من يحرّر”وطن الرشاوى” من الفاسدين: بين تجربتي الرئيس عون والرئيس الحص
بعد خروجه من الحكم، سئل الرئيس الدكتور سليم الحص عن السرّ في موافقة الحكومة اللبنانية السريعة بالترخيص له لإنشاء "المنظمة العربيّة لمكافحة الفساد". أجاب ضاحكاً: رشوناهم.
ما هو الجديد والمستجدّ في وطن الرشاوى اليوم؟
الكلّ ينتظر الرئيس الجنرال ميشال عون في بعبدا إذ يخرج صارخاً في وجه قفران الزراقط والدبابير وأوكار الأفاعي والوحوش ضارباً طاولة العهد بيمينه. جفلوا؟؟؟ لا أعرف لكنّ العديد من الفاسدين يبحثون ليبنوا على الشيء مقتضاه.
أستعير تاريخ لبنان مجازفاً إن كتبت سلفاً بأنّ لبنان يتوسّع ساحة بشعوب وقبائل لا تجتمع ولا تنتهي ولا تغيّر.
وعليه…
فإن الكلام أو الكتابة في الفساد والتغيير نصادفه اليوم بين كلمةٍ وأخرى وسطر وآخر في لبنان في الساحات في الجامعات والروابط والمنتديات والمقاهي والشاشات والإذاعات وفي حالٍ من التفتّت وعدم التناغم المذهل. يتلوّى اللبنانيون بين الهمس المقرف والجهر المُكلف عند تبادل أسماء الفاسدين الذين يلطّخون الدنيا بسيرهم وقصصهم ووقاحتهم. تذهلك الوشوشة أو ذكر الأسماء الوهمية التي تطق عليهم لتبقيهم كما القارات المجهولة/ المعلومة أو القنابل الموقوتة تحت الألسن التي إن لم تنفجر فهي تقودك قطعاً إلى السجن أو إلى عصا يفجّ رأسك. إداريون كبار خرجوا من لحم أكتاف زعماء طوائفهم مثلاً، يفاجئون سامعيهم بسرد قصص الفساد بالأصوات المخنوقة. ملوك الفساد وأمراؤهم يحاضرون ويأمرون بالإقتصاص من الفاسدين وفتح أبواب السجون وهم يعرفون أنّ السجون تغصّ بالمساجين حيث لا زاوية فيها.
تطير الأحاديث مستفرغةً نحو ماليزيا حيث مشاهد الوزراء يرمون في براميل القمامة وقد عصفت بها وسائل التواصل الإجتماعي في العالم، وتعود تلك الأحاديث بالثناء أو متابعة تجربة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أفرغ جيوب أمراء الفنادق المنتفخة في فندق "الريتز" الفخم .
سؤآل:
هل يبشر صعود النبرة بالتغيير ومحاربة الفساد في لبنان؟
قلنا محاربة الفساد؟ وللحروب قياداتها وجيوشها وميزانياتها وعدتها وأسلحتها وأعباؤها وأثمانها وأخطاؤها وجرحاها وقتلاها ووو؟؟؟
لنقل أنّ الحروب الداخلية أقسى من الخارجية وأعنف. قتال "إسرائيل" وهزيمتها شيء جربناه وخبرناه، لكن زجّ بوّاب أحياناً في السجن أو سائق سيّارة يحرق حيّاً ويورث ضحايا!!!
تبشّر النبرة، على الأرجح، بأنّ هناك نوايا لكنّ وطن الرشاوى محاط بعلامات الإستفهام ؟؟؟ والتعجّب!!! حتّى وضع الأصابع في الجروح وعرضها أمام الناس الذين لا مثيل لهم في الدنيا.
لماذا؟
نقاط وشروحات:
1- لأنّ لبنان بلد الفصول اللامتناهية المنقوعة باليأس. فصل يطوي فصلاً في منظومة الفساد ورواياته. ما أن نبست ريّا الحسن وزيرة الداخلية مثلاً بكلمة الزواج المد…..(ني) حتى دنا اللبنانيون بسرعة البرق من التبادلات وملامح الحروب الطائفية ناسين أزماتهم وإنهياراتهم وبيانهم الوزاري الحافل بالألغام.
وللبيان يذهب بنا الأمر إلى التفكير والتسريب بأنّ الشهيد رفيق الحريري هو الذي أسرّ للرئيس إلياس الهراوي بطرح فكرة الزواج المدني من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء في العام 1996. كان رفيق الحريري مسكوناً بالإعتدال وخارقاً للطوائف والمذاهب خلافاً لكلّ ما قيل ويقال فيه من أطنان الكلام اللبناني.كان الرجل يقيس بذكاء مدى تقبل المسلمين فكرة الزواج المدني ولو الإختياري والمسيحيين من بعدهم بالطبع. يومذاك "وصلت اللقمة إلى الحلق" وكاد يأخذ غالبية مجلس الوزراء القرار بالموافقة لولا… قيامة دار الإفتاء بتحريم غسل أيّ شخص مسلم أو دفن أو الإعتراف بإسلامه إن قال بالزواج المدني وهبّت بعد ذلك الجيوش الدينية والطائفية فأجهضت المبادرة وأطبقت الشفاه.
ريّا الحسن وزيرة الداخلية، أعادت إطلاق الفكرة نفسها في ظلّ حكومة سعد الحريري إبن رفيق الحريري ويأخذني التفكير إلى أن الفكرة صارت ضرورة وليس طقساً موسميّاً لمن يفهم أو لا يدرك معنى التغيير وموقع الصبايا والشباب وأفكارهم المستيقظة المماثلة وربّما الخجولةً في أكثر من بلد عربي/إسلامي. قد يصل بنا التفكير والتقدير والتحديق بتونس ومساواة الرجل بالمرأة مروراً بدول الخليج والسعودية على إعتبار أنّ لبنان بلد عظيم وحقل التجارب والأفكار الجرئية كلّها يتقبلها ويغامر بها مهما كانت التكلفة. وقد يأخذنا الأمر إلى ملامح "صفقة العصر" ومستقبل القدس وبقية فلسطين وسوق العواصم العربية كلها الى ناطحات الزجاج، والألسنة المتعدّدة والمترددة والمتمدّدة بين حبال الخوف من التطبيع مع "العدو الإسرائيلي" وضمان أمن "إسرائيل" مراعاة "للمشيئة" الدولية العظمى، وصولاً إلى ما لست أدري من إزواجيات التفكير والتعبير السياسي والعربي.
كلاّ. قد يدري بالطبع "العالمون" بالأمر. من يدلّنا إليهم؟
2- كان العديد من اللبنانيين يسمّون سوريا ب سويسرا الشرق إذ يتناولونها همساً بالنقد. بعد الخروج السوري من لبنان في ال2005 إنفجرت الألسن المكبوتة دفعة واحدة وما عاد يمكن ضبطها أو قياس مدى الأحقاد المدفونة في نفوس العديد من اللبنانيين حيال سورية في لبنان. الأمر يتجاوز الخجل العاري من الثياب لا من الحجّة.
يكفي اليوم إلتقاط غبار ما يتداول به اللبنانيون متنازعين حتى في تسميتهم ب: النازحين السوريين أو اللاجئين لندرك أيّ مستقبل للتغيير المطحون سلفاً في لبنان الحافل بعلامات التعجب والإستفهام. هذا ملف جغرافي وتاريخي قديم ومعاصر يستدعي رؤوساً ثابتة وأدمغة نظيفة التفكير والتعبير والتغيير.
السياسيون؟؟؟ فاشلون في هذا المجال العسير.
3- لو قسنا المسافة الكامنة للصورة المشرقة والهالة العالية لما كان عليه حزب الله بين 1982 و2006 وحتى وصولاً الى ال2012 وما أصبح أو آلت إليه هذه الصورة من نعوت قاسية بعد ذلك تدرّجت بين من أقصى الإيجابيات نزولاً إلى أقصى السلبيات لسلخنا مبدأ الأخوّة اللغوية القائمة بين كان وأصبح في كتبنا المدرسيّة، إلاّ إذا كان الماضي هو القاعدة والحاضر هو الإستثناء أو الإبراء المستحيل في معضلة التغيير. من يضع الرقم المالي السرّي الذي أثرى الكثيرين لتحقيق هذا الغرض المرعب؟؟؟
تراخت النيران في الموقد السوري. صحيح، وإستوى حزب الله فوق كرسيه اللبناني وإنطلق عقله ولسانه عالياً في مكافحة الفساد إذ غرق اللبنانيون في دهاليز المحاججة السطحية في الإنهيارات الإقتصادية والمالية والنقدية والبطالة والهجرة. قان الحزب بتعيين هيئة حزبية لمعاينة مواقع الفساد وتوضيب ملفّاتها وأوكل "قيادة حروبها العسكرية" إلى الإعلامي الموزون حسن فضل الله إحد نوابه الذي راح ينفذ المهمة. وبالتزامن، دأبت إحدى الصحف أعني "الأخبار" بنشر يومي لافت ومدهش ومستمرّ لملفّات الفضائح والنهب المنظّم للدولة بالتفاصيل والوثائق والأرقام. كلّ ذلك تحت وابل وقصف سياسي وإعلامي وإتّهامات الحزب بالفساد. وبالتزامن أيضاً راح زميل جامعي متقاعد يجمع الوثائق المنشورة كمشروع لأطروحة دكتوراه لكنه كما روى كبر حجم ملفّه إلى الحدود الذي دفعه إلى رمي أوراقه في البرميل.
4- هل التغيير مستحيل؟؟؟
سبق أن ذكرت من إنّ الذهاب إلى الحروب الخارجية قد توحّد المواطنين، لكنّ الذهاب غير المدروس إلى الحروب الداخلية وخصوصاً في ملفّات شائكة مثل الفساد والفاسدين قد تشتّت الداخل، إلاّ إذا وقعت المفاجآت الإستراتيجية. التغيير من فوق أو من تحت صعب وعسير والتغيير دفعة واحدة مستحيل وإذا كنّا قد نجحنا في إطلاق ما صار يعرف ب" ثقافة الفساد" فإنّنا نفضّل الإنتحار بإنتظار"ثقافة محاربة الفساد". قصدت بمعادلة الحروب الداخلية والخارجية، أنّ "أبطال" الفساد مقيمون همساً في ألسنة الناس لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين أو اليد الواحدة. قلت "همساً" لأنّهم منذ ثلاثة عقود بالتمام والكمال أي منذ إتّفاق الطائف إنتفحت جيوبهم بالملايين وراح التنافس الجنوني ظاهراُ في الفساد والإثراء غير المشروع وسرقة المال العام والجشع والمحاصصة في تقاسم المنافع ونهب الكيس الوطني. يتناوبون ويتخاصمون ويتصالحون ويطبقون على لبنان. كان منهم وصار حكّاماً أو مسؤولين بارزين في الحكومات ومصرفيين بدوا وكأنهم وكلاء للحكومات مؤخّراً، وهم من أفصح الناس تعبيراً وتبديل أقنعةٍ في مهاجمة الفاسدين.
5 – لأنّ لبنان شبيه بإيطالية حتّى الآن. فالفضائح التي هزّت إيطالية خصوصاً في 1994 ودفعت بالإيطاليين إلى تسمية عاصمتهم روما بإسمها القديمTanjintopolli أي "مدينة الرشاوى" ، لم تهزّ زعامة رئيس حكومتهم سيلفيو برلسكوني الثري رقم 14 في العالم من العودة إلى الحكم في ال2001 قائلاً بأنّه " يضحّي ويسدي خدمات للشعب والدولة وهم بحاجةٍ قصوى إليه، وهو بالمقابل ليس بحاجةٍ إلى أيّ منصب أو سلطة". وحتّى عندما طرده الشعب من منصبه بعد خمس سنوات، مثبتاً للعالم الشعار المقدّس بأنّ أضخم الثروات عاجزة ومحدودة في حماية الفاسدين وإبقائهم في مناصبهم، علّق بالحرف وكان إقتصاد إيطالية ينهار تحت قدميه لتنهار قيادته بعدها: "إنّ شعوراً أعمق ينتابني بأنّني لست بحاجةٍ إلى الشعب الإيطالي. هو بحاجةٍ إلي وإنّني أقدّم له اليوم بخروجي كما بدخولي إلى الحكم تضحية تاريخية".
6- أطلقت الحكومة اللبنانية السابقة وللمرّة الأولى وزارة جديدة ل: "مكافحة الفساد"، سرعان ما شطبتها الحكومة الحالية من سجلّها وتفكيرها وإعتذارها للبنانيين. ماذا يعني هذا؟
يعني وكأن لبنانهم ملعب فيما بينهم لتقاذف بالونات الماء إذ يطلقون التسميات الوزارية ويلغونها لاهين وصارخين في جروح الناس. إنّهم كمن يدسّ مصّاصة الكاوتشوك في فم الرضيع إذ يصرخ باكياً لأيّ سبب. يمصّ الطفل الهواء المجبول بريقه فيغفو ناسياً أنّ طبقة برلسكونية تمصّ عظام اللبنانيين وتجوّفها إلى درجةٍ هزال التظاهر بهياكل فارغة تسمّى الرأي العام.
هم هم أطلقوا تسمية "وزارة البيئة" للمرّة الأولى فجاءت متزامنة مع كارثة براميل المواد الكيماوية التي طُمرت في أعالي جبال لبنان ورميت في الشواطيء اللبنانية، وتدهور الوضع البيئي بعدها ليحتل صفحات العالم وشاشاته مثالاً مخجلاً يجعلنا نقطن في القمامة ومستشفيات السرطان.
تتغيّر الحكومات والبيانات والوجوه الوزارية في لبنان، لكنّ قواعد اللعبة السياسية تبقى رهينةعلامات التعجب والإستفهام حتى الآن وكلّها تصرخ في شيخوختها:
Wait and See.