رأي

تسليم لا استسلام..


   تواصلت هذا الصباح مع صديقي في غزة للاطمئنان اليه بعد الغارات الاسرائيلية مساء أمس على القطاع،وهنأته بالسلامة.
   كتب لي حرفيا:"والله صرنا في واد والتفكير بالسلامة في واد آخر.أمس كان القصف شغالا وكانت الأعراس قائمة.وفي ظل القصف آويت الى فراشي ولم أستيقظ الا للذهاب الى الحمام.وفي الصباح كانت الشمس مشرقة وحلوة والطائرات فوق رؤوسنا ،فحملت حالي وذهبت الى الأرض.وأنا الآن وحدي تحت أزيز طائرات الاستكشاف".
   حقيقة لم أعرف كيف أفسر موقف صديقي ،أهو حالة يأس أم شجاعة أم تسليم بإرادة الخالق ..وليكن ما يكون؟
   أعرف أن صديقي ليس يائسا ولم يكن كذلك في يوم من الأيام.ثم أنه عاف الشجاعة والمغامرات منذ زمن ،وبالتالي هو ليس متدينا الى حد التسليم بالقضاء والقدر.
   بالتأكيد ليست حالة صديقي هي الوحيدة في قطاع غزة .هناك مئات الآلاف يعيشون حالته،بين طغيان اسرائيل وعربدتها ،وحصار العدو وذوي القربى،والوضع المعيشي الصعب ،والتخلي العربي الفاجر عن أهلنا في فلسطين،والخلافات المستعصية بين أولي الأمر في القطاع .
   لم يعد الموت ولا الخوف من شيم الفلسطينيين.لقد قدم هذا الشعب الأبي من التضحيات ،وعانى طوال سبعة عقود ما لم يقدم عليه شعب آخر عبر التاريخ.ومع ذلك لم يدخل اليأس الى قاموسه،ولا استسلم للإذعان العربي للإرادات القريبة والبعيدة،ولا أسقط البندقية من يده على الرغم من المحاولات السلمية البائسة لنيل حقوقه المشروعة .ويبدو أنه سلّم نفسه للواقع من دون أن يستسلم .
   وليست حالة الشعب الفلسطيني في هذا المجال فريدة من نوعها في العالم العربي .فالشعوب العربية التي انتفضت في أوائل العقد الحالي وأسقطت أنظمة في إطار "الربيع العربي" ،لم تحقق غايتها المنشودة من هذه الانتفاضة على الرغم من الأوهام التي انتابتها لفترة من الزمن.وهي اليوم تسلّم بهذا الواقع من دون أن تستسلم.وهذا ما يترك في النفوس فسحة أمل جديدة بمستقبل أفضل قد يطول أوانه أو يقصر.
يقول الشاعر:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى