منوعات

الذبحة القلبية عند الشباب:العوارض والتشخيص والعلاج(الجزء الثاني)

   يبدأ المرض في غالب الأحيان بشكل مفاجئ ومباغت بشكل ذبحة قلبية حادة وخطيرة دون أي سابق انذار ،ويساهم عادة في التسبب بهذه الأصابات عامل مهم له علاقة بتخثر الدم الذي يؤدي الى انسداد أحد الشرايين التاجية للقلب بشكل مفاجئ وسريع .
لذلك ، ومقارنة مع الأشخاص المتقدمين بالسن يؤدي هذا الانسداد المفاجئ في الشريان الى ضرر أكبر في عضلة القلب اذا ما تأخرنا في اعطاء العلاج المناسب، لأن عضلة القلب في هذا السن المبكر لا تكون قد تعودت بعد على الحرمان من الأغذية والأوكسجين ،ولأنه لايوجد شرايين رديفة لتغذيتها كما عند المتقدمين في السن الذين يوجد عندهم روافد متعددة لتغذية عضلة القلب بسبب الأصابات التدريجية والتراكمية في الشرايين التي تؤدي الى تشكيل روافد متعددة للتعويض عن التغذية الواصلة بواسطة الشرايين المسدودة.
ولذلك فإن علامات وظروف ظهور الذبحة القلبية عند الشباب تختلف عن تلك التي نجدها عند المتقدمين في السن، بحيث أن اللوحة العادية التي تتمثل بظهور آلام صدرية متكررة تزداد حدتها وتتفاقم مع الوقت ،وتؤدي في النهاية إلى حدوث الذبحة القلبية التي نراها عادة عند المتقدمين بالسن ،ولا نكاد نراها سوى عند حوالي %25 من المرضى البالغ عمرهم أقل من 45 سنة. وفي أغلب الأحيان (%70 من الحالات) تظهر علامات الذبحة القلبية بشكل مفاجئ دون الشعور بأي أعراض مهمة من قبل. ولذلك يجب دائما التحري بشكل دقيق عن الأعراض التي يشكو منها الشباب الواصلين إلى أقسام الطوارئ، والبحث الدقيق عن كل الأعراض والأمراض الأخرى التي قد تكون سببا لألم في الصدر، مثل إلتهابات غشاء القلب وإلتهابات عضلة القلب أو الجلطات الرئوية. 
    ويجب في كل الحالات عدم الوقوع في فخ عدم التفكير في تشخيص الذبحة القلبية الحادة كسبب لهذه الأعراض بسبب ندرة هذه الإصابات عند الشباب ،وبسبب عدم التحقق من دقة الأعراض وذهاب معظم أطباء الطوارئ للتفكير بأسباب أخرى عضلية أو نفسية  أو في الجهاز الهضمي ، قد تؤدي أحياناً إلى تضليلهم وإلى جعلهم لايشخصون جيداً هذه الأمراض.
   وفي كل الأحوال يجب البحث عن تناول المخدرات مثل الكوكايين وكذلك السؤال عن حالات وفيات مبكرة بأمراض القلب والشرايين (قبل سن الـ 55 سنة عند  الاقارب الرجال وقبل سن الـ 65 سنة عند الاقارب النساء في العائلة). وكذلك يجب دائماً البحث عن كل عوامل الخطورة التي ذكرناها سابقاً وخاصة التدخين. ويجب على الفحص السريري أن يبحث إضافة إلى كل المؤشرات التي تعطي فكرة عن حالة المريض القلبية والتنفسية، عن العلامات الجلدية لمرض إرتفاع الكولسترول العائلي وكذلك العلامات التي نراها أحياناً في العين (Xanthoma, Xanthelasma, Arcus senilis)    وغيرها….
  
المشكلات التشخيصية :
لاتختلف أعراض الذبحة القلبية عند الشباب عن الاعراض التي نجدها عادة عند المتقدمين بالسن ،لكن المشكلة الأساسية في تشخيص هذه الأمراض هي التجرؤ على طرح هذا الموضوع ،ذالك لأن الطبيب يقع دائما في فخ عدم التفكير بطرح هذا التشخيص نتيجة النسبة القليلة لهذه الامراض عند الشباب . لذلك لايتم التعاطي مع هؤلاء عادة بشكل دقيق ولايفكر الطبيب في كثير من الأحيان بالذبحة القلبية، عندما يكون أمام مريض في مقتبل العمر . هناك اذا أخطاء تشخيصية كثيرة وغالبا مايوصف لهؤلاء المرضى بعض المهدئات العصبية وغيرها من المسكنات، ولايتكلف الطبيب عناء اجراء تخطيط للقلب عند هؤلاء المرضى في الطوارئ فيعود هؤلاء الى بيوتهم مع اصابات تؤدي الى وفاتهم المفاجئة غير المتوقعة في محيطهم . 
    أما في ما يتعلق بالخناق الصدري المستقر أو غير المستقر فهناك امكانية للتعرض لأعراضهما عند الشباب، لكن ذلك يبقى نادرا قبل سن الأربعين سنة. وفي هذه الحالات وخاصة عند تكرار حدوث الالآم الصدرية في الليل، يجب التفكير في أمكانية حدوث تشنجات على شرايين القلب التاجية ،وخاصة عند المرأة ،وادخال هؤلاء المرضى الى المستشفى من أجل المراقبة والعلاج المناسب.
  
   أما طريقة التشخيص بحد ذاتها فهي كما عند الكبار، تمر بإجراء تخطيط القلب وفحوصات خمائر القلب في الدم. ويجب مراقبة تخطيط القلب في كل المرات التي نشك فيها بتناول كوكايين، لأن علامات الذبحة قد تتحسن كثيراً مع إعطاء الأدوية الموسعة للشرايين(Vasodilators).

مستقبل هؤلاء المرضى(Prognosis) :
تفيد معظم الدراسات أن مستقبل المرضى الشباب الذين تعرضوا لذبحات قلبية، هو أفضل بكثير من مستقبل المتقدمين بالسن ،وذلك لأسباب متعددة من أهمها إصابتهم بنسب أقل من الأختلاطات الجانبية الخطيرة ،مثل الجلطات الدماغية والصدمات القلبية الخطيرة (Cardiogenic shock) وكذلك قصور عضلة القلب، وهذا ما يشرح هذا المستقبل الذي يعتبر أفضل عندهم.كذلك وبسبب صغر سنهم فهم غالبا ما يكونون مصابين بمشاكل صحية اخرى ( مثل إرتفاع الضغط الشرياني او مرض السكري او القصور الرئوي او الكلوي …) والتي  قد تفاقم من تدهور حالتهم اوتعقد العلاج ،وكذلك فهم قادرون ايضا على الإستفادة من كل وسائل إعادة التأهيل التي تساعد كثيرا في إعادة تحسين قوة عضلة القلب وفتح روافد شريانية جديدة.
  
  نوع الأصابات الشريانية :
لقد أظهرت معظم الدراسات العلمية التي خضع لها المرضى الذين تعرضوا الى ذبحات قلبية في سن مبكر ( قبل سن الأربعين سنة ) والتي أدت الى الحصول على بنك من المعلومات المتعلقة بالأصابات عند هؤلاء المرضى ، أن نسبة الاصابات بذبحات قلبية مع شرايين تاجية للقلب طبيعية ،تمثل حوالي ثلث الحالات قبل سن الثلاثين سنة ،وهي نسبة تتضائل مع التقدم في السن .
في المقابل هناك نسبة كبيرة ( 55 الى 70 % ) من المرضى الذين يعانون من اصابات موجودة في شريان واحد فقط من الشرايين التاجية الثلاثة ، وعدد قليل من المرضى الذين يوجد عندهم انسدادات في ثلاثة شرايين أو أكثر من شرايين القلب التاجية وهذه النسبة من ( 10 الى 30 % )، تزداد مع التقدم في السن بين عمر الثلاثين والأربعين سنة . تجدر الأشارة ايضا الى أن نسبة عوامل الخطورة ترتفع كثيرا عند المرضى الذين يوجد عندهم شرايين طبيعية أو أنسداد واحد ،والذين يكونون عادة عرضة اما لعوامل تؤدي الى حدوث تشنجات على الشرايين واما الى أنسدادات ناتجة عن تخثر مفاجئ داخل الشريان ( Acute theombosis ) .
  


  العلاج والوقاية:
بشكل مختصر، يجب فتح الشريان المسبب للذبحة القلبية في أسرع وقت ممكن ،اما عن طريق اعطاء الأدوية المناسبة ( Thrombolytics ) وهي أدوية فعالة جدا، وتعمل على تذويب الجلطة الموجودة داخل الشريان ،واما عن طريق العلاج الذي يهدف الى التعرف على الشريان المسدود وفتحه بواسطة تقنيات التمييل والبالون والروسور. وهذا ما يمثل العلاج الأمثل ، خاصة اذا كان المريض مصابا بذبحة قلبية خطيرة ،واذا ماكان موجودا في مكان قريب من المراكز المجهزة لأجراء مثل هذه العمليات .
    الهدف الأساسي لهذين العلاجين يتمثل في انقاذ أكبر قدر ممكن من عضلة القلب ،لأن تضرر هذه الأخيرة من الممكن أن يترك آثارا جانبية كبيرة وأن يؤدي الى الأصابة بالقصور الخطير في وظيفة عضلة القلب .
     ويختلف علاج الذبحة القلبية عند الشباب قليلاً عن علاج المتقدمين بالسن ،بحيث أنه يجب إعطاء الأوكسجين ومشتقات المورفين والأسبيرين والأدوية الموسعة للشرايين عند كل الشباب ،ويجب عدم إعطاء الأدوية من عائلة ال(Beta Blockers)   إلا بعد مرور 48 ساعة عند المرضى الذين نشك أنهم أستعملوا الكوكايين، لأن هذه الأدوية قد تتسبب عندهم بزيادة تشنج الشرايين التاجية للقلب، وبتدهور معاكس لحالتهم في بعض الأحيان بدل التحسن .وعند الأشخاص الذين لم تتحسن حالتهم رغم إعطاء الأدوية الموسعة للشرايين بشكل مناسب،  وفي حال عدم توفر قسم للتمييل والعلاج التدخلي للشرايين في المستشفى الذي إستقبل المريض،    يجب إستعمال الأدوية المذيبة للجلطات مثلThrombolytics التي يتحملها الشباب بشكل جيد من دون حدوث أعراض جانبية كبيرة. لكن في كل   الحالات الأخرى يجب إرسال المريض مباشرة إلى غرفة التمييل   من أجل إجراء تمييل لشرايين القلب وفتح الشرايين المسدودة في أسرع وقت. وهنا يجب علينا ألا نستغرب أبداً وجود مرض مع شبكة شرايين تاجية للقلب طبيعية، لأن الذبحة قد تكون ناتجة فقط عن تشنج في الشرايين أو عن جلطة صغيرة ناتجة عن كثرة التدخين.
لكن المرضى الذين يكون عندهم عوامل خطورة متقدمة مثل إرتفاع الدهنيات والسكري والتدخين والسوابق العائلية المبكرة، يجب ان نتوقع عندهم أن نجد  إنسدادات مهمة على واحد (في أكثر الأحيان) أو أكثر من واحد من الشرايين التاجية للقلب .وهنا يجب العلاج بواسطة الطرق التدخلية في أغلب الأحيان مع إستعمال الروسورات الذكية  (Drug Elutting Stent : DES)أو الرسورات البيولوجية  (Biodegradable stent) لما لها من فوائد على المدى البعيد ،بحيث أنها تسمح بإجراء العمليات الجراحية المستقلبية من دون أي مشاكل في حال أحتاج هذا الشاب لجراحة قلبية بسبب تقدم المرض على شرايينه في المستقبل. وطبعاً يجب ترك جراحة الجسور الأبهرية-التاجية للمرضى الذين يعانون من عدة إنسدادات متقدمة على عدة شرايين وفي مناطق لايمكن علاجها بالطرق التدخلية ،خاصة إذا كان هناك خلل في وظيفة عضلة القلب الإنقباضية.
وهنا نشير إلى أن نتائج الجراحة هي أفضل ،مقارنة مع المرضى المتقدمين في السن ،ويجب السعي إلى الإستعمال الدائم للشرايين، خاصة شريان الصدر الداخلي الأيسر أو الأيمن (Right and left internal mammary arteries)  بدل إستعمال الأوردة لأن فعالية الشرايين أفضل بكثير على المدى البعيد.
  
   أما من ناحية الوقاية و كما أشرنا سابقاً فإن الذبحات القلبية عند الشباب مستقبلها مشجع إذا ما تم علاجها بشكل مناسب ومبكر ،ويجب في كل الأحوال معالجة العامل المسبب أو عوامل الخطورة المتعددة التي كانت وراء حدوث الحالة ،إضافة إلى مضادات التخثر مثل الأسبيرين و ال Clopidogrel  وال Ticagrelor  وغيرها من الأدوية الجديدة،  وقد يكون هناك محل لمضادات التجلط مثل الـ (Warfarin or Coumadin) في بعض الحالات التي قد تكون فيها الذبحة القلبية ناتجة عن زيادة في تجلط الدم (Hypercoagulable state).
   كذلك وكما اشرنا سابقا فإنه لا يجب إعطاء الأدوية من عائلة ال(Beta Blockers ) في بداية العلاج ،ويجب  تأخيرها لبضعة أيام بسبب إحتمال أن تزيد من تشنج شرايين القلب عند المرضى الذين نشك بانهم يتعاطون الكوكاكين. كذلك يجب إعطاء الأدوية التي تخفض من نسبة الدهنيات في الدم  (Statins,Niacin, Omega-3 fatty acids etc) خاصة إذا كان هناك إرتفاع في الشحوم الثلاثية وإنخفاض في الـ HDL cholesterol)  ،وكذلك من الممكن إستعمال ال (B complex vitamins)  عند بعض المرضى الذين يعانون من إرتفاع الدهنيات.وكما عند الكبار يجب إستعمال الأدوية من عائلة الAngiotensin Converting Enzyms inhibitors ACE-I  عند كل المرضى الذين يعانون من قصور في الوظيفة الإنقباضية لعضلة القلب لما لهذه العائلة من الأدوية من فوائد كثيرة على المدى البعيد.
    أخيراً يجب تغيير نمط الحياة ويجب قطعاً إيقاف التدخين لما لذلك من آثار إيجابية على مستقبل المريض وعلى كل المستويات، وكذلك مراقبة السكري والدهنيات والضغط الشرياني ،والتوصية بإعتماد نظام حياتي فيه الكثير من التمارين والنشاطات الرياضية (التدريجية وبحسب حالة المريض) لما لذلك من فائدة عامة على جسم المريض، وخاصة على صحة قلبه. ويجب طبعاً السعي إلى إعادة تأهيل المريض (في مراكز متخصصة إذا توفرت) والسعي إلى إعادته بسرعة إلى حياته المهنية والإجتماعية وعلاج الإكتئاب الذي كثيرا ما يصاحب هؤلاء الشباب الذين يشعرون بأنهم خسروا كل شيئ في مقتبل العمر. ولذلك يجب تشجيعهم على معاودة كل نشاطاتهم السابقة من عمل ونشاطات إ جتماعية و رياضة وغيرها، و يجب عدم تركهم يشعرون بالخسارة الكبيرة ،لأن ذلك قد يفاقم كثيراً من حالتهم ويساعد في تدهور حالتهم الصحية.
* طبيب قلب  تدخّلي 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى