الدولة في أزمة وجودية..
وبعد ان أصبحت العلاقة بين اللبنانيين و دولتهم كعلاقة العاهر بالعاهرة ، يسودها حلال الحرام وحرام الحلال واللذة المؤلمة وألم اللذة، راحة في الذنب و ذنب عند الراحة، ندم في الرضا و رضا على الندم،الممنوع مسموح والمسموح ممنوع، خرق القانون تبرره وجهة نظر و وجهة النظر تشرع نفسها كقانون، رياء وخداع ونفاق في تبادل الحقوق والواجبات، فلا عجب ان يتحوّل الوطن الى خمّارة كبرى ترى فيه اللبنانيين بسكارى وما هم بسكارى، مدمنين وما هم بمدمنين ، تائهين وما هم بتائهين، منتفضين متذمرين ثائرين وما هم بأبطال ولا بثوار ولا هم بأصحاب قضية ذات هدف واحد لأنهم ليسوا بأخوة حقيقيين بل بأبناء زنى وعبيد ومملوكين و جواري واتباع وغلمان وعسس في بلاد مرّت فيها جيوش التاريخ و قذف فيها الجندي والعبد المأمور والتافه والمجرم ومنتهك الأعراض سائلاً منويا حاقداً تفحّ منه رائحة الكراهية للجميع ،وسط حروب يتقاتل فيها الكلّ مع الكلّ بما فيها الابن مع اخيه، ما انجب فرقاً وشيعاً وشرائح وطوائف لا يوحدها قاهر ولا محتل ولا جوع ولا زلزال ولا حتى ثورة العبيد.
تعيش الدولة اللبنانية ازمة وجودية لأن عناصر نسيجها متناقضة وغير متجانسة في التكوين بل متضاربة في الوظيفة والاداء ما جعلها تبدو في حال فصام شخصية تقول ما تنقضه وتنقض ما تقوله، طموحها الاقتصادي اضغاث احلام وامنياتها عن وحدة الشعب هذيان بهذيان ،من طرح فيها افكاراً صار مفكراً ،و من رشح زيتا فيها صار قديساً و من قال الله اكبر صار إماماً.
ولو نجحت الدولة بوحدة الارض عسكرياً ومؤقتاً فإنها قد عجزت بإقناع مواطنيها تاريخيا بوحدة السماء، لأن كهنتها شياطينها وشياطينها مشايخها وحكّامها يكتنزون المال فوق المال والناس نيام.
الدولة تعيش ازمتها الوجودية لانها وليدة جراحة قيصرية أتت على عجل في لحظة حرب عالمية اولى وثانية ،وفي لحظة موت خلافة عثمانية واندحار مستعمرين و ولادة دولة اسرائيلية بحماية دولة امبريالية .
لم تكن الناس مؤهلة بعد لتكون حرّة وسعيدة وتعي ولادة لبنان الكبير، لذلك سعت و ما زالت تسعى للعودة لرحمها الحقيقي كولايات وامارات وقائمقاميات تتبع لحاكم دمشق ام لحاكم القدس الصليبي تفضل العزلة والانقسام على الوحدة و الانفتاح، وما بدلوا تبديلا…
الدولة تحمل في طياتها كل ادوات التدمير و ستنهي نفسها بنفسها حتمًا، أإفلاساً أم بإنتحارٍ شنيع…
ليس بحجة الأمن وخدمات تعيسة تبرر الدولة وجودها،ما عادت الدولة ضرورة بل اصبحت عبئاً وعقبة لتطوّر مجتمع منقسم على نفسه ولو بدا كخدعة تصويرية، مجتمع اوعى من دولته في الاعلام الموجه الاشبه بسوق بيع وشراء في سوق النخاسة.
كل جزء من المجتمع يعتقد ظلما انه من دون باقي الاجزاء الأكثر تطورا ورفعة ولأقرب الى اله السماء.
الدولة هنا نتاج صيرورة تكوينية-تاريخية مريضة لا هي بقادرة ان تحيى سليمة وبعافية ولا هي بقادرة ان تموت .
يجب ان نعطي للدولة حقها بالموت لأنها اصبحت فعليا عثرة حقيقية امام التطور الطبيعي لأجزاء مجتمع منقسم على نفسه بنيوياً و باتجاهات متعددة لا يعترف ولا يحترم نقطة الالتقاء التي هي الدولة الحالية.
ماذا بعد موت الدولة ؟
يقولون حروبا اهلية؟
متى توقفت تلك الحروب الاهلية بالاصل؟.. كانت حروبا بالرصاص والمجازر الجماعية بالدم، واليوم هي حروب بالمال وبالمصالح وبالصفقات والموت الجماعي، بالجوع و الفقر والقهر والمرض والعوز والاهانة، وحروب بالتآمر و بزرع الخناجر غدرا و بالتوزع على السفارات .
أليس الموت بالرصاص اسرع واكثر رحمة من موت بطيء مذل مقرف تسببه دولة وحكام لايرحمون ولا يتركون رحمة لله تنزل على عباده.
الدولة في ازمة وجودية، و افضل خياراتها الموت.