دولياتسياسة

أوروبا تصوب المسدس نحو رأسها!(أكرم بزي)

 

كتب أكرم بزي – الحوار نيوز

الضغط الاميركي على الاوروبيين المستمر من شباط 2022 الماضي عندما اندلعت الحرب الأوكرانية – الروسية، يكاد يضع العالم كله على شفير حرب نووية.

لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الحرب، والصراع الدائر الآن ما زال يحمل الكثير من التكهنات والمفاجآت والتي لا يعلم بها إلا من يخطط من كلا الطرفين لها “الأطلسي – الروسي”، أو الراسخون في العلم على المستوى المخابراتي والمعلوماتي. فمنهم من يقول إن هزيمة روسيا حتمية، والآخر يقول إن روسيا على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق مآربها في إقليم “دومباسك”، فهناك أكثر من سيناريو على هذا الصعيد ولها تداعيات متناقضة لصانعي القرارات في الغرب والاطسي بشكل عام.

المراقبون والمحللون الغربيون ذهبوا بعيداً في رسم سيناريوهات فشل الهجوم الروسي وتحليل نتائجه على الشكل التالي:

السيناريو الأول والأقل احتمالًا هو أن توافق روسيا على هزيمتها بقبول تسوية تفاوضية بشروط أوكرانيا. وهذا شبه مستحيل، مع إعطاء بوتين هامش الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم ومقاضاة السلام في أماكن أخرى. ومع ذلك ، فإن هذه النتيجة غير محتملة في عهد بوتين ، نظرًا لأن مقاربته للحرب كانت متطرفة منذ البداية.

الثاني، سيسعى الكرملين بشكل ما إلى إطالة أمد الحرب، ويمكن لروسيا أن تختار شن هجوم نووي على أوكرانيا. عندها ستتجه الحرب نحو مواجهة عسكرية مباشرة بين الناتو وروسيا. سوف تتحول روسيا إلى دولة مارقة ، وهذا من شأنه أن يقو ي قناعة الغرب بأن روسيا دولة عدوة ولا يمكن التفاهم معها كونها تسعى الى ضم الدول الأوروبية التي انسلخت عنها.

السيناريو الثالث،  ستجري المعارك الحاسمة، ليس في أوكرانيا، بل في أروقة الكرملين أو في شوارع موسكو، حيث يستمر الروس في السير وراء قيصرهم “غير الكفؤ” فقط إلى نقطة معينة. على الرغم من أن بوتين قد جلب الاستقرار السياسي إلى روسيا – وهي حالة ثمينة بالنظر إلى التصدعات التي حدثت في سنوات ما بعد الاتحاد السوفيتي – إلا أن مواطنيه قد ينقلبون عليه إذا أدت الحرب إلى الحرمان العام. (فورين أفيرز- كانون الثاني و شباط/2023).

هذا بحساب الغربيين، أما لو نظرنا قليلاً إلى نتائج المعركة لوجدنا أن الروس استحوذوا على أربع مناطق استراتيجية على حدودهم كانت لوقت ليس ببعيد تابعة لهم، أيام الإتحاد السوفياتي قبل أن يتفكك، وبالتالي فإن بوتين يعتبر أن المعركة قاب قوسين أو أدنى من تحقيق جميع أهدافها، وخاصة بعد ضم ما يشكل مجموع 20% من مساحة أوكرانيا و70% من حجم الاقتصاد الأوكراني، والتي تقع في (لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا).

ولكن هل سيسمح الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة لروسيا بتحقيق “النصر الروسي”، فالضغط الأميركي على الأوروبيين لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، والشعوب الأوروبية عانت وما زالت تعاني من انهيار للوضع الاقتصادي وغلاء الأسعار وخاصة الطاقة والغاز إلخ… والضغوط التي تمارس الآن على الدول الأوروبية لتسليح أوكرانيا بكافة أنواع الأسلحة الفتاكة، ومنها الضغط لتسليم أوكرانيا حوالي 118  دبابة فقط ،بعد أن وافقت الحكومات الغربية، والتي ستصل خلال مراحل تبدأ بعد فترة وتنتهي بعد أربعة اشهر على خط جبهة يمتد إلى مئات الكيلومترات، مع تأمين غطاء جوي لها، وهذا يأخذنا إلى القول إن أميركا تسعى إلى دفع أوروبا باتجاه التوغل أكثر فأكثر، والدوافع على الشكل التالي:

1-    استمرار وتوريط الدول الأوروبية في الصراع ضد روسيا.

2-    توسيع الهوة بين اوروبا وروسيا بحيث تضمن عدم عودة العلاقات بينهما كما كانت في السابق ،وخاصة في ما يخص التبادل التجاري والاتفاقات الاقتصادية.

3-    ضمان صمود اوكرانيا والحفاظ على التوازن، بحيث لا يبدو أن أوكرانيا تعرضت لهزيمة لا روسيا.

4-    ضمان عدم عودة اي علاقة بين روسيا والمانيا وخاصة ما يخص الطاقة.

5-    الحفاظ على وحدة صف الدول الغربية وتعزيز حلف الأطلسي أكثر من السابق ،لما له من فائدة خاصة على مستوى تعزيز التعاون في صناعة الأسلحة وتشغيل مصانع الغرب العسكرية.

فبحسب خبراء أوروبيين ،إن كلفة وحدة الصف هذه ستجعل اقتصادات اوروبا ومصانع الأسلحةستعمل لفترة أكثر من 15 سنة كي تعيد صناعة الخسائر التي تكبدتها أوروبا حتى الآن.

وهنا تسعى الولايات المتحدة الاميركية إلى توريط اوروبا اكثر، وقد تدفعها لإرسال جنودها (إذ لم يبق إلا ذلك) “بعد إرسالها لمجموعة كبيرة من الخبراء” في الحرب الدائرة، وهذا ما سيعارضه الجمهور والنخب الأوروبية المعارضة لهذه الحرب لما لها من تداعيات خطيرة. واذا استمر تزويد اوكرانيا بالأسلحة فيمكن ان نوسع نطاق الصراع الى دول مجاورة، إلا أن الدول الاوروبية كشفت عن وجهها، وهي لم ولن تقدر على اتخاذ قرارات لمصلحة شعوبها بقدر ما تتخذ قرارات لمحاباة الأميركيين، نتيجة خضوعهم للاملاءات الأميركية.

ما هي الدبابات القتالية التي بحوزة أوكرانيا حتى الآن؟ وما هي الميزات الإضافية لدبابات ليوبارد؟

تمتلك أوكرانيا مئات المدرعات والدبابات الدفاعية، سواء ما يمتلكه جيشها سابقا، أو زودتها بها دول حليفة مؤخرا. كما تمتلك دبابات هجومية من الحقبة السوفييتية، من بينها دبابات قديمة مثل T72  وT80، غنمتها أوكرانيا من الجيش الروسي خلال انسحابه على وقع الضربات. وأيضا موديل T90، والآن تأتي الدبابات الغربية، ومنها  ليوبارد الألمانية، لترفع( قدرات الجيش الأوكراني لشن هجوم مضاد من أجل استعادة المناطق المحتلة.  وبها يمكن لأوكرانيا أن تفتح ممرا عبر منطقة دومباس باتجاه جزيرة القرم أيضا، وفق القيادي السابق في الجيش الأمريكي في أوروبا، بن هودجس، في مقابلة إذاعية. كما يمكن لأوكرانيا أن تبني، بهذه الدبابات القتالية الغربية المتطورة، حاجزا مصفحا يصعب اجتيازه، ويكون “مقدمة لهجوم القوات الأوكرانية لكسر خطوط الدفاع الروسية حتى الوصول إلى ماريوبول”. وبشكل عام ستساهم هذه الدبابات في فتح الطريق أمام التقدم في أي اتجاه.

هل سيقتصر ما تقدمه ألمانيا على الـ14 دبابة، التي أعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية عن تسليمها لاحقا لأوكرانيا؟ أم ستكون هناك دفعات إضافية؟

 عموما تتواجد دبابات ليوبارد في المخازن وورشات الصيانة وعند الشركة المصنعة، إضافة لتلك الموجودة بحوزة الجيش الألماني.

مدير شركة راينميتال، أرمين بابرغر، قال لمجلة شتيرن: يمكن لشركته أن تجهز، حتى نهاية مارس/ آذار، 29 دبابة “ليوبارد”2A4 ، وكان الجيش الألماني يمتلك خلال الحرب الباردة أكثر من 2100 دبابة من طراز ليوبارد 2، ولكن بعد سقوط جدار برلين وتراجع خطر الصراعات المسلحة تخلص الجيش من كثير من تلك الدبابات إما ببيعها أو منحها لدول أخرى، أو بتفكيكها والتخلص منها.

أما على المقلب الروسي، ثمة من يقول إن روسيا لا يمكن ان تسمح للدبابات الألمانية، والتي لها تأثيرات وحساسية سلبية على الشعب الروسي، فالحرب الوطنية العظمى (معركة “كورسك” ) والتي قلبت الموازين في الحرب العالمية الثانية، بعد معركة “ستالينغراد” والتي شارك فيها 8000 دبابة روسية وألمانية، ما زالت ماثلة أمام الأجيال التي واكبت هذه الحرب. فكلفة هذه الحرب بلغت أكثر من 30 مليون نسمة إن لم نقل أكثر.

تمتلك روسيا أكبر مخزون نووي في العالم قوامه 5977 رأس حربي ، بينها 977 تمحو مدن بشكل كامل عن الخرائط. فصاروخ “سارمات” يصل مداه إلى 11000 ميل، و”ياريس” إلى 7500 ويصعب تعقبهما، أسلحة نووية تكتيكيّة مبيدة للأرواح، وصاروخ “كينزال” الذي تفوق سرعته سرعة الصوت ب 12 ضعفاً ويطلق من الطائرات، والغوّاصة “بوسايدون” المختفية تحت الماء منذ سنوات والتي تنتظر اشارات إطلاق قذائفها التي تزن 2 ميغا طن بما يتجاوز إنفجار هيروشيما ب 130 مرّة.

Russian President Vladimir Putin partcipates in a meeting with mothers of Russia’s servicemen participating in the military operation in Ukraine, ahead of Mother’s Day at the Novo-Ogaryovo state residence, outside Moscow, on November 25, 2022. – Russian President Vladimir Putin meets a group of military mothers and wives for the first time since ordering Russian forces into Ukraine nine months ago. Mothers and wives of soldiers mobilised to fight in Ukraine, demanding urgently that the military make good on promises made by President Vladimir Putin. (Photo by Mikhail Metzel / SPUTNIK / AFP)

والذي يعرف شخصية بوتين العنيدة والجبارة ويعرف تاريخه وما فعله أثناء خدمته في جهاز المخابرات الـ “كي جي بي”، وخاصة بعد حطام جدار برلين، يدرك أن هذه الشخصية الجدلية والتي شغلت العالم بأسره، قد يقدم على خطوات لا يتوقعها المحللون من المخابرات الأميركية وغيرهم، لما يمتلكه من غموض وذكاء حاد قل نظيره على المستوى الأمني والعسكري.

حقيقة الأمر والذي ظهر جلياً فإن الإنصياع الأوروبي للطلبات والرغبات الاميركية يأخذنا إلى القول إن الأوروبيين يريدون للولايات المتحدة الأميركية أن تبقى مهيمنة على العالم أجمع، لأن مصلحتها من خلال هذه الهيمنة حيث مكمن قوتها لاستمرار سيطرتها على الدول الصغيرة واستغلال مواردها، إلا أن هذا الأمر قد يبدو كمن يضع نفسه على حافة الهاوية أو يطلق الرصاص على نفسه.

المسار لغاية الآن يبدو تصاعديا، والخطير هو ان يبقى كذلك، فالغرب لا يريد انتصار روسيا ،وفي الوقت نفسه لا يتحمل كلفة هزيمتها. وبالنسبة لروسيا فهذه معركة وجود كما عبر الرئيس بوتين عن ذلك أكثر من مرة، وهذا قد يدفع القيادة الروسية إلى الذهاب نحو حرب نووية فيما لو شعرت بهزيمة. وهذا ما عبر عنه نائب رئيس مجلس الامن القومي ديمتري ميدفيدف عندما قال : “على واشنطن ايقاف دقات الساعة النووية”.

ولطالما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “إذا تعرض الأمن القومي الروسي للخطر سنستعمل كل الوسائل المتاحة للدفاع عن أنفسنا”، وما تمارسه الولايات المتحدة الأميركية من ضغوط على العالم أجمع، وبخاصة أوروبا، قد يجبر الرئيس بوتين على القيام بخطوات غير منتظرة، وخارج حسابات الدائرة الأمنية – العسكرية، (الأميركية-الأوروبية).

الربيع آت ،والشعب الأوروبي برمته يعاني أزمة غذاء غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، فماذا ستكون النتائج؟

 لا أحد يعلم، ولكن المؤشرات تدل على أننا دخلنا في الجزء الأصعب من الحرب، والتوقعات باتت قريبة الحدوث جداً، أما المنتصر، فسيكون أصحاب الكتلة النقدية الكبرى في العالم التي تدير هذه اللعبة القذرة، وهي لعبة غالباً ما تدفع ثمنها الشعوب.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى