قراءة أوّلية في التحرّك الأخير للحزب الشيوعي اللبناني
شكّلت التظاهرة الأخيرة للحزب الشيوعي اللبناني محطة بارزة في كسر الجمود الذي أصاب الاجتماع اللبناني في ظلّ التآكل المتمادي للنظام السياسي اللبناني بفعل العوامل الخارجية والداخلية المتحكمة به. ونجح الحزب في حركة استقطاب إيجابية لجمهوره الحزبي أولا، ولعدد واسع من اللبنانيين المتضررين بشكل أو بآخر من اعتلال النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي فلبوا دعوته ونزلوا إلى الشارع معبرين عن سخطهم وعن الضّرر الذي يسببه لهم من جوانب مختلفة.
وبناء عليه نبدي جملة من الملاحظات على تلك المسيرة وهي:
– أظهر الحزب قدرة على الحشد افتقدها في السنوات الأخيرة، لا بل استطاع أن يجذب أفرادا وناشطين إلى حركته النضالية في الشارع. كما اوحى بتشكيل مظلة أمان وحماية للتحركات الشعبية (وهذا ليس جديدا عليه) ما يسمح لاحقا باتساع تلك التحركات وخصوصا في المناطق.
– أظهر حاجة الناس لقيادة شعبية وطنية تحاكي تطلعاتها وتسعى لدرء المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والسياسات المختلفة التي تنزع منهم أبسط حقوقهم، كما أثبت الحاجة الوطنية لمعارضة تصطف إلى جانبها مختلف المعارضات المتضررة من اعتلال النظام سواء اتفقت معه تلك أو اختلفت.
– بيّن حاجة أعضاء الحزب عن حاجتهم لقيادة موحدة يسيرون خلفها لا بل هم ملحون في طلبها وكرههم للتنابذ الحاصل بين قيادات الصف الأول ودعوتهم لهم للتنافس في النضال والعمل ولطالما حفل الحزب بسلسلة من القادة السياسيين والميدانيين ويمكن للتحركات ان تعيد إنتاج مثيل لتلك القيادات من جديد.
– أعاد إبراز الوجه الطبقي بمواجهة الطائفي الآخذ بالتجذر في بنية الاجتماع اللبناني.
لذلك يمكن لهذه الحركة أن تتسع وتتنامى بشروط عدة، من خلال توسيع قاعدة المشاركة وحشد أوسع قاعدة من المتضررين وهذه لها طرقها وأساليبها ويوجد في الحزب من لديه القدرة على التواصل والحشد، والشارع بدوره يستطيع إخراج الحزب من تخبطه وأزماته إذا ما أحسن استخدامه وله في ذلك مصلحة داخلية تعيد لأعضاء الحزب رونقهم ونضالهم، كما تعيد للشارع وللمعارضة حيويتها.
ويجب ان يتسع صدر الحزب للمنتقدين او للمختلفين معه فكريا، فالانتقاد ليس عيبا للحزب إنّما قد يكون من باب الحرص أو من باب الغيرة، والإثنان لهما دلالتهما وهما مفيدان للعمل السياسي لأنّهما يساهمان في التقدّم والنماء الحزبيين.
قد تبدو مقولة الصراع الطبقي غير مرئية، ولكنّها حاضرة وفاعلة، وهي تعود من جديد وإن بأشكال ومسميّات جديدة وهي تتوسّع يوما بعد يوم، وهذا عامل مساعد للحزب ليعيد صياغة مقولاته وحركته من جديد ولكن بشروط لا يجب ان تغيب عنها الرؤية الواحدة والأهداف الموحِّدة والشعارات المصاغة بدقة البعيدة عن العموميات والتقييم الدائم والمستمر لنبذ السلبي وتطوير الإيجابي.
أمام الحزب متّسع من الوقت لكي يعيد صياغة الحركة الشعبية ولكن بتروٍ وهدوء ليجمع حوله ومعه وإلى جانبه أكبر كتلة من المتضررين، فمقررات سيدر قادمة ومعها ما هو مخفي من توصيات دراسة ماكينزي وأزمة الحكم تتفاقم والشارع في انتظار!