لضغط شعبي من اجل تأليف الحكومة
أحمل في قلبي وطناً. وطنٌ لا تفصله حدود حي أو ضيعة او بلدة او مدينة. ففي كل شبر فيه منزلي. انه ارتباط روحيّ تجاوزت فيه النفس فواصل الدين والإنتماء الثقافي والعادات والتقاليد لتجد راحةً واستقراراً وسكينةً حيث ما حلت.
إنّه ارتباط يستمد قوته من امجاد الماضي المغمسة في التضحيات والانتصارات المشتركة و من حاضرٍ يشقّ طريقه بعذاب وصبر عظيمين نحو مستقبل متحرر، منفتح ومتضامن.
هذا الحاضر هو اليوم عبارة عن فوضى عارمة وقاتلة: سلطات تمتنع عن الإصلاحات خوفاً على نفسها من المحاسبة وزوال هيمنتها، ومجتمع مدني محتار بأولوياته يبحث عن استعادة الحد الأدنى من كرامة اللبنانيين. لكني لم أستسغ يوماً العيش بكرامة منتقصة ومجتزأة. فمن يساوم على كرامته وحريته من اجل القليل من الحياة الكريمة والاستقرار فهو لا يستحق لا الكرامة ولا الحرية.
بين الاستقلال ورجالاته وحاضرنا البائس، مخاض كبير يحتاج إلى إيمان وصمود وتضحيات. وأكثر من ذلك، انه يحتاج الى قناعة بان الدولة لا تستقيم الا بتطبيق الدستور وبمؤسسات تخضع لقوانين تطبيقية خاصة بها، تنظم عملها وتؤمن استقلاليتها وتعاونها.
إنّ الأزمات السياسية، الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها لبنان هي ناتجة من خروج السلطة عن سكة الدستور واتباع صيغة حكم مناهضة له بكل المعايير، تؤمن مصالح أحزاب الحكم على حساب مصالح الناس وتؤدي كما هو الحال اليوم الى عرقلة تشكيل الحكومة دون اي مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيون.
الإصلاح ليس أمراً مستحيلاً كما يتم إيهام الناس. والإصلاح لا يختلف عليه اثنان طالما ان نتائجه سترتد خيراً على الجميع. ولكن، ان استسهال دعوة الناس للتظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دون اقتران الدعوة بمطالب وإصلاحات محددة، يفقد هذه الدعوة قدرتها التجييشية ويزيد الوضع إرباكاً وإحباطاً. كما ان معالجة ملف من الملفات دون التطرق الى اصل البلاء هو مثل معالجة جرح بسيط في جسم مصاب بالسرطان. لذا، فالمطلوب اليوم هو الضغط الشعبي من اجل تشكيل الحكومة اولاً ومن ثم الضغط من أجل تدعيم المؤسسات بقوانينها التطبيقية واقرار قوانين اخرى جوهرية قابعة في ادراج مجلس النواب، تنتظر من ينفخ فيها الروح.
ان الشرعية المتمثلة بالناس هي وحدها القادرة على الضغط لتحقيق هذه المطالب ووضع حجر الأساس لدولة القانون. . لقد تحدث رئيس الجمهورية في مناسبة مرور سنتين على العهد عن نية إقامة مؤتمر حول القضاء. ان القضاء هو السلطة الوحيدة التي بمقدورها قطع اليد التي تمتد الى المال العام ووقف الهدر وضبط الدين العام. فلماذا لا نتلقف هذه الفرصة، فيكون الإصلاح القضائي بداية الطريق نحو بناء الدولة وبعدها نستتبع هذه الخطوة بخطوات مماثلة لفرض إقرار القوانين الأخرى؟ الزمن ليس زمن العجائب، انه زمن العمل المسؤول، المنتظم والجدي.
انه باختصار زمن الخروج من الانهزامية الى الأمل والتفوق.