رأي

إيران و إسرائيل والمنطقة.. وتداعيات الانتقال من “الصبر الاستراتيجي” إلى “الردع الاستراتيجي” (جواد الهنداوي)

 

     د.جواد الهنداوي – الحوار نيوز

 

    هل تدركُ دول المنطقة معنى وتداعيات انتقال العداء ( ولا اقول العلاقة ) بين أيران وإسرائيل، من مرحلة الصبر الاستراتيجي لأيران إلى مرحلة ” الردع الاستراتيجي” ؟

بالتأكيد تدركُ والقوى العظمى ذلك .

 تاريخ 13 و 14 نيسان لعام 2024 ، هو حقاً لا يقلُ اثراً ورمزية عن تاريخ 7 تشرين الاول عام 2023 . كلاهما انتقلا بالقضية الفلسطينية والصراع بشأنها من مرحلة إلى أخرى ، و من هوية إلى أخرى . تاريخ 7 تشرين الاول ،واقصد ” طوفان الأقصى ” ، كرّس تحويل الصراع بشأن القضية الفلسطينية، من صراع عربي -اسرائيلي، إلى صراع بين حركات المقاومة الأسلامية وإسرائيل ،اي بين حركات مقاومة وكيان مُحتلْ،مع الإشارة إلى أنَّ هذا التحوّل في هوية او عنوان الصراع ليس وليد اليوم ،بل له تاريخ ، وما حدثَ في 7 تشرين الاول هو تكريس او تجسيد واقعي لهذا التحّول .

تاريخ 14 نيسان عام 2024 كرّسَ انتقال العداء بين إيران والكيان المُحتل من مرحلة الصبر الإستراتيجي إلى مرحلة الردع الاستراتيجي، و أصبحَ الصراع إيرانياً -إسرائيلياً ، و موضوعه ليست القضية الفلسطينية فقط ، وانما مصالح إيران في المنطقة وفي آسيا ، وهذا هو ، برأيي ، اهم نتيجة ترتّبت على القصف الصاروخي والمسيّر الإيراني على إسرائيل في التاريخ المذكور : تثبيت معادلة الردع الاستراتيجي وصراع إيراني اسرائيلي في المنطقة، ومواضيعه مصالح إيران في المنطقة وفي آسيا وكذلك فلسطين والقدس .

والصراع الإيراني -الإسرائيلي هو ،في الحقيقة ، مُصغّر لصراع خفي او مُستتر بين حلفاء إيران، وهم روسيا و الصين، وحلفاء إسرائيل،امريكا والغرب .لذلك ذكرت مُسبقاً أن موضوع الصراع الإيراني – الإسرائيلي هو ليس فقط فلسطين والقدس ،وانما مصالح ايران في المنطقة وفي آسيا ،والتي تلتقي فكرياً واقتصاديا وأمنياً مع مصالح روسيا و الصين و المحور الآسيوي . وتجلى سياسياً هذا التحالف الإيراني الروسي الصيني ،مرّة اخرى ،يوم امس ،حين أجهضت روسيا والصين مشروع قرار ادانة الهجوم الإيراني على اسرائيل ، بطلب من مندوب اسرائيل ،والمدعوم في موقفه من قبل امريكا وبريطانيا و فرنسا .؟

بيّنت إيران ،وبشكل رسمي ،انها أخطرت امريكا ،وبشكل غير مباشر ( واعتقد عن طريق تركيا ) ، و أخطرت كذلك دول المنطقة بالهجوم قبل بدئه ب 72 ساعة ،بغية غلق الملاحة الجوية للدول التي ،من المتوقع ، مرور المسيرات والصواريخ منها ،ولتحاشي وقوع حوادث ،كما أعلنت ان العملية ستكون محدودة من حيث الوقت وتستهدف منشآت عسكرية اسرائيلية ، وهذا يعني أن اسرائيل وحلفاءها على علم بالهجوم و مداه، وكانوا على استعداد للتعامل معه ، وهذه المعلومات وردت ايضاً في  حديث وزير خارجية ايران في لقاءاته الصحفية ،التي أعقبت الهجوم .

أعودُ إلى تداعيات ما حلّ من جديد في المنطقة ، ألا وهو معادلة الردع الاستراتيجي بين إيران و إسرائيل ، والصراع بينهما والذي موضوعه ليس فقط فلسطين والقدس ،وانما مصالحهما في المنطقة وفي آسيا . ومَنْ مِنّا لا يعرف تمسّكُ ايران بحقوقها وبنفوذها ومصالحها في المنطقة وفي آسيا بل والعالم ، و عدائها لأمريكا وإسرائيل ، ومَنْ ذا الذي يجهل احتلالات وأطماع و توسّع اسرائيل في المنطقة وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني و بحق العرب ، وبدعم أمريكي غربي !

الإيرانيون قالوها صراحة ان ما بعدَ تاريخ 2024/4/14 ليس كما قبله ،بخصوص التعامل مع العربدة والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة . وهذا يعني ،كما افهمه ،ان اي اعتداء على مصالح وشخصيات إيرانية في لبنان و سوريّة ،ستقابله ايران برّدٍ منها ضدَ إسرائيل .

هل تتحمل إسرائيل وهي ترى مستشاري الحرس الثوري الإيراني في سوريّة ولبنان في نشاط و دعم لحركات المقاومة ؟

هل ستضع إيران معايير معينة لتطبيق معادلة الردع ؟

ام هل تستنجدُ ،مرّة اخرى بصبر ” تكتيكي ” وليس استراتيجي ، وعلى غرار ما قاله الامام الشافعي ” دع الايام تغدُرُ كُلَّ حينٍ … فما يغني عن الموت الدواء ” ؟

هل تتحمّل المنطقة دولاً وشعوباً ،دوامة الهجوم والهجوم المُضاد بين ايران والكيان المُحتل بين الحين و الاخر ؟

الايام حُبلى بإجابات لهذه التساؤلات ،وولادتها عن قريب .

ولكن ،على الجميع  التفكير من الآن وان نتسابق مع الزمن ، وفي مقدمة الجميع مجلس الامن والقوى العظمى ( واقول عظمى للأسف ليس بالمبادئ والاخلاق ،وانما بالنفاق وازدواجية المعاير وبالسلاح .

والحّلْ ليس بمعجزة وانما بمتناول اليد ، ونجده مركوناً على الرفِ ، ألا وهو انهاء الابادة الجماعية في غزّة ، وتطبيق القانون الدولي والقرارت الدولية الشرعية بخصوص القضية الفلسطينية، ومثلما قال مندوب الجزائر في مجلس الامن في جلسة امس او اول امس ،والتي انعقدت لمناقشة الهجوم الإيراني على اسرائيل ” بأنَّ اصل المشكلة في المنطقة هو الاحتلال الاسرائيلي و سياسة الغطرسة والاعتداءات التي تمارسها اسرائيل ” .

مسؤولية كبيرة تقع على امريكا والدول الأخرى التي تدعم اسرائيل ،بشكل مطلق ، وتتبنى الكيل بمكياليّن ازاء ما يجري في منطقتنا . هل تتعظُ هذه الدول وتهتم فعلاً بأمن واستقرار المنطقة والعالم ؟

* سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوروبي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل  

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى