رأي

إيران وروسيا والصين.. وغزّة (جواد الهنداوي)

 

د.جواد الهنداوي* – الحوار نيوز خاص

 

 

   ما الذي بين هذه الدول الكبرى وقطاع غزّة؟ علاقات مصالح ام مباديء ؟ أو بعبارة اخرى ، ما الذي يتحكم في مواقف كل من ايران و روسيا و الصين تجاه ما يجري في قطاع غزّة ،المصالح ام المبادئ ؟

   قبل الاجابة على هذه التساؤلات المشروعة ،علينا ان ندرك أنّ ما يحدثُ في غزّة يتعدى سياسياً و انسانياً جغرافية و شعب فلسطين في القطاع . الحرب على القطاع هي حربٌ على الإنسانيّة ،هي تهديد ” ليس للأمن و الاستقرار الدولييّن ” ، وانما إعتداء واضح وصريح على ضمير و مشاعر و اخلاق المجتمع الدولي ، والتظاهرات التي تشهدها عواصم و مدن العالم دليل على هذا الاعتداء .

 الحرب على غزّة رسّختْ و اكّدتْ حقيقة و ممارسة دولية مؤلمة و مُخزِية ،وهي أنَّ ضمير ومشاعر و اخلاق المجتمع الدولي او شعوب العالم هي قيم لا تهّمُ مصالح الدول ، و أنَّ العدالة خارجة عن حسابات السياسة و الدول ، ومنالها إمّا في المحاكم و إمّا في السماء .

لا عتاب على أمريكا ،فهي شريكٌ لإسرائيل في جرائم الابادة ، و لا عتاب على بعض الدول الاوروبية،فهي تحت السطوة الأمريكية الصهيونية برضا او بإكراه ،لكن تتجّه البصائر والأبصار نحو إيران و روسيا و الصين ،ولطالما عبّرت هذه الدول عن تضامنها مع احرار العالم ، ونصرة الشعوب ،ومناهضتها للإحتلال وتأييدها للقضيّة الفلسطينية .

هل يجوز ان تكتفي هذه الدول بالتنديد بالجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزّة ؟ وهل تُعذرْ لجهودٍ سياسيّة و دبلوماسيّة بذلتها لايقاف الحرب و القصف العشوائي على المدنيين ؟

وماذا عساها انت تفعل هذه الدول ،وما الذي بمقدورها عمله ؟ هل تدخل الحرب دفاعاً عن غزّة ، وضّدَ إسرائيل و امريكا ودول اوروبيّة ؟

هذه ايضاً اسئلة مشروعة .

لنبدأ بإيران وهي خصمٌ لدود لأمريكا وللأمبريالية وعدوٌ لإسرائيل وللصهيونية  . بين إيران وبينهم كّرٌ و فّرْ عسكرياً وامنياً وأقتصادياً و سياسياً . ما تحققّه حماس من صمود وانتصار هو بسلاح و بخبرات ايرانيّة ،وما تتكبّده إسرائيل من خسائر بشرية و معدات و دبابات هو بسبب سلاح إيراني . كم هو عميق و مؤلم جُرح إسرائيل وهي تحصدُ ما زرعته إيران في غزّة ، وهي ( اي إسرائيل ) عاجزة عن الرّدْ عسكرياً على إيران !

تدركُ امريكا و تدركُ كذلك إسرائيل بأنَّ الحصار الذي يفرضه اليمنيون في البحر الأحمر على حركة السفن المتوجهّة إلى إسرائيل هو بقدرات يمنيّة وإيرانيّة . وهما ( امريكا و إسرائيل ) يعتبرون الحوثيين ذراعا من أذرُعْ إيران ! ولكن ،رغم ادراكهما لدور ايران في تسليح حماس وفي قدرات اليمن والتنسيق مع حزب الله في جنوب لبنان ، يتحفظان،بل يمتنعان ( واقصد إسرائيل و امريكا ) على الصعيد الإعلامي والسياسي ،على اتهام ايران او تحميلها المسؤولية ،او مهاجمتها إعلامياً ! على خلاف ،ما كان سائداً في الماضي القريب حين تتهم امريكا ايران ، وتحمّلها المسؤولية عن هجمات الحوثيين على مصالح المملكة العربية السعودية ، وعن هجمات الفصائل المسلّحة في العراق على المصالح الأمريكية .

لم تردْ امريكا ، ولا إسرائيل على هجمات الحوثيين ، ليس خوفاً ، وانما ،على ما يبدو ،التزاماً امريكياً بعدم تدويل الحرب في غزّة ، و تحاشياً لتداعيات التصعيد دولياً و داخلياً في الولايات المتحدة الأميركية ، ومنعاً لرّد صاروخي حوثي على القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة ،والتي هي في متناول مرمى الحوثيين .

لروسيا وللصين مصالح اقتصادية و سياسية مع إسرائيل اكبر بكثير من علاقاتهما مع منظمة حماس ،وهي علاقات مُجرّدة من المصالح الاقتصادية و السياسيّة .

العلاقة بين روسيا وحماس محدودة بالبعد الإنساني و الاخلاقي والنضال المُشترك ضّدْ الإمبريالية و الصهيونية . ولا شّكَ في ما حقّقته روسيا من مكاسب في أوكرانيا بسبب انغماس امريكا ودول الناتو في حرب غزّة ،ولم يخفْ الروس ذلك ،حيث قالوها علناً لاحد قادة حماس وهم يستقبلونه في موسكو:”نشكركم على ما فعلتموه في طوفان الأقصى ،حيث تغيّرت وجهة طائرات التجسّس والمُسيرات الأمريكية من أوكرانيا إلى غزة ” . مثلما تسجّل إسرائيل عددا قياسيا لقتلاها من ضبّاط و جنود في غزّة ، كذلك أُوكرانيا حيث تسجّل اكبر عدد لقتلاها في الوقت الحاضر ،ومنذ اندلاع الحرب .

يكفي مهانةً و إذلالاً لإسرائيل انها تحارب ، وبدعم أمريكي غير محدود ، ومنذ شهريّن ،مع حركات ومنظمات مقاومة في غزّة وفي جنوب لبنان وفي اليمن ، وليس مع جيوش و دول ،  ولم تحقّقْ انتصاراً او هدفاً .

ويكفي عزّة وشرفاً لمقاتلي حماس في غزّة والمقاومة في لبنان بالقتال والاستبسال ،دون دعم عربي او اقليمي او دولي . سيخّلد التاريخ تضحيات اهل غزّة وشهدائها و بطولاتها ،وسيذكرُ انهم قاتلوا ولم يكْ معهم الاّ الله عزَّ و جلْ ،ومَنْ نصروهم خارج القطاع .

 مِنْ دروس حرب غزّة ،وهي  كيرة،  أنّ صمود وقتال الشعب الفلسطيني هما مفاتيح النصر والتحرير ، وهو ( اي الشعب الفلسطيني ) مَنْ يتقدم في الطريق إلى القدس .

*سفير عراقي سابق.رئيس المركز العربي الأوربي للسياسات وتعزيز القدرات /بروكسل ، في ٢٠٢٣/١٢/١٥

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى