة لبضعة كيلومترات عن الحدود في عصر الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى والمسيّرات الجوية التي تعبر مئات، بل آلاف الكيلومترات، لتصل إلى أهدافها؟

مرحليا،سواء انتقل حزب الله بعدته وعديده وأسلحته إلى شمال الليطاني ،أم بقي في جنوب النهر، فالأمر سيان طالما العدوان مستمر على غزة ،وهو قرار حسمه محور المقاومة من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن. وليس سرا أن المقاومة في شمال الليطاني سوف تستخدم اسلحة أكثر فتكا ،وربما تكون أحيانا أقل دقة، ما يحمّل المستوطنين سطوة الموت العشوائي،وبالتالي لن يكون متاحا لمستوطني الشمال العودة إلى بلداتهم المغتصبة أصلا ،إلا إذا كانت النية الاسرائيلية إعادة إنشاء حزام أمني في جنوب لبنان كما كان سائدا قبل العام 2000 ، هذا إذا استطاعت،فعندها يكون الجنون الاسرائيلي قد بلغ مداه الأقصى.

يأتي الموفدون الأجانب إلى لبنان ،أميركيون وفرنسيون وألمان وأجانب ،وعربا في بعض الأحيان ،والحكاية هي هي. كلهم يحملون همّ أمن إسرائيل والإسرائيليين في شمال فلسطين.لا أحد منهم يحمل همّ لبنان واللبنانيين ،والجنوبيين على وجه الخصوص،وكأن أهلنا أصحاب الحق، قبيلة لاجئة في هذه الأرض ،وجدت لضمان الأمن الإسرائيلي.

أوهمونا بالنفط والغاز في حدودنا البحرية، حتى انزلقت سلطاتنا في تفاهم تبيّن أنه “كذبة موصوفة”،فما كدنا نشم رائحة الغاز حتى صدرت “الأوامر العليا” بالتوقف عن التنقيب بحجة أن “لا غاز ولا نفط” في حدودنا البحرية ،بينما العدو يستخرج ثروته على بعد أمتار قليلة من آبارنا المفترضة.

اليوم يوهموننا بترسيم الحدود البرية ،وهي ليست عملية ترسيم بقدر ما هي إعادة الحقوق البرية إلى أصحابها ،بدءا من النقاط المحتلة على الحدود حتى قرية الغجر ومزارع شبعا.يأتي ويذهب “صديقنا هوكشتاين”،يعدنا بالمن والسلوى،ثم يغيب غيبة أهل الكهف ،ولا يعد إلا عندما تنحشر إسرائيل،وهكذا دواليك :”محلك يا واقف”.

طوال 17 عاما ،بعد حرب تموز عام 2006،عاش الجنوبيون ،ومن خلفهم اللبنانيون ،فترة من الإستقرار ،ظنوا أنها أبدية،فانتعشت مناطقهم ،فقامت عشرات المؤسسات السياحية ،وغدت بلدة كالناقورة مقصدا للبنانيين من جميع المناطق،وضجّ شاطئها صيفا بالآلاف المؤلفة من الرواد، وانتشرت على طول الساحل من مدينة صور حتى الحدود منتجعات “سبّحت باسم الخالق”، وارتفعت أسعار الأراضي وتزاحم المستثمرون تحضيرا لما سيكون.فجأة إنهار كل شيء،ليس بسبب وجود المقاومة وحزب الله جنوب الليطاني،بل بفعل “طوفان الأقصى” الذي زلزل من غزة كيان العدو وهز وجوده.لم يكن بالإمكان أن تقف المقاومة في لبنان على الحياد كما يتوهم البعض ،والأسباب كثيرة ويطول شرحها.

في الخلاصة ،المشكلة هي قضية احتلال..هي قضية فلسطين وشعبها المشتت المظلوم المقهور المحاصر ،في الداخل والخارج،وواهم من يعتقد أن هذه المنطقة وأهلها(عربا وإسرائيليين) يمكن أن يُكتب لها الإستقرارالمنشود في ظل هذا الإحتلال الذي أثبت في حرب غزة المستمرة على أعتاب مائة يوم، أن التعايش معه ضرب من الخيال..وعليه سواء بقيت “حماس” أم لم تبق،وسواء بقي “حزب الله” أم لم يبق،فالصراع مستمر ،وسيولد ألف “حماس” وألف”حزب الله” طالما لم يحقق الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة..ومن يعش ير !!

      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى